التحليل الذي ساد في الفترة الاولى لظهور “الارهاب الاسلامي” أرجع، في معظمه جذور الارهاب الى الفقر والتهميش ونقص التعليم والخبرات التي تؤهل الشباب المسلم على الانخراط في سوق العمل المعولم. لكن، مع الوقت، بدأت تتغير هذه الصورة النمطية بحيث تبين ان هناك فئات عالية التعليم وتمتلك وظائف جيدة. يدعم أداء وزبائن داعش هذا التحليل.
كتب ألون بن دافيد في “معاريف” عن عثمان أبو القيعان، الطبيب المتدرب من مستشفى بارزيلاي، والذي قتل في صفوف «الدولة الاسلامية». الذي لم يكن شابا يائسا وعديم الفرص. العكس هو الصحيح: فقد تميز في تعليم الطب في جامعة إربد في الاردن بل وأثار الانطباع لدى المحيطين به في اثناء أشهر التدريب في قسم الباطني في المستشفى في عسقلان. ولكنه ترك مزايا وضعه وذهب للقتال في صفوف التنظيم المتطرف وقُتل على الحدود السورية التركية. والأمثلة المشابهة كثيرة. ما يشير الى أن تنظيم الدولة الاسلامية لا يستقطب فقط المقموعين والطبقات الضعيفة في اوساط مسلمي العالم، بل يفضل التوجه للمتعلمين منهم لتجنيدهم. وأداؤهم الأمني والمخابراتي والاعلامي يبرهن ذلك. وفي هذا الصدد، ترى الباحثة دنيا بوزار في حديث لوكالة “فرانس 24 عن اوصاف الشبان الذين يقعون في حبال داعش على انهم من كل الاوساط ويذهبون الى المدرسة ولا يعانون مشاكل مع اسرهم لكنهم يستهدفونهم عبر خلط حداثة الإنترنت وصور ألعاب الفيديو وتقنيات العقيدة الخاصة بالإسلام. وعبر استخدام الشق الإنساني، أصبحوا يطالون بشكل متزايد فتيات وتلاميذ يرغبون في خدمة قضايا آخرين.
أدوات وطرائق داعش الى قلوب الشباب
المغامرة والرجولة
من هنا نجد أن الداعشيين عصريون حداثيون يبحثون عن الغريب المبتكر. في افلامهم يذكرون بخيالات مخرجي أفلام الرعب السنيمائية الغرائبية يأخذوها ويطبقونها بتفنن اجرامي مبتكر. ملابسهم ينتقونها أيضاً من الفكرة الراهنة عن الأزياء الاسلامية المستقاة من المسلسلات القديمة، وأسماءهم من غرائب التراث. لديهم مهارة غير مسبوقة باستخدام الصورة وتأثيرها واستغلال طفرة “هنا والان” وجعل المشاهد شريكا مع كل ما يشكله هذا من متعة وانفعال وانغماس وبصبصة وتلبية ميول نفسية مختلفة. الافلام التي يعرضونها تستخدم التقنيات الحديثة والتصوير المعتمد على التصاميم الغرافية التي يفتتن بها الشبان المسلمين (أو المتأسلمين) المتعلمين اينما تواجدوا وتغريهم بالانضمام الى هذا العالم الخيالي للمشاركة في المعارك التي تقشعر لها الابدان في العالم أجمع. الأمر الذي يسمح لهم بتحقيق الفانتازمات التي يحلمون بها. والفئات المستهدفة ليست تلك الفقيرة المعدمة فقط، بل أيضاً المتعلمة من ابناء الطبقات الوسطى من أجيال متحدرة من والدين مهاجرين الى الغرب من الذين يبحثون عن إنقاذ العالم. انه طريق جذاب للقيام بمغامرة تنتشلهم من الرتابة اليومية التي يغرقون بها او من الاحباط والتهميش وفقدان الكرامة والرجولة.
سبق ان استشهدت في كتابي عن السجن بسلدج هامر، بطل مسلسل بوليسي عن الشرطة في اميركا، ونصيحته للشاب الجانح الذي يقوم بأعمال مخلة بالأمن. نصيحته التربوية للشاب هي الالتحاق بالشرطة للتنفيس عن غضبه بصورة شرعية.
ان الشاب المسلم الذي يحمل الاحباطات المتراكمة عبر السنوات يجد ما يحقق رجولته بالالتحاق بداعش، فيثبت شجاعته وقدرته القتالية بطريقة معترف بها وبرعاية دينية شرعية تغطيها الفتاوى المنفلتة التي تبيح قطع الرؤوس ونكاح الجهاد. هذا يعني القيام بالمغامرات المثيرة للانفعالات القوية التي طالما حلم بها عندما كان يمارس العاب الفيديو. الخيال مع داعش يصبح واقعاً.
انه سيناريو ممتاز الاخراج والتنفيذ يبدو انه ينجح في مهمته حتى الآن.
أحدث التقنيات لتصوير الجنة على الأرض
بات استخدام التقنيات الحديثة من قبل الناشطين الاوروبيين المنضوين في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية من بديهيات عملهم وتقديم أنفسهم من أجل جذب المزيد من الشبان بحيث صارت ظاهرة مقلقة للعالم الغربي.
الصور التي توزع على الانترنت عن مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية تظهرهم كشبان عصريين يتناولون الاطعمة الشبابية ويتصرفون مثلهم ويمتلكون أحدث أجهزة التلفون في ديكور فخم من دون التركيز بالضرورة على ايديولوجيتهم الاسلامية الصارمة. انها الصورة المدروسة التي تقدم الحياة معهم وكأنها الجنة الموعودة ويساعدهم استخدامهم للغات المتعددة على الوصول الى اكبر عدد ممكن من الشبان الاوروبيين.
في احدى الصور يبدو الفرنسي الشاب الوسيم “ابو عبدالله”، حسب شرائط الفيديو الموزعة له، محاطاً بأطفال يلعبون، وهو يؤكد العمل على “مساعدة العائلات الفقيرة”. قدمت دنيا بوزار، مديرة مركز الوقاية من التطرف الديني المرتبط بالاسلام في فرنسا، شرحا لهذه الظاهرة، فاعتبرت في تصريح لوكالة فرانس برس أن الانتقال الى التشدد “ينتج من لقاء بين شاب مرتبك يطرح الكثير من الاسئلة عن المظالم التي يشاهدها، وبين خطاب يحوّله الى منقذ للبشرية”.
نفس الشخص الذي ظهر في الصور مع الاطفال كان ينشر صور الرؤوس المقطوعة المرفوعة على الحراب او الرجال المصلوبين على اعمدة الكهرباء من قبل على موقع فيسبوك، حيث جمعت صفحته نحو اربعة الاف “صديق” عند مقتله في تموز/يوليو.
داعش كماركة تجارية
«داعش» تتقن اللعبة الإعلامية التي تتواصل بواسطتها مع العالم، بحيث تحولت فجأة من تنظيم إرهابي مجهول الى اسم معروف في جميع أنحاء الكرة الارضية ومختلف الأوساط. أتقنت اللعبة لدرجة أن تداول تهديداتها قام بها حتى المتضررون منه عبر تداولها الكثيف دون رقابة.
تكرّس جميع الوسائل بطرق متعددة لاستقطاب التابعين والمجندين والقيام بالدعاية للمزيد من الانتشار. هناك توجهان أساسيان يطبعان سلوك داعش، الأول استخدام الوسائل التقنية المتطورة التي يبرع فيها للجذب والاستقطاب والثاني استخدام الذبح وقطع الرقاب وبيع واستعباد واغتصاب النساء وبيع وشراء “السبايا”؛ كلها وسائل ترهيبية ومثيرة للرعب وللخوف من القضاء على أي مظهر من مظاهر الحضارة.
إن مهارتهم الاعلامية جعلتهم يجيدون لعبة التأثير على المستوى الأممي بأقل كلفة ممكنة وتحولوا الى أشهر “ماركة” إعلامية على الاطلاق. استخدامهم الترويجي والتسويقي يخضع لمعايير وسائل وتقنيات الأفلام الدعائية: كل تفصيل في المشهد المرعب المعروض مدروس بدقة مستخدمين مبادئ ترويج الاعلانات؛ يركزون على مركبات بسيطة لمشهد قطعهم للرؤوس عبر تكرار نفس الطريقة مع نفس العلامات والاشارات مستخدمين نفس الالوان ولغة متميزة بسيطة تلجأ الى الآيات القرآنية مع الرايات ذات اللون الاسود الذي يرمز للإسلام الشمولي. أما اللون البرتقالي، المأخوذ عن سجون أميركا، فصار معروفاً إنه للإعدام. انه إخراج فني متكامل.
انها تقنية التكرار كما في الاعلانات التجارية. ما يدل على حرفية عالية تعرف بدقة أساليب السوق التجارية وأساليب هوليوود السينمائية واساليب ألعاب الفيديو التي نشأت عليها الأجيال المعاصرة . ولقد نجحوا في الوصول الى جميع وسائل الاعلام بحيث أنهم حققوا نسب مشاهدة عالية تفوقت على نجوم العالم. وما يزيد نسب المشاهدة انهم مادة اعلامية سياسية يعني توقيت عرض أعمالهم يتم عند تقديم نشرات الاخبار الامر الذي تستغله الأقنية الاخبارية لجذب المشاهدين.
كما يتم اختيار منفذ عملية القتل بدقة، فهو يتقن اللغة الانجليزية بحيث يتم بث الرعب عند الجميع فالقاتل قد يكون جارك، قاطن المنزل المجاور!!! بالإضافة الى كل ذلك تكمن مهارتهم الترويجية في قيامهم بخدع اعلامية باستخدام الفتيات المسلمات الغربيات لجذب المتطوعين الشبان .
يتبع