من يتمعّن في ما يدور في منطقة شمال افريقيا يكتشف أنّ هناك بلدا طبيعيا وحيدا فيها اسمه المغرب يعيش في محيط غير طبيعي. هناك في المنطقة بلد آخر في وضع نصف طبيعي اسمه تونس. تمرّ تونس في مرحلة مخاض ليس معروفا بعد كيف ستخرج منها على الرغم من أن المجتمع فيها أظهر قدرته على مقاومة التخلّف بكلّ اشكاله.
البلد الطبيعي، أي المغرب، سعى إلى قيام الإتحاد المغاربي بما يخدم الأعضاء الخمسة فيه ولكن من دون نتائج تذكر. فالإتحاد المغاربي تأسّس في العام ١٩٨٩ في وقت كانت الجزائر في نفق مظلم دخلت فيه نتيجة العقم السياسي الذي تعاني منه الطبقة الحاكمة فيها. ولمّا عاد النظام الجزائري واشتد عوده، انقلب على الإتحاد المغاربي وصيغته، معتبرا أنّه يمتلك الأداة التخريبية التي تلبي طموحاته الإقليمية والمسماة جبهة “بوليساريو”. أنقلب أيضا على الطموحات التي كان يسعى الجزائريون إلى تحقيقها وعمد إلى إخمادها بكلّ الوسائل التي وفّرتها أموال النفط والغاز.
تذكّر النظام الجزائري، في ضوء ارتفاع اسعار النفط والغاز، أنّ الجزائر دولية غنيّة وأنّ في استطاعتها لعب دور القوّة المهيمنة في المنطقة وتصدير أزماتها إلى خارج بدل الإنصراف إلى معالجة المشاكل الحقيقية للبلد وهي مشاكل مستعصية، خصوصا في غياب من يفكّر في المستقبل.
لعلّ أخطر ظاهرة في الجزائر أنّ هناك من يعتقد أنّ الثروة المتمثّلة في الغاز والنفط هي ثروة أبدية. يتناسى الذين يفكّرون بهذه الطريق، وهم كثر، أنّ هذه الثروة يمكن أن تساهم في تغطية المشاكل التي يغرق فيها البلد ولكن إلى فترة قصيرة وأنّ لا شيء يمكن أن يعوّض تطوير الثروة التي اسمها الإنسان الجزائري.
عاجلا أم آجلا، ستعود الجزائر إلى دوامة الأزمات الداخلية التي كان المغرب أوّل من ساعدها على الخروج منها في خريف العام ١٩٨٨. من يتذكّر أن طليعة المساعدات التي ذهبت إلى الشعب الجزائري جاءت وقتذاك من المغرب حيث ادرك الملك الحسن الثاني، رحمه الله، أن لا مصلحة للمغرب في انهيار الوضع الجزائري.
المؤسف أنّه بعد ربع قرن على الإنتفاضة الشعبية التي شهدتها الجزائر، خريف العام ١٩٨٨، ليس هناك من يريد أن يتعلّم من التجارب الناجحة في المنطقة. على العكس من ذلك، هناك إصرار على تكرار أخطاء الماضي. هناك في الجزائر من يصرّ على بقاء الحدود مغلقة مع المغرب كي لا يرى الجزائريون ما تحقّق في المملكة التي لا تملك لا النفط ولا الغاز.
لا تزال الحدود مغلقة منذ عشرين عاما بسبب خوف النظام الجزائري من ردود الفعل المحتملة للمواطن العادي في حال زار المغرب واضطلع على ما التطورات التي يشهدها، خصوصا منذ اعتلاء الملك محمّد السادس العرش في مثل هذه الأيّام قبل خمسة عشر عاما.
هذا لا يعني أن لا سلبيات في المغرب. الملك نفسه تحدّث في خطابه الأخير عن ايجابيات وسلبيات وطرح كلّ الأسئلة التي يمكن طرحها. من بين الأسئلة: “هل اختياراتنا صائبة؟ ما هي الأمور التي يجب الإسراع بها وتلك التي يجب تصحيحها؟”
من أجل مستقبل أفضل لكلّ دول شمال افريقيا، من ليبيا إلى موريتانيا، مرورا بتونس والجزائر والمغرب، من الضروري التخلّص من عقد الماضي. من الضروري تخلّص الجزائر أوّلا من عقدة المغرب، كي يصبح في الإمكان الإنصراف إلى التعاون والتنسيق من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه من ليبيا التي تحوّلت إلى برميل بارود يهدّد المنطقة كلّها، بما في ذلك مصر التي تستعيد عافيتها شيئا فشيئا.
يفترض في جميع أهل المنطقة عدم تجاهل أنّهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين. ولأن العالم في القرن الواحد والعشرين ولأن التعاون بين الدول هو الذي يخدم كلّ دولة على حدة، ليس عيبا التعمّق في قراءة الخطاب الأخير لمحمّد السادس الذي تطرّق فيه إلى أنّ “رأس المال البشري غير المادي من أحدث المعايير المعتمدة دوليا لقياس القيمة الإجمالية للدول”. أوضح لكلّ مواطن مغربي ولكلّ من يعنيه الأمر خارج المغرب أنّ “الأمر يتعلّق هنا بقياس الرصيد التاريخي والثقافي لأيّ بلد، إضافة إلى ما يتميّز به من رأسمال بشري واجتماعي والثقة والإستقرار وجودة المؤسسات والإبتكار والبحث العلمي والإبداع الثقافي والفني وجودة الحياة والبيئة وغيرها”.
هناك تفكير في المغرب عمره بضع سنوات يقوم على احتساب الثروة غير المادية، ذلك أن قياس هذه الثروة “يعتبر آلية تساعد في اتخاذ القرار”.
لم يتجاهل ملك المغرب الواقع، فهو عندما اشار إلى وجود أكبر ميناء في حوض المتوسط في المغرب، كذلك أكبر محطّة للطاقة الشمسية في العالم، قال: ” إذا كان المغرب عرف تطوّرا ملموسا، فإنّ الواقع يؤكّد أنّ هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. إنّي ألاحظ خلال جولاتتي التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة وحدّة الفوارق الإجتماعية بين المغاربة”.
كلّ ما في الأمر أن في المغرب من لا يخجل من السلبيات، بل يعترف بها ويدعو إلى معالجتها. هذا هو الفارق بين المغرب وغيره. هذا هو الفارق الذي يُفترض ردمه بين المغرب وجيرانه في حال كان مطلوبا بالفعل تفادي الغرق في وحول الماضي القريب والإستفتدة من التجارب والعمل جدّيا على مكافحة الإرهاب بكلّ اشكاله.
في غياب الرغبة في التجاوب مع الطرح المغربي، الذي يقوم على تطوير الإنسان بصفة كونه الثروة الحقيقية في أي مجتمع، ليس أمام المملكة هذه الإيام سوى التركيز على كلّ ما من شأنه تحقيق تقدّم حقيقي يشمل بين ما يشمل “تحصين ظروف عيش المواطنين” الذي “لا يعادله إلّا حرصنا على ضمان أمنهم الروحي وتوطيد النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني”، على حدّ تعبير محمّد السادس.
في منطقة المغرب العربي، هناك من يطرح اسئلة مرتبطة بالمستقبل وهناك من لا يزال أسير الماضي. الدليل على ذلك، أن لا سؤال في الجزائر الآن غير أين عبد العزيز بوتفليقة؟ ومن المريض الحقيقي؟ أو من مريض أكثر مِن مَن؟ هل الجزائر مريضة مثل بوتفليقة أم أن مرضها هو الأخطر؟
المغرب ومحيطه… ورأس المال غير الماديان كنا نريد الحوار البناء حقا و نريد لم شمل الشعوب المغاربية ، يجب ان نتصف في حواراتنا و كتاباتنا و مقالاتنا بشيء من الحيادية اولا و الابتعاد عن الصبيانية ثانيا ، الحيادية تقول ان الجزائر و المغرب لا يختلفان في البنية الاجتماعية ، لكنها يختلفان اختلافا طفيفا في البنية الاقتصادية ، بسبب البحبوحة الملية للجزائر ، هذا اذا قارنّا المنشآت و …. الخ التي تقوم كل حكومة من الحكومتين بانشائها . و المواطن الجزائري يعيش كالمواطن المغربي مع فرق بسيط لصالح المواطن الجزائري باعتبار نفس السبب البحبوحة المالية الابتعاد عن الصبيانية : ان يقول… قراءة المزيد ..