خاص بـ”الشفّاف”
المقصود من هذا العرض السريع ليس اعطاء توصيفات نهائية لما يجري في سوريا، بل تحريض جميع المهتمين للقيام بمراجعة شاملة لما مرت به الثورة وعدم التوقف عند صورتها في بداياتها، ومحاولة تلمس اوضاع الصراع الراهنة، ووضع الحلول الممكنة التحقيق لمصلحة الشعب الذي لم تكن هناك حدود لتضحياته من اجل الاهداف التي آمن بها لسوريا التي يريدها.
الثورة خروج على الوضع الراهن لتغييره بوسائل غير معتادة بعد استعصائه على التغيير بطرق الاصلاح التدريجي، وبعد تجمع عوامل عديدة متشابكة تؤدي لانتفاضة شعبية سلمية او مسلحة لتغيير النظام القائم الذي اوصل الناس لاوضاع معيشية لم يعد من الممكن تحملها. وغالبا ما تطبع العفوية الثورات في مراحلها الاولى بحيث تتحدد اهدافها ووسائلها مما تجمع عليه القطاعات الشعبية المنتفضة دون تدخل من قوى منظمة ومؤسسات. لكن غالبية الثورات تخرج من ايدي الحراك الشعبي الذي بدأها، لتقع في ايدي جماعات سياسية او عسكرية تشارك بالثورة بعد اندلاعها ثم تركب موجتها لتحويلها لاهدافها الخاصة المخالفة غالبا لاهداف الثورات في بداياتها.
هذا ما حدث للثورة الفرنسية 1789 التي انتقلت من يد الشعب المنتفض من اجل “الحرية والمساواة والاخاء”، الى يد قائد عسكري نصب نفسه امبراطوراً. اما الثورة الروسية ضد القيصرية فتمت على ثلاث مراحل بين 1905 واكتوبر 1917، وبدل ان تضع السلطة في يد “مجالس العمال والفلاحين” المنتخبة، وضعتها في يد طبقة بيروقراطية جديدة، راسمالية دولة يقودها امين عام حزبي، تحوّل لقيصر جديد. والثورة الايرانية في العام 1979 بدل ان تنقل السلطة الى ملايين الشعب الذي هب من اجل حرياته ضد حكم الشاه الاستبدادي، انتقلت لرجال دين ركبوا الموجة واقاموا حكما قمعيا يتستر بالدين، يحصر السلطة بيد المرشد الاعلى غير المنتخب من الشعب.
الثورة العظيمة التي قام بها السوريون لم تخرج كثيرا عن هذا المسار. فقد كانت في مرحلتها الاولى ثورة الشعب السلمية التي اهدافها الحرية والكرامة، تلاها حمل السلاح كرد على بربرية النظام في مواجهة المتظاهرين السلميين. استمرت في هذه المرحلة الهيمنة الرئيسية للشعب المنتفض على الثورة من خلال “التنسيقيات والمجالس المحلية كمؤسسات قيادية ابتكرها. لكن المرحلة التالية بدأت مع اعلان “جبهة النصرة عن اهداف منظمة “القاعدة” التي تكفّر الديمقراطية لاعتبارها مستوردة من الغرب الكافر. وتبعها تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي تسرب من العراق ليباشر احتلال ما تم تحريره من مناطق ثم ليعلن، بعد انشقاقه عن “القاعدة”، “دولته الاسلامية” المعادية للثورة. فالتوافق على اسقاط النظام مسألة غير معلقة في الفراغ، بل هدف الثورة من ترحيل النظام استبداله بنظام ديمقراطي السيادة فيه للشعب، فيما اسقاط النظام بالنسبة للنصرة وداعش، وكتائب اخرى سورية اسلامية نشأت الى جانبها، من اجل اقامة دولة دينية تبشر بقمع باسم الدين يضاهي ما يفعله النظام.
اصحاب الثورة الاصليين في مناطق سيطرة النظام قمعوا بشدة قتلا وتشريدا ونفيا واعتقالا وتعذيبا ونهبا وتدميرا. اما في المناطق التي خرجت عن سلطة النظام فمسلحو التنظيمات الاسلامية من داعش والنصرة واضرابها يقمعون اي حراك شعبي كما يفعل النظام في مناطقه، ويطبقون مقاييس متشددة في الحياة بحيث وقع الشعب المنتفض بين مطرقة بطش النظام وسندان السلطات المتطرفة لشبه الامارات الدينية، بعد ان همشت مؤسسات الثورة التي اقامها الشعب في حراكه السلمي ولم يبق منها سوى مؤسسات معارضة خارج البلاد ممثلة في الائتلاف والحكومة المؤقتة ومعارضين آخرين، وجيوب في الداخل للجيش الحر ضعيفة ومهددة بالتصفية.
الحروب والصراعات في الوضع الراهن لم تعد كما في المرحلة الاولى للثورة، الصراع بين طرفي السلطة الاستبدادية والشعب المنتفض. فهناك الآن حرب النظام ضد الجميع عدا الميليشيات الكردية، وحرب داعش ضد الجميع، وحرب النصرة وحلفائها ضد بقايا الجيش الحر، وحروب اخرى تنشب في اي وقت بين موزاييك كتائب المعارضة المسلحة التي لا تجمعها اية قيادة مشتركة، في صراع معقد ومتشابك طائفي قومي وبمشاركة قوى اقليمية كبرى. القوى المسيطرة على الارض اهمها النظام المهيمن على ما يزيد عن ثلث سوريا، وداعش التي تسيطر على ثلث آخر، والباقي تتقاسمه النصرة والميليشيات الكردية وكتائب اسلامية وبقايا الجيش الحر، فيما التقدم او التراجع لطرف في جبهة لا يخل كثيرا بالتوازن العسكري الراهن.
لماذا وصلت الثورة السورية لهذه النتائج؟ وما هي الاسباب التي جعلتها تخرج من يد اصحابها الذين اطلقوها؟
ربما وصف الثورة بانها “مختطفة” تعبير لا يعطي فكرة واضحة عن حقيقة “التحول” الذي جرى على مراحل الى ان وصل لما هو عليه الآن من هيمنة القوى الاسلامية المتطرفة رغم وجود بقايا للثورة لا تزال تقاوم تهميشها. حدث التحول لاسباب وعوامل متعددة منها ما هو تحول اضطراري كتسلح الثورة كخيار مفروض رداً على وحشية النظام. لكن العسكرة جرت بشكل عشوائي محلي، افشل جميع محاولات انشاء قيادة موحدة بقرارات مركزية مطاعة من الجميع، وابتعد حاملو السلاح تدريجيا عن الارتباط بالحراك المدني، وعملوا لوضع المؤسسات المدنية التي اقامتها الثورة تحت سيطرتهم بدل ان يحدث العكس، ان تتبع القوى العسكرية لقيادة سياسية.
مؤسسات الثورة الشعبية السلمية من تنسيقيات ومجالس محلية، كان يجب تحويلها الى شبه سلطة جديدة موازية لسلطة النظام تخضع لها كافة النشاطات التي يمارسها الحراك الشعبي دون استثناء العمل العسكري. لكن تراجع دورها كان لاسباب منها توجه النظام نحو تحطيم قياداتها، وهجرة نسبة كبيرة من كوادرها الواعية، التي رغم انها كانت اضطرارية فقد ادت لخلق فراغ في القيادة السياسية لم تستطع ان تملأه قيادة الخارج. مما ترك المجال لتعملق عسكريي الثورة واطلاق غرائزهم لاخضاع الحراك المدني لكتائبهم المسلحة. اصبحت السلطة تنبع من فوهة البندقية، وتحوّل الحراك المدني لدريئة يختبئ خلفها المسلحون من قصف النظام الجوي والبري. فبعد ان اصبح العمل العسكري منفصلا عن الشعب لم يعد يهم الكتائب المسلحة الاحتماء بالمناطق السكنية وما سببه من دمار وهجرات مليونية، فلو كانت تهمها الحاضنة الشعبية، المفترض أنها تعمل من اجلها، لبحثت عن وسائل اخرى لقتال النظام كممارسة حرب عصابات.
المجلس الوطني والائتلاف فشلا في تشكيل قيادة سياسية لقوى الثورة المدنية والعسكرية، ويعود ذلك بالدرجة الاولى لتصارع كتله “على جلد الدب قبل التمكن من اصطياده”! كنتيجة لعدم وجود تقاليد ديمقراطية للتجمع حول هدف مشترك يتوافق عليه الجميع، ليؤجلوا الاهداف الخاصة لكل منهم للتنافس حولها في ظل ديمقراطية يتفق الجميع على اولوية العمل المشترك لتحقيقها. اخطاؤهم افقدتهم ثقة الشعب بهم. انتكاس القيادة السياسية في الداخل والخارج ترك مركز القرار بيد امراء الحرب. وفيما عدا بعض العسكريين المنشقين، فقد اعتمدت العسكرة على مد من الجهاديين اتوا من تنظيم القاعدة المتطرف في العراق، وتلاه استقدام مجاهدين اسلاميين من شتى انحاء العالم، طبعوا العمل المسلح بالتدريج بنمطهم في العمل، وحرفوه عن اهدافه الرئيسية.
وحتى اذا استثنينا تنظيم داعش الذي انتقل للثورة المضادة وجبهة النصرة التي تشارف على التحول لثورة مضادة، فان كتائب عسكرية اخرى، معتدلة ومتطرفة، لم تخرج عن استقطاب امير حرب لكل منها، وليحكم تنقل افرادها من كتيبة لاخرى مدى توفر المال والسلاح، وليس لاسباب تتعلق باهداف او وسائل العمل، حتى يكاد يكون الارتزاق منتشسرا في كتائب عديدة تمارس السرقة والخطف من اجل الفدية وفرض اتاوات في مناطق سيطرتها. فاذا “توحدت” كتائب بين وقت وآخر فتوحيدها شكلي، بانشاء “مجلس موحد” وليس قيادة موحدة، خاصة في مواجهة جيش النظام المتمتع بوحدة القيادة والخطة وادوات التنفيذ. وآخر عملية توحيد شكلية هي انشاء “مجلس قيادة الثورة” ضم ممثلي كتائب تتفق على اسقاط النظام، دون ان تشير في بيانها لشكل سوريا المستقبل الذي تسعى اليه. اجمالا غالبية القوى المسلحة فقدت شرعيتها وفشلت في اقناع الشعب السوري والمجتمع الدولي بانها البديل الافضل للنظام.
اسلمة العمل المسلح لم يأت فقط من غزو الجهاديين الخارجي، بل ايضا من تأسلم الكتائب للحصول على الدعم السخي القادم من دول اسلامية. وتفكك الثوار المناصرين للديمقراطية وانتقال الكثير منهم لمنظمات اسلامية تمتلك مصادر مالية وتسليحية كبيرة. كما ان النظام رفد الكتائب الاسلامية باعداد كبيرة من الجهاديين الذين كانوا في سجونه والذين اصبحوا قادتها وعمودها الفقري. كما استندت الاسلمة لعامل محلي هو درجة عالية من التدين تميزت بها قطاعات واسعة من الشعب السوري وخاصة في الارياف كرد على ظلم النظام الذي دام لعقود، فنسبة كبيرة من الشباب المنتفض كانت متدينة ولكن دون تطرف، في مواجهة النظام وعدم فعالية الضغوط الخارجية لوقف اجرامه. لكن التدين الشعبي شيء والتطرف في تديين اهداف الثورة شيء آخر لا يتفق مع الغالبية المؤمنة في سوريا التي كان واضحا منذ البداية ان ثورتها ليست لهدف اقامة دولة دينية بل دولة مدنية.
كما ان الثورة في مراحلها الاولى ابتعدت عن الطائفية باصرارها على ان “الشعب السوري واحد”، بعكس ما دفعت اليه المنظمات الاسلامية المتطرفة من ادعاء تمثيلها لطائفة سنية مظلومة في مواجهة ما تسميه التسلط النصيري، مما اجج الصراع الطائفي الذي غذاه النظام بجلبه ميليشيات شيعية لبنانية وعراقية وايرانية، ساهمت في تحويل الصراع الى شبه حرب دينية اصولها موغلة في التاريخ. مما افقد الثورة القدرة على اقناع قطاعات الشعب الحيادية او الخائفة، كما افقدها التعاطف والدعم الفعال للمجتمع الدولي، فالغالبية اعتبرت ان ما يجري حرب طائفية لا يمكن الانحياز لاي طرف فيها.
يضاف الى العوامل السابقة عامل مهم آخر هو الدور الخارجي الذي اتسم بالتردد وعدم الفعالية واللامبالاة احيانا، والتدخل في شؤون الثورة السياسية والعسكرية مما زاد في تشرذمها وابتعادها عن اهدافها الاساسية، وتبعيتها لما يريده منها الداعمون على حساب مصالح سوريا وشعبها. كما لم تفعل الضربات الجوية الخارجية المحدودة للتحالف الدولي، اكثر من منع سقوط عين العرب. فدول كثيرة غربية باتت تتحسب من سقوط النظام خوفا من وقوع سوريا بيد القوى الارهابية التي ستشكل خطرا على المنطقة والعالم.
في الوضع الراهن اصبحت الاولوية لوضع حد للكارثة المستمرة التي تهدد بصوملة سوريا والقضاء على ما تبقى من شعبها وعمرانها. فهل نستمر في اعتبار الثورة ما زالت قائمة وان ما تمر به عوارض واخطاء؟ ام اننا يجب ان نعترف بان الثورة فشلت وانتهت، حتى مع وجود بقايا لها سياسية وعسكرية؟. لكلا الموقفين ايجابياته وسلبياته، فاعتبارها مستمرة سيفيد في ابقاء جذوة الثورة حية في النفوس رغم اندحارها على ارض الواقع، وترويج الآمال بان النصر قادم لا محالة، وهو ما سيعزز الاوهام بان ما يجري حاليا من صراع هو طريق لا بد منه للوصول للهدف، فيما الحقيقة انه يسير باتجاه مخالف، لاقامة استبداد جديد ياسم بالدين.
اما الاعتراف بأن الثورة انتهت، منذ اصبحت القوى المسلحة المتطرفة من داعش والنصرة وجيش الاسلام واشباهها القوى المهيمنة في الجانب المواجه للنظام، فهو اقتراب من الواقع الفعلي وعدم العيش في الاوهام ورؤية حقيقة الصراع الحالي بين اطراف لا مصلحة لغالبية الشعب فيما تسعى اليه من اهداف، بحيث يمكن تصنيف هذه الاطراف كثورة مضادة حتى لو كانت مستمرة في قتال النظام، وهذا ما حصل فقط بالنسبة لداعش، ولكن الطرف الديمقراطي لا زال مترددا باعتبار النصرة كذلك، ورافضا لاعتبار ان كتائب اخرى انتقلت للثورة المضادة.
فشل ثورة لا يعني ان لا ثورات اخرى ستليها، فطالما مهمة وهدف “الحرية للشعب” لم تتحقق فالثورة التالية قادمة مرة اخرى وربما مرات. احياء الثورة امر صعب ولكنه ليس مستحيلا عندما تحين ظروفه الموضوعية والذاتية المناسبة. هكذا يعلمنا التاريخ، فالثورة الفرنسية 1789 التي اقامت الجمهورية الفرنسية الاولى انتهت بالفشل بعد استفراد الامبراطور نابليون بالسلطة، وتلا هزيمته في الحرب عودة الحكم الملكي، ثم جائت ثورة 1848 لتقيم الجمهورية الثانية التي انهارت ايضا، لتليها ثورة 1870 التي اقامت الجمهورية الثالثة. الثورة الروسية 1905 فشلت في اسقاط القيصرية فاعتبرت “بروفة” لثورة ناجحة تلتها في شباط 1917 انهت الحكم القيصري. اما الشعب الايراني فقام بانتفاضات ضد السلطة الاستبدادية لرجال الدين كان آخرها ثورته المليونية الخضراء في العام 2009 والتي فشلها لا يعني انها الثورة الاخيرة، فستليها ثورات الى ان يزاح الحكم الاستبدادي.
الاعتراف بفشل الثورات يعني ان ثورات اخرى اكثر اتقانا ستليها عندما تصبح الظروف الموضوعية ملائمة.
اذا تم التوافق بين الديمقراطيين على ان الثورة السورية انتهت بالفشل، فذلك لا يعني الاستقالة من دورهم في قيادة وتمثيل غالبية الشعب السوري التي تريد لاهدافها في الحرية والكرامة ان تتحقق. لكنه يعني التوقف عن الانجرار وراء سراب الثورة “المستمرة”، والبدء بحوار جدي في ورشات نقاش في كل مكان حول ما جرى منذ آذار 2011 حتى الآن، تطرح فيها وجهات النظر المختلفة للخروج بتوافق حول توصيف مطابق لما يجري من صراع حاليا، واين يجب صب جهود الجميع لاحياء الثورة، وليكون الحراك الثوري الشعبي القادم مبنيا على وعي دروس فشل الثورة الاولى لتفادي الاخطاء المرتكبة من الطرف الديمقراطي السياسي والعسكري.
لا يمكن لاحد ان يتنبأ بما ستحمله الاشهر او السنين القادمة. فقد يطول الصراع اي المزيد من التدمير والتقتيل والتهجير. انتصار النظام احتمال ضعيف فان حصل سيعني المزيد من اطالة عمره كنظام ديكتاتوري يقيم دولة امنية على انقاض سوريا. اما اذا انهار النظام فلاسباب منها تضاؤل المساعدات المالية والتسليحية المرسلة من ايران وروسيا المعانية من اوضاع متأزمة بسبب العقوبات الاقتصادية وانخفاض اسعار النفط العالمية. او بتدخل خارجي حظوظه قليلة ولو انه ليس مستحيلا ان بات مقبولا من القوى الكبرى. وقد يسقط نتيجة تعب قواه الرئيسية التي ربما تصل لقناعة ان الاستمرار غير ممكن. اضعف الاحتمالات ان يسقط النظام نتيجة خسارته امام القوى العسكرية المقاتلة له.
الاهم من موضوع سقوطه هو من سيرثه؟ ففي ظل الاوضاع الحالية فان انهيار النظام يعني حروبا جديدة على تركته بين الاطراف التي عددناها، “حرب مجاهدين” فيما بينهم، فكل يعتقد انه الاصح في تطبيق “الشريعة” والباقي يكفرهم ويستحل دمهم، في نسخة قريبة مما حدث في افغانستان من حرب طاحنة بين “المجاهدين” حلفاء الامس عقب انسحاب الجيش السوفييتي في العام 1989، والتي استمرت 6 سنوات الى ان تغلب الطالبان بعد ان تدمرت كابول على يد “المجاهدين” اكثر مما حدث لها في الحرب مع السوفييت. ما نتوقعه حرب ضروس بين النصرة وداعش وكتائب اسلامية وكردية ستضيف دمارا جديدا.
بين كل هذه الاحتمالات يبدو ان مآل الحل الواقعي والمنطقي والذي يتفق مع مصلحة السوريين، السعي لانهاء الوضع الكارثي السوري بحل سياسي تفاوضي يقيم حكماانتقاليا بكامل الصلاحيات تشارك فيه الاطراف المتصارعة، يوقف اطلاق النار ويقود عملية انتقالية تمر بدستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وعودة المهجرين واعادة الاعمار ومواجهة المنظمات الارهابية، داعش والنصرة، وكل من لا يقبل بوقف القتال والاحتكام لعملية سياسية ديمقراطية. سيكون التناقض الرئيسي حينها بين من يقبل بالحل السياسي الذي يقيم حكما انتقاليا يقود للديمقراطية، وبين من يسعى لاحباطه بقوة السلاح. لن يتردد المجتمع الدولي في دعم الحكم الانتقالي بقوة في وجه المنظمات الارهابية كما حدث في العراق بعد اقصاء حكومة المالكي الطائفية الفاسدة.
ما اردنا ان نقوله باختصار ان على الديمقراطيين السوريين بكافة تلاوينهم ان يتوقفوا عن العيش في اوهام السنة الاولى للثورة، ليعترفوا بان الثورة الشعبية قد انتهت منذ زمن وان ما يجري من صراع مسلح لا مصلحة لاحد في استمراره وانه لا بد من اجراء حوار واسع للرد على اسئلة كثيرة اهمها:
ما هي دروس الثورة
الاولى؟ وكيف يمكن تطوير اوضاع الطرف الديمقراطي، بجناحيه السياسي والعسكري، في الصراع الدائر حاليا ليكون له دور اكبر وخاصة في اطار اي حل سياسي وسطي قادم؟
* ahmarw6@gmail.com
ما بعد “داعش”: مراجعة شاملة للثورة السوريةأستاذ جورج المحترم، تحليلك، كعادتك، ممتاز ودقيق ويدل على فهم غالبية العوامل والتطورات في مأساة سوريا وشعبها ، ولكن الحل الذي تقترحه ليس أكثر من حل نظري لا يمكن تطبيقه في الواقع الا بعد عقدين او ثلاثة عقود على أحسن التقديرات لسببين رئيسيين: الاول- مَن بامكانه مقاومة جبهة النصرة او داعش او جبهات اخرى مدججة بالسلاح لا تقيم وزنا لحياة المدنيين العزّل؟ هل سيتوقف تدفق المتطوعين من سائر ارجاء العالم الاسلامي وغير الاسلامي لاعادة ملء صفوف هذه الجبهات وهل سيتوقف سيل الاموال والسلاح الذي يحصلون عليه من جهات مختلفة في الشرق والغرب؟ الثاني طالما… قراءة المزيد ..