من الطبيعي ان يشعر الناس بالملل والإحباط، إن لم نقل بالاشمئزاز بعد مرور زمن كبير على إطلاق حركة المدينة الجامعية في “المون ميشال”، ذلك ان السلحفاة والأرنب وصلا الى خط النهاية ولم يصل اي من الأبنية الجامعية الثلاث هندسة وفنون وعلوم الى الـfinal touch رغم وعودنا المتكررة حول إطلاق العمل فيها سنة بعد أخرى.
ولم تنطلق مناقصة كلية الصحة بعد، رغم اننا أقمنا الدنيا ولم نقعدها لتأمين إقرار قرضها ضمن بدعة “تشريع الضرورة”.
ولم يتبين نور من أي من الكليات الأخرى، رغم أن حلمنا، وللتذكير، كان وما زال بناءً جامعياً موحد يجمع الشماليين من مختلف الأطياف والمناطق والفئات ضمن بوتقة علمية وثقافية ووطنية واحدة تشكل مساحة حوار ديمقراطي بين المكونات بمختلف تلاوينها ومنوعاتها.
كما لم نخطو خطوة أولى باتجاه كلية الزراعة التي نرغب أن تُشاد في منطقة عكار، فضلا عن كليتي السياحة والتكنولوجيا، وانطفاء الحديث عن هذه الكليات الثلاثة بعد ان شكلت جزءا من الحراك الأساسي.
وربما وجب أن نضيف أنه لا مدينة جامعية دون مراكز أبحاث لائقة وأماكن سكن للطلاب.
وكي يكتمل النقل بالزعرور، فإنّ المواطن الشمالي لم يلمس أيّ تغيير في مستديرة البحصاص التي ارتبط إسمها بالمجمع الجامعي، رغم كل الجهود والمبادرات والدراسات التي قامت بها لجنة المتابعة ونقابة المهندسين وبلدتي طرابلس ورأس مسقا. ذلك أنّ محول البحصاص الكئيب يشكل الرابط الرئيس بين طرابلس ورأس مسقا مفتاح الكورة والتي تضم، الى جانب المدينة الجامعية، بعضا من الجامعات الخاصة والمهنيات والمدارس التي هجرت الفيحاء، فضلا عن ضمها المجمعات السكنية الهاربة من الإختناق في المدينة التي خسرت الجزء الأكبر من اخضرارها لصالح زحف باطوني مسلح، رافقه ارتفاع مريع في أسعار العقارات.
وقِس على ذلك قضية الجزء الشرقي من الطريق الدائري الذي اقتربت مناقصته نظريا بعد أن تحلحلت الإستملاكات في منطقة ابي سمراء، علما أنّ هذا الجانب الذي يمر من أمام المدينة الجامعية سيمتص العدد الأكبر من السيارات القادمة للمجمع من شتى الاتجاهات.
أقول نظريا، لأنّ في لبنان تكمن شياطين كثيرة بين النظرية والتطبيق، فضلا عن أنّ للطرابلسيين تجارب مريرة مع الجانب الغربي من الدائري والذي يكاد يقضي على انفاس اهل المدينة، قبل أن ترتاده سياراتهم وسيارات القادمين إلى مدينتهم الصابرة.
قد يشتم البعض رائحة الغضب المتسلل بين التعابير، ولكن هذا الغضب لا يجب أن يتحول إلى إحباط، رغم مرور أكثر من ١٨ عاما على انطلاق لجنة المتابعة الاولى و١٥ عاما على انطلاق الثانية الاكثر تمثيلا وقوة وانتشارا والتي خرجت للضوء بعد انتفاضة كلية العلوم في بداية الألفية الثالثة، وبعد مرور ١٤ عاما على وضع حجر الأساس “النظري السياسي” في احتفال كبير، ومرور عشرة أعوام على البدء بحفر العلوم باحتفال آخر.
يقول كثر أنّ الحلم ضروري ليشحننا بالطاقة.
وبالفعل هناك فئتان طرابلسيتان حلمتا سويا، واحدة بفروع للجامعة العربية وقد تحقق حلمها، وأخرى بمدينة جامعية لائقة للفروع الشمالية، ولم يبدأ التدريس بعد بأي من كلياتها.
طبعا الفرق بين المشروعين كبير جدا والفرق بين ماكينة الدولة، خصوصا بنسختها الطرابلسية وماكينة القطاع الخاص كبير ايضا.
ولربما وجب الإعتراف بأنّ الإنقسامات السياسية وزلزال ١٤ شباط وتداعياته ودخول البلد عموما وطرابلس والشمال خصوصا، في الأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية شكل عامل إعاقة كبير. ولكن رغم ذلك، يتحمل المسؤولون عموما، بما فيهم مسؤولو الجامعة، والمسؤولون الشماليون خصوصا، جزءا كبيرا من أسباب التأخير، ولا نعفي بعض النخب الشمالية والطرابلسية من هذه المسؤولية، ذلك أنها تعودت على الندب والفعل السلبي على وتر المظلومية، محوّلة هذه المظلومية إلى تشاحن مظلم بدل الشحن الإيجابي المضيء، كما حصل في قضية المرآب الذائع الصيت.
ورغم لوحة التشاؤم التي رسمناها، نرى أنّ صلابة الكثيرين من مشارب شتى وفي كل المستويات والمواقع أيضا ساهمت في تثبيت الإنجازات التي تعد كبيرة، اذا ما قيست بالظروف الموضوعية التي رافقت الحلم الشمالي الطويل.
ومن هنا نلج الى المحاور التالية.
اولا: إعادة الإعتبار الى القضية الأصلية وهي بناء مدينة جامعية كاملة مع مراكز الأبحاث التي لها الدور الرئيسي من مستوى تلقين المعرفة إلى مستوى إنتاجها، كما في ربط الجامعة بالأسواق الشمالية وغير الشمالية، بما فيها المساهمة في إعداد الكوادر لأدوار ممكنة للفيحاء في إعادة إعمار سوريا.
ولا ننسى أبنية السكن للطلاب لتسهيل الحياة الأكاديمية، خصوصا للقادمين من مناطق بعيدة، وغير القادرين على تحمل أكلاف الإيجارات ومشقات التنقل.
ثانيا: إيلاء أهمية قصوى لإنجاز الكليات الثلاث هندسة، فنون وعلوم، بما فيها التجهيزات والمفروشات وعقود الصيانة كي ينطلق التدريس في المجمع في السنة الأكاديمية القادمة، والإطلاق الفوري لمناقصة كلية الصحة التي طال انتظارها، خصوصا أنّها تقع بين مبنيي العلوم والهندسة، ما يقتضي إنجاز حفرتها قبل بدء التعليم في هذه الكيات، علما أنّ مناقصتها تتضمن الأغورا التي تربط الكليات بطريقة جميلة. وكل هذا يعني أنّ نصف المجمع العلمي يصبح ناجزا تماما مع انتهاء الكليات الإربع مما سيشكل إنجازا كبيرا.
ثالثا: العمل الدؤوب والسريع لتحويل مبادرات محول البحصاص الى إنجاز متحقق بالسرعة المطلوبة، خدمة للمجمع الجامعي من جهة ولكل الجامعات والمدارس والمنتجعات البحرية، وهذا يقتضي توحيد الرؤية والمبادرات والخطط وربما تدرجها والمتابعة المتواصلة والمنتجة مع المعنيين وفي المقدمة وزارة الأشغال، علما أنّ الجهات المتابعة تمتلك الجدية والإصرار معا.
وفي سياق مسألة الطرقات نرى ضرورة العمل على الإطلاق السريع لمناقصة الجزء الشرقي من الطريق الدائري، والإنتهاء الأسرع من الجزء الغربي بعد أن رفع نسبة المظلومية عند الطرابلسيين، كما فعلت معظم التلزيمات الأخرى.
رابعا: إطلاق النقاش بالمآل التنظيمي للفروع الشمالية بموازاة إنجاز الأبنية في المجمع، ذلك أنّه لم يعد جائزا، فضلا عن أنّه لم يعد ممكنا إدارة هذه الفروع عن بعد، خصوصا مع استفحال المحاصصة والزبائنية بما يعيق الأعمال الاكاديمية ويفرمل الطاقات والإمكانيات التي ما تزال تمتلكها الجامعة اللبنانية، علما أنّ اللامركزية الإدارية ستشكل حافزا إضافيا لبحث استقلالية هذه الفروع.
ونعتقد بأنّ الطروف السياسية المستجدة، من انتخاب الرئيس عون إلى تكليف سعد الحريري تشكل عناصر إيجابية بالنسبة لموضوع البناء الجامعي، ذلك ان للطرابلسيين والشماليين عموما دين على الشيخ سعد في تنفيذ مشاريع إنمائية للمدينة التي أعطت الكثير، خصوصا في مواضيع السيادة والحريّة والعروبة، ربيعا وخريفا، ولكنها أخذت القليل، كما أنّ لوالده دين عليه أيضا في موضوع البناء الجامعي، ذلك ان الراحل احتضنه من اللحظة الأولى التي فاتحه به الحالمون.
وطبيعي أن تستنفر كل القوى والهيئات من أجل الضغط الديمقراطي المرن والمتنوع لتنفيذ
كل القضايا المطروحة حسب الأولويات.
فمن لجنة المتابعة التي شكلت الرافعة الهائلة والدائمة لهذا المشروع وصولا للجنة الفنية المكلفة من قبل الجامعة بإلإشراف على التنفيذ( والتي تطرح التباسا عند البعض أحيانا لأنها تحمل إسما مشابها للجنة الاساسية) وما بين اللجنتين من قوى وهيئات سياسية و بلدية ومدنية وثقافية، ذلك أنّ المدينة الجامعية شكلت عامل توحيد للجميع في أصعب لحظات الانشطار، ومن هنا نرى أنّ اعادة إلإعتبار للقضية بشموليتها يشكل عامل جذب وتو حيد للشماليين تساعدهم على تجاوز الإنقسامات البغيضة، وغني عن البيان أن المدينة الجامعية تشكل قضية إنمائية بامتياز ما يستدعي التفافنا جميعا حولها.
talalkhawaja8@gmail.com
طرابلس