استخدام الدين او العرق او الطائفة وقت الحملات السياسية والتصويت،انتهاك للدستور وجريمة ترقى إلى مستوى الفساد والافساد
في حملته الانتخابية للظفر بقيادة الهند في عام 2014 أطلق “ناريندرا مودي” الكثير من الوعود، وعلى رأسها تحقيق قفزة اقتصادية وتنموية مشابهة لما حققه في ولاية كوجرات التي ظل رئيسا لوزرائها لسنوات طويلة متواصلة. وما أن حقق حزبه (بهاراتيا جاناتا) نصرا عظيما لم يسبقه إليه أي حزب آخر في تاريخ الهند المستقلة، بما في ذلك حزب المؤتمر الذي قاد حركة الاستقلال ومنح الهند معظم قادتها، حتى شمر عن سواعده لتنفيذ اجندته، مستغلا امتلاكه لأغلبية برلمانية كاسحة (350 مقعدامن أصل 543).
وقتها تخوف الكثيرون، خصوصا علمانيوالهند ومسلموها، من مجيء مودي المتهم بعدم حماية مسلمي غوجرات في إصطدامات شهدتها الولاية بينهم وبين الهندوس في عام 2002، إلى السلطة على رأس حزب قومي هندوسي متشدد، فقالوا أنها نهاية الهند ونهاية نظامها العلماني التعددي. غير أن “مودي” كان يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت، وكان مصرا على دخول التاريخ كواحد من قادة الهند العظام، وبالتالي لم يكن في وارد التساهل مع المتشددين والعنصريين الكثر في صفوف حزبه، فقال عباراته المشهورة:”العلمانية كلمة يـُعرفـّـها الناس بطرق مختلفة، أما بالنسبة لي فتعريفها بسيط جدا: الهند أولا“.
وسرعان ما عرف العالم إن هذا الرجل، الذي بدأ حياته العملية بائعا للشاي في كشك على رصيف محطة القطارات، يهوى اتخاذ القرارات المفاجئة والصادمة، ويعتبرها “ضربة معلم” حتى وإنْ ووجهت بالانتقادات من خصومه ومنافسيه.
فإذا ما استبعدنا تنفيذه فورا لأحد وعوده الانتخابية الخاصة بزيادة حصة النساء في الحكومة المركزية عبر منح سبع حقائب وزارية (من ضمنها الخارجية) لسبع سيدات ينتمين إلى ديانات مختلفة، فإن قراره التالي الذي فاجأ البعض هو اختياره الصين، غريمة بلاده التقليدية إلى الشمال والتي تحتل آلاف الكيلومترات من الأراضي الهندية منذ عام 1962، كأول دولة يزورها بعد توليه السلطة. ولئن قيل وقتها أن هذا الاختيار جاء كنتيجة طبيعية لإهتمام الرجل بالنموذج الصيني في الانطلاق الاقتصادي والذي اقتبسه الى حد ما لتحسين اقتصاد ولاية غوجرات خلال توليه رئاسة حكومتها المحلية، فإن المراقبين لم يجدوا ما يقولونه سوى أنه مصمم على استخدام الصدمات الكهربائية في العلاقات الدولية، وذلك حينما قام بزيارة مفاجئة إلى باكستان، غريمة بلاده التقليدية إلى الغرب، وهو في طريق عودته إلى نيودلهي من زيارة سريعة إلى كابول، بل واصراراه على تخطي البروتوكولات لزيارة نظيره الباكستاني نواز شريف في منزله بمدينة لاهور ومشاركته أفراحه بعيد ميلاده وزواج حفيدته.
ولم يمض وقت طويل على توليه رئاسة الحكومة إلا وكان مودي في اليابان، التي تعتبر في مقدمة الدول الداعمة للهند في مجالات الاستثمار والمساعدات ونقل التكنولوجيا، يتفق مع مسؤوليها على تعزيز الروابط الاقتصادية والاستثمارية الثنائية. ثم رأيناه يتوجه إلى الولايات المتحدة، داحضا ما اشيع أنه بصدد فك تحالفات الهند مع الأخيرة واستبدالها بتحالفات مع القوى الآسيوية الصاعدة فقط ، ومستهدفا كسب ود الإدارة الامريكية السابقة التي قاطعته ونظرت إليه بحذر بحجة انتهاكه لحقوق الإنسان في غوجرات في 2002. وفي هذه الأثناء لم يستبعد الرجل منطقة الخليج العربي من حساباته، وعدها ذات أهمية خاصة لبلاده بسبب ثقلها الاقتصادي والنفطي واحتضانها للملايين من العمالة الهندية ومساعيها للإرتقاء بنفسها على جميع الأصعدة، فتواصل شخصيا مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي دون استثناء.
بهذه الزيارات والاتصالات أكد مودي أنه يسعى إلى تحقيق نجاحات واختراقات على صعيد العمل السياسي والدبلوماسي الخارجي، ذات المردود الايجابي على استقرار بلاده وأمنها وتنميتها وما يصب فيها من استثمارات أجنبية كفيلة بخلق المزيد من الوظائف واستيعاب العاطلين أو ممن سيدخلون سوق العمل قريبا.
ومن ضمن الخطط الاقتصادية التي أطلقها بهدف جذب الاستثمارات الصناعية الاجنبية، وتشجيع المستثمرين المحليين على التصنيع، وتعزيز مكانة الهند التصديرية في العالم وربط المنتجين الهنود بما يجري في الكون من تحولات صناعية، وتنمية المهارات المختلفة لدى المواطنين، حملة “أصنع في الهند” والتي حققت نجاحا معتبرا بدليل ان الحجم الاجمالي للإستثمارات الأجنبية المباشرة وصل إلى 63 بليون دولار أمريكي في عام 2015 وحده. ففي سبتمبر 2014 أطلق مودي هذه الحملة غير المسبوقة في تفاصيلها وأهدافها، قائلا إنه يسعى من ورائها إلى تحويل الهند إلى دولة رائدة في تصنيع السلع عالية الجودة بالمقاييس العالمية، وبما يوفر ملايين الفرص الوظيفية، ومضيفاً إن الهند، من أجل هذا الهدف، ستقوم بإغراء أصحاب رؤوس الأموال الأجانب لاستثمار أموالهم في البلاد عبر تقديم حزمة من الإعفاءات الضريبية والتشريعات المزيلة للعوائق البيروقراطية، ومذكرا بأن بلاده من دول العالم الرائدة في تصنيع الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصالات الذكية، ونظم المعلومات ووسائطها المعروفة، ناهيك عن تقدمها المذهل في صناعة الدواء والأقمار الصناعية، وتحقيقها الاكتفاء الذاتي في صناعة الغذاء.
إلى ذلك قام مؤخرا بوضع ميزانية لمساعدة الفقراء من خلال زيادة الانفاق الحكومي على المناطق الريفيية الفقيرة وخفض الضرائب على الدخول الشخصية للقرويين والمزارعين إلى النصف، وتقليص الضرائب على شركات البلاد الصغيرة وزيادتهاعلى الشركات الكبرى.
ولما كان الفساد أحد أكثر الأمور المعيقة للنهوض الإقتصادي من تلك التي تسببت للهند بخسائر ووقفت طويلا كحجر عقرة أمام تفوقها، فإن مودي أقدم مؤخرا على خطوة جريئة دون أن يفكر في تبعاتها السلبية على شعبيته أو اضرارها على المستثمرين المحليين. إذ قرر إلغاء الأوراق النقدية من فئة ألف وفئة خمسمائة روبية، في محاولة للقضاء على الأموال المتهربة من الضرائب أو المستحصلة بطرق غير مشروعة والتي سميت بـ”المال الأسود”.
لكن دعونا من كل ما سبق، ولنتوقف عند قرار تاريخي يحسب لمودي وهو قرار اتخذته حكومته مؤخرا وصادقت عليه المحكمة العليا الهندية، حول حظر استخدام الدين او العرق او الطائفة عند القيام بالحملات السياسية والتصويت الانتخابي، معتبرة ذلك انتهاكا للدستور وجريمة ترقى إلى مستوى الفساد والافساد.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh