إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
لقد دقّت الأجراس، ومشروع تقديم “مُجتبى” (خامنئي) بوصفه منقذَ الشعب الإيراني، وصل إلى مراحله الأخيرة.
المقابلة الأخيرة مع “عباس بالیزدار”، الذي سبق اعتقالُه لكشفه الفساد المنهجي والذي يؤكد اليوم على صحة أقواله، (وهو سياسي وحقوقي، وكان منتمٍ للسلطة القضائية، كشف في فترات سابقة فساد كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية) هي علامة أخرى على السياسة التي تهدف إلى تقديم “بن سلمان” إيراني (في إشارة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان): مكافحة الفاسدين، توفير الحريات الاجتماعية، وضمان حد أدنى من الحريات السياسية. تلك هي المحاور الأساسية لمؤيَّدي فكرة صنع “بن سلمان” من “مُجتبى”.
بمعنى آخر، يسعى أنصار هذه الفكرة إلى إظهار الابن ليطهِّرَ صورة الأب، في ظل ظروف أصبحت فيها مسألة “الخلافة” محورية في العلاقات الداخلية لإيران. حيث يخططون لتقديم نجلِ المرشد بوصفه مصلحاً ومنقذاً في ظروف خاصة. خاصة في ظل عدم وجود معارضة موحدة داخل البلاد، ووقوع العديد من مجموعات المعارضة في الخارج تحت وطأة التمويل والامتيازات، أو استجداء الاهتمام من ترامب ونتنياهو.
لهذا، وجد مؤيدو فكرة صنع “ابن سلمان” الفرصة مواتية لرفع راية “مُجتبى” الشاب كوريث للقائد المسن، العنيد، والمتشبث بمواقفه. الصورة التي قدمها پالیزدار في مقابلته لم تكن جديدة: نظام غارق في الفساد، يهدد بإحراق إيران وشعبها. لقد قُدمت هذه التوقعات قبل سنوات، بأن هذا الفساد كسرطان سيقضي على الجسد المريض. والآن، يريد هذا المريض المتهالك أن يقدم جراحاً، وصورة ابن عازم على إصلاح كارثة الأب للعالم الخارجي. ولهذا السبب، كان بالیزدار في المقابلة يتردد على ذكر اسم مجتبى بوصفه الأمل الوحيد لحل الأزمة.
في السنوات الأخيرة، لجأت الفصائل الأضعف من القوى الأمنية الإيرانية، لمكافحة الفساد المنتشر، إلى كشف الوثائق عبر شخصيات مثل “بالیزدار”. وهذا هو الأمر الذي أقرّ به “بالیزدار” أيضاً. هؤلاء يأملون من خلال الكشف عن الفساد أن يحدّوا من انتشاره، وأن يجلبوا نسمة من التغيير في هيكل النظام البالي مع وفاة أو تقاعد المرشد المتشبث بمواقفه.
لكن المسألة معقدة حقاً، فمُجتبى هو جزء من المشكلة، فكيف يمكن أن يكون حلاً لها؟
أول مرة ذُكِرَ فيها اسمُه علناً كان في رسالة رجل الدين الخاضع للإقامة الجبرية، “مهدي كرّوبي”، المنددة بتزوير انتخابات عام 2009 والموجهة للمرشد علي خامنئي. إذ اتهم “كرّوبي” مكتبَ المرشد والحرس الثوري بحشد الجهود لصالح الرئيس آنذاك محمود أحمدي نجاد، واصفاً مُجتبى بـ”الأغا زاده” (صاحب النفوذ)، بينما خاطب خامنئي ابنه بـ”السيد”.
لاحقاً، أصبح مُجتبى أحد أهداف المتظاهرين في الحركة الخضراء عام 2009، حيث رفعوا شعار “مجتبى، متْ كي لا ترى الزعامة”. وكان أحد مقاصد “مير حسين موسوي” (المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2009 وزعيم الحركة الخضراء والخاضع حاليا للإقامة الجبرية) في مقولته الشهيرة “لن أستسلم لهذا السيناريو الخطير”، هو رفض توريث السلطة.
ذلك لأن مُجتبى والحرس الثوري كانا من أبرز المشرفين على أحداث التزوير الانتخابي في 2009، والآن، يُظهر مُجتبى نفسه كحل للمشكلة التي كان جزءاً منها بالأمس.
ولدى مُجتبى مشاكل هيكلية في طريقه لأن يصبح منقذاً: فإيران ليست السعودية، ولا هو بن سلمان، ولا الشعب الإيراني كالشعب السعودي. المقارنات من هذا النوع هي تبسيط مفرط لمشاكل معقدة. ربما يكون هدف خامنئي هو إنقاذ ابنه من غضب الشعب المقهور، وربما يعتقد مجتبى أنه بإمكانه قيادة إصلاحات هيكلية لتحقيق التوافق بين إرث والده المظلم والشعب الذي يتوق إلى الاستقرار، والخبز، والحرية، والسلام، وجعل اسمه خالداً.
مهما كان الأمر، فإن تحقيق هذا الهدف صعب.
فهذه إيران، بلد يعكس تنوعاً من الحركات الثورية والإصلاحية. لقد انتهى زمن فرض النماذج من الأعلى إلى الأسفل، وزمن “الجينات المتفوقة”. سيحكم إيران مواطنوها الأحرار، وأي حكومة يجب أن تكون بالانتخاب الشعبي. وانتهى عهد التوريث كورقة شرعية. ولذلك، في هذا السياق، فإن صناع “بن سلمان” الذين أحياناً يلمحون عبر وسائل الإعلام إلى “عطايا” الملك السعودي على شعبه، إنما يسيرون، بقصد أو بدون قصد، على هذا المسار ذاته: تقديم مُجتبى بوصفه منقذاً.