معضلة ضعف الجيش العراقي تؤرق المسؤولين الاميركيين، فرغم الضربات الجوية التي تشنها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد اهداف تعود لتنظيم لدولة الاسلامية (داعش)، ورغم ان الغارات الجوية تستهدف احيانا اهدافا «ذات قيمة عسكرية متدنية» مثل ناقلة جند مصفحة او مركز مراقبة عسكري، ما زالت القوات الحكومية العراقية غير قادرة على وقف تمدد «داعش»، وهو ما بدا جليا في انهيار هذه القوات في قاعدة السلوقية القريبة نسبيا من بغداد ولا تبعد عنها اكثر من 60 كيلومترا قبل اقل من اسبوعين.
وفي الاثناء، أبدت المصادر الاميركية ارتياحها لتحسن اداء قوات البيشمركة الكردية ومقاتلي العشائر العراقيين، وهو ما ظهر في استعادتهم بلدة ربيعة الحدودية مع سورية. الا ان هذه القوات لا تكفي لحسم المواجهة مع «داعش» والقضاء عليها كليا.
وتظهر تقارير القيادة الوسطى للجيش الاميركي ان الطلعات الاحدى عشر التي شنتها فوق العراق، اول من امس، شملت اهدافا صغيرة تعود لـ «داعش». وجاء في بيان صادر عن القيادة انه «في العراق، سبع ضربات جوية في الشمال الغربي دمرت عربة مصفحة واحدة تعود لداعش، وناقلتي جند، واربع عربات مسلحة». ويضيف البيان: «في المنطقة المحيطة بسد الموصل، دمرت ضربتان جويتان موقع قتالي لداعش وعربة مسلحة، وفي شمال غربي بغداد، دمرت ضربة جوية عربة مسلحة لداعش، وفي غرب الفلوجة، تم تدمير حاجز لداعش».
نصف الجنود يعملون بوظائف أخرى ويشاهدون العمليات عبر الشاشات
ولكن رغم الضغط الاميركي، لا تبدو القوات العراقية قادرة على شن هجوم مضاد لاستعادة الاراضي التي خسرتها على مدى الاسابيع الثمانية الماضية.
وتعاني القوات العراقية، حسب المسؤولين الاميركيين، من فساد مستشر، اذ لا يلتحق بالخدمة اكثر من نصف العسكريين. ويقول مسؤول اميركي على شرط عدم الافصاح عن اسمه ان «عددا كبيرا من المقاتلين انضموا للقوات الامنية الحكومية على شرط تقديم نصف راتبهم للضابط والسياسي الذي جعل قبول انتسابهم ممكنا». واضاف المسؤول ان هؤلاء المقاتلين الحكوميين «يعملون في اعمال اخرى، وبعضهم ربما يشاهد العمليات الحربية من على شاشات تلفزيوناتهم في منازلهم».
الضربات الأميركية منعت مقاتلي «داعش» من التجمّع بأعداد كبيرة لكنهم ما زالوا يشكلون مجموعات من 150 مقاتلا
ولا يبدو ان تشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة حيدر العبادي، وحل «مجلس القائد الاعلى للقوات المسلحة» الذي شكله المالكي تحت امرته، ساهما حتى الآن في وقف تدهور القوات الحكومية العراقية. ويقول المسؤول الاميركي ان المشاكل مازالت هي نفسها، وان هذه المشاكل بادية للعيان في تعذر تسمية وزيرين للدفاع والداخلية في احرج وقت أمني يواجه العراقيين.
وتقول التقارير المتواترة من العراق ان العبادي عمد الى طرد اكثر من 140 ضابطا ممن عينهم المالكي بسبب ولائهم له لا بسبب كفاءتهم.
ويتجلى الفشل الامني العراقي على مستويات مختلفة، فاستخباراتيا، لم تنجح الاجهزة العراقية في رصد او احباط المففخات التي تلاحق العراقيين في بغداد. اما في ميدان القتال، فرغم ان الهجمات الجوية الاميركية اجبرت قوات «داعش» على تفادي التجمع في تشكيلات يمكن للعيان رصدها، الا ان ذلك لم يمنع «داعش» من الاستمرار في القتال كجيش نظامي في مجموعات تتراوح بين 100 و150 مقاتلا.
وما يزيد في الطين بلة انه اثناء عمليات الالتحام، مثل في معركة قاعدة السلوقية، يصعب على المقاتلات الاميركية تقديم اي اسناد جوي خشية ايقاع خسائر في القوات الحكومية. وفي اوقات اخرى، يصعب على المقاتلات الاميركية التمييز بين القوات الحكومية ومقاتلي «داعش» الذين يرتدون الزي العسكري نفسه.
هكذا، يقول المسؤولون الاميركيون ان لا مفر للقوات الحكومية العراقية الا بتنظيم انفسها وتقديم اداء يمكنه منافسة «داعش».
ويتابع المسؤولون انه لا يمكن الاستناد الى الميليشيات الشيعية، المعروفة عند العراقيين باسم قوات «الحشد الشعبي»، لأن هذه تثير الريبة في المناطق المختلطة طائفيا، او في مناطق السنة والكرد. كذلك، لا يمكن دفع البيشمركة الى داخل المناطق السنية، والعكس صحيح.
وحدها القوات الحكومية التابعة للحكومة الاتحادية، والمختلطة طائفيا واثنيا، يمكنها نظريا الحاق الهزيمة بـ «داعش» في المناطق العراقية المختلفة. لكن هذه القوات لم تثبت جدارتها او مقدرتها على خوض قتال فعلي بالافادة من القوة الجوية الاميركية، وهي معضلة تدفع المسؤولين الاميركيين الى العمل بكد في محاولة لحلها.