عرضت على جدار واجهة بيت الصحفيين في جنوب العاصمة الفرنسية باريس، خمسة عشر صورة فوتوغرافية ضخمة، ضمن معرض “حلب النقطة صفر” الذي افتتح مساءً في الخامس من أيار/ مايو. طول الصورة الواحدة متران بعرض ثلاثة أمتار، بالإضافة لخمس وستين صورة أخرى في الصالات الداخلية لبيت الصحفيين بأحجام صغيرة ومتوسطة، جميعها التقط في مواجهات العام 2013.
الصور الكبيرة والتي حُملت على رافعات وعُلقت بدون أية تعليقات كتابية، لفتت أنظار المارة في الحي الباريسي، وأثارت أسئلتهم عن صور الدمار والخراب في عاصمة ودّعت الحروب منذ زمن طويل! خصوصاً أن السور المقابل لـ”بيت الصحفيين” قصير، الأمر الذي فتح مجال أوسع لرؤية الصور من مسافة أبعد، كذلك الطريق المحاذي والذي تمر به حافلات نقل الركاب، الأمر الذي يمكن ملاحظته من إستدارات الركاب للنظر إلى الصور، فيظهر بعضهم كما لو أراد أن يطلب من السائق التوقف.
المعرض جاء بدعم رئيسي من بلدية باريس، بالإضافة للجنة حماية الصحفيين وصندوق اللجوء والهجرة الفرنسي، واهتمام من قبل إدارة بيت الصحفيين والعديد من وسائل الإعلام الفرنسي الداعمة للبيت، ويستمر لأربعة أشهر وعشرة أيام، أي حتى الخامس عشر من ايلول/ سبتمبر.
الافتتاح شهد حضوراً لوسائل إعلام فرنسية، وسكان بيت الصحفيين السابقين والجهات المنظمة وأخرى حقوقية ومدنية، بالإضافة لبعض المارة وسكان الحي. وشهد في يومه الأول أحاديث جانبية عن مدينة “حلب” والدمار الذي شهدته والبراميل المتفجرة وغيرها. في زاوية الصالة الأرضية وُضع كتاب كبير بصفحات بيضاء تركت للزوار ليكتبوا مشاعرهم عليها، حيث كتب العديد منهم باللغة الفرنسية أمنياتهم لسوريا ومدينة حلب التي يسمعون عنها في نشرات الأخبار، والشكر للصحفي الذي نقل لهم الحقيقة.
مظفر سلمان وهو الصحفي الشاب الذي التقط الصور بعدسته، العدسة التي سبق لها المشاركة بمهرجان “نظرات متقاطعة” في روما والحاصلة على جائزة التصوير، والتي شاركت أيضاً في المعرض الجماعي المتنقل للجائزة، في بلدان عدة خلال العامين 2006 و 2007 بالإضافة لمشاركة أخرى منفردة بمعهد غوتة في كل من دمشق وكوبنهاكن.
الصور المشاركة سبق لها الظهور على وسائل إعلامية عدة كالصفحة الأولى لنيويورك تايمز، وصحف أخرى كالواشنطن بوست، ولوموند، والتايم، ووكالة رويترز العالمية للأنباء، بالإضافة لوسائل الإعلام المجتمعي، لكنها هذه المرة جاءت بطريقة مختلفة من حيث العرض، موجّهة لمن لا يبحث عنها وصادمة، صور أطفال وهم يبكون وآخرون ينظرون بذعر، وكبار منهكين ليسوا بحال أفضل.
السلاح حُظي بنصيبه في المعرض، عبر صور تختزل لمحات إنسانية لمقاتلين، حيث يظهر مقاتل وهو يحمل رشاشه ويطعم قطة في الطريق، وآخر يسرح شعره وينظر في المرآة، وثالث يأخذ استراحة في بيت مدمر وهو يشاهد التلفاز.
أسئلة عديدة أخرى، كلماذا يشرب الطفل من المياه الراكدة في الشارع، لماذا يختبئ الصغار خلف الجدار، وغيرها الكثير طرحتها الصور. وحول تلك الأسئلة صرح مظفر سلمان “كنت أحاول أن أستفز ضمير العالم لما يحدث في سوريا.. فصورة الطفل وهو يشرب من المياه الراكدة تعرضت بسببها لهجوم عنيف من البعض وطالبوني بشراء الماء للطفل بدلاً من تصويره.. وكأن الماء كان متوفراً أو أني إلتقطتها من أمام سوبرماركت”! ويضيف “اليوم أنا أعكس معاناة الشعب السوري للعالم فمثل هذا الطفل أطفال كثر لم يشاهدهم أحد.
وعن اسم المعرض الذي يبدو غريباً، “حلب النقطة صفر”، يروي مظفر سلمان كيف وقع اختياره عليه، ويشرح بأنه اسم لمكان المواجهات التي حدثت في حلب بين الثوار والنظام السوري، حيث قام الثوار بفتح أكثر من مئة بيت على بعضها للتنقل بأمان، فتحولت لمنزل واحد كبير كان اسمه “النقطة صفر” ضم جمعاً من الشباب السوري من مختلف المحافظات بذات المنزل الكبير. وعن ذلك يقول “النقطة صفر هو المنزل الذي جمع السوريين في خندق واحد”. ويضيف “اليوم أريد القول أن النقطة صفر هي ضمير العالم الذي يشاهد السوريين يموتون بين آلة القتل الأسدية والبرد في مخيمات اللجوء أو الغرق في البحر دون أن يحرك ساكناً”.
دارلين كونتيير مديرة بيت الصحفيين صرحت أن “البيت لم يكن فقط لإيواء الصحفيين اللاجئيين كما يعتقد البعض ولطالما أردنا أن يعكس الصحفي معاناة بلاده، ففرنسا هي محطة أخرى للاستمرار بالعمل”.
raafat.alghanim@gmail.com