أصدرت وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية تعميماً إلى جميع المؤسسات الإعلامية والسياحية، كما جاء في الصحف (الجريدة 31/ 12/ 2016)، يتضمن منع إعلانات حفلات رأس السنة وأعياد الميلاد، وهددت الوزارة الإيرانية بإقفال المؤسسات المخالفة وإحالة مسؤوليها إلى القضاء بتهمة “الترويج لطقوس غير إسلامية بين المسلمين”. فقد اعتبرت الوزارة أن هذه الإعلانات إلى جانب الترويج لتلك الطقوس “محاولة للتبشير بالمسيحية بين المسلمين وعليه فإن المعلن يعتبر شريك جرم”.
وبعكس ذلك كتب أحد الإسلاميين الكويتيين الشيعة يدعو للتسامح، وهو الكاتب عبدالمحسن جمال، وقال: “نفاجأ كل عام بمن يحاول أن يعكر صفو هذا الاحتفال الإنساني الطبيعي بمحاولة تحريم هذه التهاني الطبيعية، وينسب إلى الدين الإسلامي السمح منعه، لذلك فإن أغلبية المسلمين يتباركون فيما بينهم ومع كل الناس يتبادلون التهاني بهذه المناسبة السعيدة، ولعل هذا التشدد يأتي من عدم فهم أن الإسلام جاء للعالمين أجمع، وأنه يحترم كل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وكل الكتب السماوية، ويأمر بالتعارف والتفاهم بين أمم الأرض كلها”. (القبس 4/ 1/ 2017).
وأضاف أن الإمام علي بن أبي طالب تقبل من بعض الصحابة من أبناء فارس حلوى “الفالوذج” بمناسبة “يوم النوروز”، وهو بداية السنة الشمسية حسب التقويم الفارسي، وقال لهم “نورزونا كل يوم”، وأضاف جمال: “وهذا يعني أنه لم يجد في ذلك غضاضة، بأن يحتفل الناس ببداية السنة الجديدة بتوزيع الحلوى”.
مراسل صحيفة “الجريدة” أضاف شارحاً الخبر الإيراني: “يحق للمسيحيين إقامة برامج ترفيهية داخل مراكز ونواد مخصصة لهم، لا يحق للمسلمين دخولها، حتى إن كانوا ضيوفاً”.
مسيحيو الكويت إذاً في نعيم، إذ لا يمنع أحد مشاركة ضيوفهم المسلمين في احتفالاتهم!
هل وافق مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي على هذا التعميم، وهل هو قائم على بعض فتاواه، أم أنه مجرد تعميم وزاري روتيني، أو ربما تسبب في إصداره التنافس الشيعي- السني والصراع في المنطقة الخليجية والعربية، ومحاولة كل طرف خليجي وإيراني اختطاف راية التشدد الإسلامي، والحرص على التراث الإسلامي وحماية بيضة الإسلام؟!
إن كان السيد “مرشد الثورة” قد وافق على هذا التعميم فثمة إشكال بحاجة إلى توضيح من مكتب سماحته، وقد راجعتُ رسالة السيد الخامنئي الفقهية المعروفة والمنشورة بعنوان “أجوبة الاستفتاءات لسماحة ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله الوارف”، من مطبوعات “دار النبأ” عام 1995 في الكويت.
ووجدتُ في الجزء الثاني من الكتاب، ص104، السؤال رقم 304 الموجه إلى المرشد السيد الخامنئي يستفسر السائل: “بالنسبة إلى أعياد المسيحيين هناك بعض المسلمين يحتفلون بها، فيضعون شجرة الميلاد كما يضع المسيحيون، فهل في هذا إشكال؟”، وكان جواب “السيد خامنئي” على النقيض تماما من تعميم وزارة الإرشاد الديني الإيرانية الحالي، إذ قال بالحرف الواحد، “لا بأس بالاحتفال بميلاد عيسى المسيح على نبينا وآله وعليه السلام”.
فلم ينهر المرشد هؤلاء المسلمين المحتفلين بأعياد المسيحيين ولا توعّدهم، ولا قال فيهم ما نسمع في بعض الدول الخليجية مثلا!
وكان السيد خامنئي قد سئل كذلك، كما جاء في أجوبة الكتاب عن الأسئلة الفقهية عن “عيد النيروز”، كما يلي: “ما هو رأي سماحتكم في عيد النيروز، هل هو ثابت شرعا كعيد يحتفل به المسلمون كعيد الفطر وعيد الأضحى، أم أنه يوم مبارك فقط كأيام الجمعة مثلا وغيرها من المناسبات؟”.
وقد أجاز خامنئي الاحتفال بهذا العيد قائلاً في الجواب “لم يرد نص معتبر على كون النيروز من الأعياد الدينية أو من الأيام المباركة شرعا بالخصوص، إلا أنه لا بأس بالاحتفالات والزيارات فيه”.
وفي هذا الجواب كذلك لم نجد أي زجر أو نهر، رغم هجوم فقهاء العالم العربي والإسلامي على “المجوسية” والنيروز والزردشتية، واعتبارهم المناسبة “وثنية”، أو ذات صلة بعبادة النار، وأديان بلاد فارس قبل الإسلام، وكذلك رغم أن مرشد الثورة في الجمهورية الإيرانية بمثابة قائد ديني لكل العالم الإسلامي، ضمن أيديولوجية ولاية الفقيه.
هل للتشدد الإيراني ضد المناسبات المسيحية، ومنها أعياد الميلاد، علاقة بموقف إيران وحزب الله من المسيحيين في لبنان مثلا، أو أية دولة أخرى، أو تراه يعكس تنافسا بين متشددي الشيعة والسنّة في الدول المسيحية؟
فالطاغي على الإجابات الواردة في كتاب “أجوبة الاستفتاءات” هو الاهتمام بالمسلمين خارج إيران وبخاصة في العالم العربي وأوروبا، قد لا يجيب السيد خامنئي الإجابة نفسها عن هذه الأسئلة داخل إيران. فنراه يتخذ مثلا موقفا مرنا من “نجاسة الكافر” أي المسيحي، ويقول إن الكتابي “لا يبعد أن يكون طاهرا ذاتاً”، وإن “النجاسة الذاتية لأهل الكتاب غير معلومة”.
وهذا بالطبع موقف فقهي لا يتطابق مع ما في كتب الأحاديث والأخبار المعتمدة لدى الشيعة، وقد يتبناه المرشد لأغراض سياسية.
مشكلة معايشة ولمس ومصافحة “الإنسان الكافر غير الكتابي” ومدى نجاسته أعقد بالطبع، وهذا ما نراه في السؤال رقم 334 الوارد لمكتب المرجعية ربما من دولة آسيوية غير إسلامية، ويقول: “الأكثرية المطلقة من الناس هنا هم من الكفار البوذيين، فعندما يستأجر طالب الجامعة بيتاً، ما حكم طهارة ونجاسة ذلك البيت؟ وهل من الضروري غسل وتطهير المنزل أم لا؟ ومن المناسب الإشارة إلى أن كثيراً من المنازل مصنوعة من الخشب ولا يمكن غسلها، وما هو الحكم بالنسبة إلى الفنادق والأثاث والأدوات الأخرى الموجودة فيها؟”. وكان جواب السيد علي الخامنئي: “ما لم يُحرز ملامسة اليد والبدن مع الرطوبة المُسرية للكافر غير الكتابي لا يُحكم بالتنجس”، أي أن عرق الكافر أو أية سوائل أخرى ربما حتى اللعاب أو الدموع من النجاسات، كما يفهم من فتوى الخامنئي، هذا غير أنه يضيف مكملاً: “وعلى فرض اليقين بالنجاسة فلا يجب تطهير أبواب وجدران المنازل والفنادق، ولا الأثاث والأدوات الموجودة فيها، وإنما يجب تطهير المتنجّس فيما إذا كان مما يستعمل في الأكل والشرب والصلاة”.
(أجوبة الاستفتاءات، 2، ص 100).
أما النجاسة المطلقة التي لا طهارة منها، بموجب إجابات الكتاب، فهي الانتماء إلى الدين البهائي، حيث يقول السيد علي الخامنئي: “جميع أفراد الفرقة البهائية الضالة محكومون بالنجاسة، وعند ملامستهم لشيء يجب مراعاة مسائل الطهارة”.
ماذا عن الإيرانيين البهائيين الذين لا مهرب من التعامل معهم في الإدارات الحكومية وطلاب المدارس وغيرهم، وعددهم في إيران نحو 350 ألف إنسان؟
الجواب الفقهي هنا غامض! يقول: إن التعامل معهم في هذه الحالة “يجب أن يكون طبقا للمقررات القانونية ووفقاً للأخلاق الإسلامية”. وافهم من هذا التوجيه ما تفهم! ويجمع فقهاء الإسلام سنّة وشيعة على أن غير المسلم “كافر” ولكن لا يبدو أن فقهاء المذاهب الأربعة السنية يعتبرون مجرد لمس الكافر تنجّساً، ولكن ورد في تفسير الطبري للآية 28 من سورة التوبة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ”. “حدثنا ابن وكيع، قال ثنا ابن فضيل عن أشعث عن الحسن: “إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ”، قال: لا تصافحوهم، فمن صافحهم فليتوضأ”.
ويقول الطبري كذلك: “اختلف أهل التأويل في معنى (النجس) وما السبب الذي من أجله سماهم بذلك، فقال بعضهم: سماهم بذلك لأنهم يُجنِبون فلا يغتسلون- بعد الجنابة- فقال: هم نجس، ولا يقربوا المسجد الحرام، لأن الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد”.
وفي تفسير الطبري “أن عمر بن عبدالعزيز كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع في نهيه قول الله “إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ”.
ويقول أستاذ كلية الشريعة السابق د. محمد رواس قلعة جي في “الموسوعة الفقهية الميسرة” في تعريفه للكتابي اليهودي أو النصراني إن “الكتابي كافر عند المسلمين، بنص كتاب الله تعالى، ولكنه لا يعامل معاملة المشركين ولا يسمى مشركاً على الرغم من أن عقيدته فيها شرك”.
وفي كتب فقه المذاهب الأربعة تفاصيل وافية لا مجال لعرضها هنا، وكذلك في الكتب الإسلامية عموماً.
وتقول “الموسوعة الإسلامية الميسرة” التي وضعها المستشرقان هـ. جب، وج كالمرز، القاهرة 1985، في مادة “نجس” إن الشيعة يضيفون إلى ما يعتبره أهل السنّة من النجاسات “جثة الإنسان والكفار”، وتضيف الموسوعة: أن “أهل السنّة لا يتبعون الشيعة في شرح هذه الآية” أي أن بينهما اختلافاً في التفاصيل والمدلولات.
ففي كتب فقه الشيعة، ومنها “العروة الوثقى” لآية الله السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي ج1، ص28، يعدِّد الكتاب “النجاسات” ويضم إليها “الكافر بأقسامه حتى المرتد بقسميه واليهود والنصارى والمجوس وكذا رطوباته وأجزاؤه.. والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين، وولد الكافر يتبعه في النجاسة، ولا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب”.
وفي الجزء الثاني من “وسائل الشيعة للحُر العاملي، ص1018-1110 أكثر من ذلك، ففي “باب نجاسة الكافر ولو ذمياً ولو ناصبياً”- والناصبي هو من يكره الإمام علي وأهل بيت النبوة- في هذا الباب من الكتاب نقرأ ما يلي عن “نجاسة” المجوس أي الزردشتيين: “عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام- أحد أئمة الشيعة الاثني عشرية- عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون”.
وفي “الوسائل” نفسه حديث آخر عن الإمام “عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي، أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال الإمام: أما أنا فلا أواكل المجوسي، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون في بلادكم”. وحديث آخر عن أحدهم يسأل أحد الأئمة في رجل صافح رجلا مجوسياً، فقال: “يغسل يده ولا يتوضأ” وسأل أحدهم الإمام “ألقى الذمي فيصافحني، قال امسحها بالتراب أو بالحائط”، وسأل أحدهم الإمام موسى بن جعفر، عليه السلام، قال سألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس، لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن اشتراه من مسلم فليصل فيه وإن اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله” .
ويفتي المرجع الأعلى الحالي للشيعة السيد علي السيستاني بأن “أهل الكتاب من يهود ومسيحيين ومجوس طاهرون، مادمت لا تعلم بنجاستهم، وتستطيع أن تعمل بهذه القاعدة في معاشرتك لهم واحتكاكك بهم”. (انظر: الفقة للمغتربين، موسسة الإمام علي، لندن، 1998، ص76).
غير أن فتوى “طهارة” أهل الكتاب على هذا النحو الشامل لا تلزم بالطبع إلا مقلدي السيد السيستاني، أي الملتزمين باجتهاداته، وتوجد بلا شك اجتهادات أو ممارسات أخرى متشددة.
ونعود إلى ما ورد في صحيفة “الجريدة” الذي بدأنا به المقال، حيث جاء في سبب زيادة الحملة في إيران على غير المسلمين وبخاصة ضد المسيحيين ما يلي: ” في الآونة الأخيرة بدأ الكثير من الشباب الإيرانيين الخروج من الإسلام واتخاذ المسيحية ديناً لهم، بهدف المعارضة السياسية للنظام، الذي يعتبر نفسه ممثل الإسلام، أو بغرض اللجوء إلى البلاد الغربية المسيحية بحجة تغيير دينهم، إذ تفرض القوانين الإيرانية حكم الإعدام على من يخرج من الإسلام”. وتضيف الصحيفة: “ولهذا السبب فإن وزارة الإرشاد بدأت بحملة مكثفة ضد التبشير بالمسيحية داخل البلاد، معتبرة إقامة هذه الحفلات ترويجاً للمسيحية، ومحاولة لجذب المسلمين إليها”.
السنة عندهم المسيحي واليهودي والملحد حلال الدم ويجوز قتله لو تمكن من ذلك. ويتكلمون عن مسألة كهذه لدى الشيعة !
وكيف نعتبر اهل المجوس ممن بقي منهم في ايران طاهرين وهم يعبدون النار ، فهم مشركين كشرك قريش لعبادة الاصنام في الجاهلية