«ثلاثة انتصارات لمحور المقاومة في أسبوع» عنوان افتتاحية صحيفة «كيهان» الإيرانية الرسمية المحافظة بتاريخ الثالث من أيلول سبتمبر الحالي، والمقصود ما حصل ويحصل في غزة والعراق واليمن، ويدلل هذا التهليل الإيراني، بقلم سعد الله وازعي، على نظرة الجمهورية الإسلامية وطموحاتها في النفوذ والتأثير، وربما لعب دور الشرطي الإقليمي إذا تيسر لها ذلك.
بالطبع، إيران قوة إقليمية لها مصالحها وهواجسها، لكن ممارساتها وسعيها الدؤوب للهيمنة يتحققان على حساب الدول العربية واستقرارها ووحدة مجتمعاتها. منذ الحقبة الخمينية وطموح تصدير الثورة إلى تشكيل منظومات موالية وأدوات تنفيذية لمشروع امبراطوري لم تتغير سياسة إيران العربية. ومع أن شعارات التعبئة منذ البداية ركزت على تحرير القدس، لكن المسار العملي كان تطويع العراق الجار المشاكس والوصول إلى البحر المتوسط عبر الجسر السوري، بالإضافة إلى السعي لانتزاع دور القوة الإسلامية النافذة من المملكة السعودية.
إزاء تفاقم الوضع في سوريا والعراق والصعوبات من ليبيا إلى اليمن، تكتسح العواصف “الربيع العربي”، ويكثر الكلام عن إعادة رسم الخرائط أو ترتيبات دولية جديدة ولو تحت عنوان تحالف الراغبين ضد داعش والإرهاب. مقابل عدم تبلور صورة المشهد الإقليمي ومصير وحدة الكيانات في مستقبل منظور، نلحظ استمرار تحطيم الدول المركزية استنادا إلى طغيان عوامل التفكك والإرهاب، واتصال ذلك بمخاطر امتداد النزاع السني- الشيعي في لعبة أمم تتصل بمصالح دولية، وبمطامع الأطراف الإقليمية الوازنة أي إيران وإسرائيل وتركيا.
تنعكس هذه الصراعات والمفاوضات الدقيقة حول الملف النووي الإيراني على مجمل أداء الجمهورية الاسلامية في كل الإقليم، وفي غضون الأسابيع القادمة لا يستبعد أن يستخدم كل طرف المزيد من أوراقه في اختبارات قوة سياسية واقتصادية وأمنية. بينما تتركز الجهود على محاربة “داعش”، يستمر الدور الإيراني النشط في سوريا والعراق مع تصاعد النفوذ الإيراني في اليمن من خلال جماعة الحوثيين وهذا ما عبر عنه محلل كيهان بوضوح: “اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة هو البلد الأكثر سكانا في شبه الجزيرة العربية، ونتيجة موقع بلادهم الاستراتيجي يمكن لليمنيين أن يؤثروا على كل محيطهم. ومن هنا الثورة اليمنية التي تقودها المقاومة (المقصود أنصار الله أي الحوثيين) يمكن أن تكون محركا جديدا لليقظة الإسلامية”.
وفي نفس السياق ينسب الكاتب إلى محور الممانعة الذي تقوده طهران ما أسماه إنجازات “المقاومة الشجاعة في غزة، والانتصارات ضد داعش في العراق”. وهذا النمط من التفكير المبالغ فيه، نسمعه أيضا من المرشد علي خامنئي الذي لا ينفك عن الإشادة بالانتصار التاريخي لغزة (تراجع التأثير الإيراني في القطاع أمام النفوذ التركي والقطري)، ويعتبر أن الغرب هو صانع الجماعات الإرهابية، ولكن ممثليه ينسّقون في العراق مع واشنطن وهذا واقع منذ 2003.
أما رئيس السلطة التشريعية علي لاریجانی فقد أشار إلى الأمن المستدام في إیران الإسلامیة قیاسا لبعض دول المنطقة، وقال “إن المنطقة تشهد في الوقت الحاضر أوضاعا خاصة مثل سوریا واليمن والعراق، ولذا فعلی الجمهورية الإسلامیة العمل علی إرساء الأمن في هذه المنطقة”. وهكذا يظهر أن إيران الإسلامية لها نفس طموح إيران الشاه، أي لعب دور الشرطي الإقليمي دون طمأنة الآخرين أو التشاور معهم، ويمر ذلك عبر استخدام قسم من الشيعة العرب، وبعض الحلفاء كوقود في صراع تدميري.
رغم مكاسبها في اليمن، تلقت إيران صفعة في العراق سرعان ما تأقلمت معها وأعطت الانطباع بأن إزاحة نوري المالكي لا تعني إزاحة نفوذها، ومع أن الجنرال قاسم سليماني أوكل الملف للجنرال حسين همداني، لكن سرعان ما ظهر الأخير علنا بعد فك الطوق عن آمرلي بفضل الإسهام المباشر للحرس الثوري الذي حظي بالإسناد الجوي للشيطان الأكبر سابقا.
وفي سوريا يستمر الجنرال سليماني بقيادة العمليات ونجدة النظام غير آبه بمقولة الاستنزاف التي روجتها واشنطن، وفي موازاة سعيها لإتمام صفقة الشراكة مع إدارة أوباما تحت غطاء مفاوضات الملف النووي، لا تتراجع طهران عن طموحاتها الإقليمية. ومن الأصوات الجديدة المروجة لذلك الخبير الفرنسي جيل كيبيل الذي يعتقد أنه في حال “استعادة إيران لموقعها في محفل الأمم، ربما ستعود عندئذ للعب دور شرطي المنطقة”. هكذا إزاء الانقلابات العميقة في الشرق الأوسط، تنكشف أوراق اللاعبين الغربيين في استرضاء طهران مكافأة لها على نهجها الإقليمي الهجومي، فيما يبدو العالم العربي أكثر من أي وقت مضى في حالة انعدام وزن، إذا لم تستيقظ الأطراف الفاعلة قبل فوات الأوان.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس
العرب