يا مسيحينا ـــ وأنتم منا وفينا ــ ارحلوا.. خير لكم وشر لنا
جفت دموعنا، بحت أصواتنا، شلت مساعينا.. إحباط، يأس، خذلان وعجز. هذا ملخص حال المواطن العربي في أيامنا هذه.
من نبكي؟! هل نبكي عرائس السماء اللواتي قضين نتيجة عمل إرهابي مجرم في كنيسة مصرية؟ أم نبكي أطفال اليمن الذين تأكلهم المجاعة؟ هل نبكي العراق ومصائبه المتتالية؟ ام نبكي حلب وهي تباد؟ كثرت علينا الخيارات والدمع واحد والدم واحد.. فلنبك أنفسنا وعجزنا.
مع أن ما يحصل للمسيحيين في كل الدول العربية يحدث أضعافه للمسلمين، لكني لو كنت مكان أي مسيحي عربي، لحملت عائلتي ورحلت عن هذه البلاد. فلم يعد هناك أمل من التعايش ولا من القبول. ولم يعد هناك فائدة من تكرار الخطاب المستهلك: يد واحدة، ومسيحيون ومسلمون، وغيرها من الكلمات الرنانة. ما زالت العنصرية والطائفية تغرقنا في بحر من الأسى والعذاب والدم. فيا مسيحينا ـــ وأنتم منا وفينا ــ ارحلوا.. خير لكم وشر لنا.
اليمن الذي كان يوما ما سعيدا، أصبح ينز تعاسة. أطفال اليمن يتضورون جوعا، ويقبلون على مجاعة ستأكل ما تبقى من الأخضر في ذاك البلد المنسي.
سوريا الجريحة، وحلب التي تباد على يد النظام السوري بمعية روسيا وإيران وحزب الله.. انتهت. أوضاع كارثية غير مسبوقة في التاريخ، شعب يباد بينما العالم يتفرج عليه. أطفال يئنون تحت الأنقاض، نساء ورجال رُحّلوا عن بيوتهم ليسكنوا البرد والعراء. شباب يُجمعون ليتم إعدامهم ميدانياً. مستشفيات قصفت، أطباء قتلوا، حرائق في كل مكان.
خراب، دمار وانفجارات وصواريخ تمطر أهل المدينة بالموت. مع أن الملام الأساسي في ما حدث لسوريا هو النظام السوري، الذي جلب عليها الروس والإيرانيين وحزب الله، إلا أنه لو بقيت الثورة السورية ثورة مدنية، ولم تتحول إلى ثورات دينية، كل بطريقته، لما وصلت بنا الحال إلى هنا. لو لم تنشق المعارضة إلى العشرات من الجهات والفصائل لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لو لم يتبرع مشايخ الجهاد بتحريض الشباب لـ«الجهاد» في سوريا، وتركوا سوريا للسوريين، لما أصبحت سوريا مئة «شقفة». لو لم تتحول أموال التبرعات التي جاد بها الملايين من البشر إلى «داعش» واخواته لما أصبح كل فصيل يرفع علماً ويقتل الفصيل الآخر باسم الله. لو استطاعت المعارضة أن توحد الشعب السوري حولها لما تحول معظم الشعب إلى لاجئين: مليون في أوروبا، وأربعة في دول الجوار. لو ولو.. لما أصبح مليونا سوري تحت التراب.
كتب الأستاذ حازم صاغية: الشعوب العربية التي طلبت الحرية هُزمت، وبهزيمتها هُزمت الحرية نفسها. نعم سيدي، هُزمت الحرية وانتصرت الطائفية والمذهبية والعرقية. انتصر الدم، الظلم، القمع.. انتصر الشر.. فلنبك أنفسنا.
دلع المفتي
D.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@