غياب سلطة الائتلاف عن اي دور واضح:
والمستفز اكثر هي الطريقة التي يتصرف بها الإئتلاف الوطني السوري تجاه النازحين السوريين في لبنان، لدرجة يمكن القول انه لا يوجد اي تصرّف معلن تجاه قضية النازحين، او ان الائتلاف غائب وهو يتابع الحملة الامريكية الدولية على “داعش” في سورية والعراق!
لكن من مهمات اي سلطة، حتى لو كانت سلطة “الائتلاف”، ان تعمل في الظروف المعقدة كما في الظروف البسيطة الهادئة، وفي القضايا العاجلة الساخنة كما في القضايا المزمنة.
يبدو ان “الائتلاف” غير مستعد للإعلان عن خطته تجاه النازحين فيما لو وجدت، ولا الاعلان عن اجراءاته الحالية لتطويق ازمة النازحين المتصاعدة يوماً بعد يوم باتجاه انفجار كبير لا يعرف احد مداه وأبعاده!
في الجانب السوري لا شك ان هناك اخطاء متراكمة سببها لامبالاة “الائتلاف”، وسببها دخول “جبهة النصرة” وجهات اسلامية في استثمار قضية النازحين، وهو استثمار قديم بدأ في تقديم الخدمات المجانية اليومية من دواء وغذاء وإيواء وانتهى بدخول عناصر من “النصرة” في مخيمات النازحين الامر الذي سبّب الازمة الاخيرة.
الخطأ الذي ارتكبه “الائتلاف”، وما زال مصراً على ارتكابه، انه لم يُدِن التشويش الذي ترتكبه “النصرة” على النازحين، ولم يُدِن استغلالهم لقضايا عسكرية او سياسية خاصة بأجندات “النصرة” التي لا تلتقي مع مصلحة النازحين بالعموم.
غض النظر هذا فهمه الطرف اللبناني تأييدا من “الائتلاف” لتصرفات “جبهة النصرة” في “عرسال” وفي مخيمات النازحين، الأمر الذي ادى الى تصعيد مواقف الجيش اللبناني وأطراف اخرى ضد السوريين عموما والنازحين السوريين خصوصا في لبنان.
غض نظر الائتلاف مراعاة للنفوذ القطري داخله؟
وعلى الرغم من ان القائمة الامريكية لمكافحة الارهاب قد اضافت اسم “النصرة” الى عداد اسماء المتهمين بالارهاب ودعمه، فإن “الائتلاف”، ونظرا للنقوذ القطري فيه، لم يحرّك ساكناً تجاه “النصرة” بل وبدا في مناسبات عديدة انه يدعمها علناً!
وغض النظر هذا ليس بعيدا عن مراعاة النفوذ القطري داخل الائتلاف الذي ما زال مستمرا، وإن كان بشكل اضعف مما كان سابقاً. فمن المعروف ان الممول الاساسي لـ”جبهة النصرة” هو قطر وبالتالي هل تكون – اي قطر- الموجه الاساسي لـ”سياسة” جبهة النصرة؟ السؤال مشروع طالما ان نهاية كل عملية خطف تكون على مستوى “الدول” بحيث تتدخّل قطر فيتم الافراج عن الرهائن المختطفين! تكرر هذا المشهد مراراً منذ مخطوفي اعزاز! فهل
يكون هذا تشويشاً ومشاغبة قطرية في الملعب اللبناني مزاحمة للدور السعودي هناك؟
لكن الذهاب بعيدا في تشخيص الازمة باعتبارها معطى عربي- عربي في صلب الحرب السورية لا يكشف كل ابعادها، ولا سيما بما يتعلق بموقف السلطة اللبنانية الفاعلة الآن – اي حزب الله وحلفاؤه وهم القابضون عمليا على السلطة بحكم قوتهم العسكرية إضافة لنفوذهم في الجيش. فهذه السلطة لها موقف واضحة من الحرب السورية ينحاز الى نظام الاسد.
النازحون الى مخيمات داخل الاراضي السورية؟
النازحون السوريون في “عرسال” خصوصا، وجلّهم من المزارعين الريفيين البسطاء الذين هاجروا من ريف حمص، لا سيما من منطقة “تلكلخ”، هم من دفع الثمن حتى الآن. فلقد ادخلتهم “جبهة النصرة” و”حزب الله” في بورصة المراهنات السياسية منذ قرر النظام السوري الانتقام منهم بتسليط حزب الله عليهم. وهذه الحرب غير الاخلاقية التي تدور بين “الجبهة” و”الحزب” على حساب النازح السوري سيدفع ثمنها في النهاية النازحون، وستحقق ربما مطلب النظام السوري في اعادة تموضع مخيمات داخل سورية ملاصقة للحدود مع لبنان. فيسهل عندها للنظام وضعهم تحت السيطرة ويخفف الضغط على حزب الله الذي يقلقه وجود النازحين السوريين كما كان وجود اللاجئين الفلسطينيين يقلق اليمين اللبناني في الستينات والسبعينيات!
الجيش اللبناني في موقف الفعل او رد الفعل؟
الدولة اللبنانية ممثلة بالجيش، وهو المؤسسة الوحيدة التي لها وجود حقيقي وفاعل على مستوى لبنان، تصرّف برد فعل حاد تجاه النازحين بعد الاعتداء على مركبة تابعة له قتل منها عسكريين. لكن المحرك الاساسي لتصرفات الجيش اللبناني تكمن في قضية اعتقال “جبهة النصرة” لما يقرب من عشرين جنديا لبنانيا، اعلنت انها قتلت احدهم مؤخراً الامر، الذي ادى الى استنفار عشائر البقاع للرد باتجاه التصعيد.
لم يتوقف الجيش اللبناني عن توقيف السوريين، مدنيين او متهمين بانتماءاتهم لمجموعات مقاتلة، وزج كثيرين منهم في السجون او التوقيف لأيام. الاعلام اللبناني بدوره، ولاسيما “قناة الجديد” الموالية –اعلاميا- لحزب الله ما فتئت ومنذ اكثر من سنة تشحن الرأي العام اللبناني ضد النازحين السوريين. وكلنا يتذكر كيف طالعتنا يوم اعلن الجيش اللبناني بدء “معركة ضد الارهاب” هناك بمقدمة نشرة اخبارية ظهرت فيها مذيعة النشرة باللباس العسكري وقد غضّ هذا الاعلام المنحاز النظر عن قصف حزب الله لمخيمات النازحين السوريين قبل ذلك بيومين بحجة القتال مع جبهة النصرة وداعش!!
لا ننسى دعوة وئام وهاب قبل ذلك بما يقرب الشهر للتصعيد ضد النازحين السوريين وتفتيش بيوتهم وهو ما تمّ بالفعل لاحقاً من قبل عناصر من الجيش وتنظيمات لبنانية.
هكذا يعلنها النظام اللبناني حربا على كل سوري ضد النظام الاسدي، بغضّ النظر إذا كان مدنيا ام غير ذلك، مسالما ام غير مسالم. وبحجة مئتي منتمٍ الى “النصرة” يتم استهداف مليون نازح! حتى ان الفنانة السورية “اصالة” لم تنج من هذه الحملة المحمومة، “اصالة” التي اوقفها الامن اللبناني بحجة بلاغ من الامن السوري للقبض عليها بتهمة زيارة كيان العدو الاسرائيلي! وذنب “اصالة” الحقيقي عند النظام وحلفائه اللبنانيين انها وقفت مع شعبها ضد المجزرة التي يرتكبها النظام بحقه منذ سنوات..