السلام هو العدو الأكبر للشركات الكبرى المنتجة للأسلحة. الصناعات العسكرية تدرّ أرباحاً بمئات مليارات الدولارات، كما يُلاحظ تأثيرها في صانعي القرارات في كلّ عاصمة من عواصم العالم.
مثلاً، دولة اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي وهي أكبر مستوردي السلاح في أوروبا، كما أنّ مصاريفها على الأمن وأنظمة الدفاع هي الأعلى من بين دول المنظومة الأوروبية. هذه المصاريف الباهظة كانت أحد العوامل الأساسية لتضخّم الديون القومية ممّا أدّى إلى تدهور الاقتصاد اليوناني. غير أنّ الأمر الغريب هو أنّه حينما بحث الاتحاد الأوروبي الأزمة اليونانية وبحث إمكانية منح اليونان رزمة معونات لإخراجها من الأزمة، اشترط على الحكومة اليونانية اقتناء أسلحة جديدة (غوّاصات من ألمانيا وطائرات من فرنسا بتكلفة مليارات من اليورو).
من غير المفاجئ أنّ الاحتجاج على هذه الخطوة جاء من طرف تركيا، التي يسود بينها وبين اليونان توتر مزمن. لقد احتجّ ممثّل تركيا في مباحثات انضمامها الى الاتحاد الأوروبي قائلاً إنّ اليونان وتركيا ليستا بحاجة إلى دبابات وطائرات وأسلحة جديدة. ما من شكّ في أنّه وعلى هذه الخلفية ستسارع تركيا إلى التزوّد بأسحلة جديدة بغية الحفاظ على التوازن الاستراتيجي بين البلدين. وهكذا، ستزيد شركات إنتاج الأسلحة من مبيعاتها وستكدّس في حساباتها الكثير من الأرباح.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ تقرير المعهد الدولي للسلام في استوكهولم (SIPRI) يذكّرنا بأنّ نصف أوّل مئة من الشركات المنتجة للأسلحة في العالم شركات أميركية. كما أنّ 14 شركة من بين الـ20 الأولى أميركية تقف على رأسها «لوكهيد مارتين» العملاقة. مبيعات هذه الشركات الأولى تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، وتُشغّل مئات الآلاف من العمال الأميركيين.
أمّا في ما يخصّنا في هذه المنطقة، فقد نُشر أخيراً أنّ أكبر صفقة أسلحة أميركية وُقّعت هذا العام، بتكلفة 11 مليار دولار، تمّت مع إمارة قطر بالذات. وهذه هي قطر ذاتها التي تدفع منذ سنوات التمويل والأسلحة للإخوان المسلمين، بكل تشكيلاتهم، في الشرق الأوسط.
كثيراً ما يدور الحديث عن علاقة المال بالسلطة. ولكن، في الحالة الأميركية يجب الحديث عن العلاقة بين الأموال المتكدّسة من الصناعات العسكرية وبين السلطة. فمثلاً، يكشف لنا تقرير «معهد السياسة الدولية» أنّه خلال جولة الانتخابات الأميركية في 2004، تصدّر جورج بوش وجون كيري قائمة الحاصلين على دعم من جهات مرتبطة بالصناعات العسكرية الأميركية.
ليس هذا فحسب، بل إنّ جون كيري ذاته هو بين كبار المستثمرين في شركات لها اتفاقيات مع وزارة الدفاع الأميركية، وهو أيضاً من بين كبار الرابحين من هذه الاستثمارات. لهذا السبب، يجب ألاّ نتفاجأ من خطوات جون كيري ومحاولاته الزجّ بإمارة قطر في الحديث عن وقف النار بين إسرائيل وحماس. إنّ هؤلاء الذين يتفاجأون لا يأخذون بالحسبان قوى السوق والمصالح الاقتصادية التي تُدير الأمور من وراء الكواليس.
كما هو معلوم للقاصي والداني، فإنّ حكّام قطر يعيشون في كنف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط. لا شكّ في أنّ الأسلحة الأميركية المزوّدة لقطر ستكون بالتأكيد تحت تصرّف الحامية الأميركية المرابطة في الإمارة. إذ، لا يوجد في قطر جيش حديث في وسعه استخدام الأسلحة الأميركية المتطوّرة.
لكن هذه الإمارة لا تحتوي فقط على قاعدة عسكرية أميركية. إذ هناك أيضاً قاعدة تلفزيونية، قناة الجزيرة، التي تشكّل بوقاً لحركة الإخوان المسلمين. هذه المحطّة هي رأس الحربة في خدمة التوجّهات الأميركية، لكلّ من الديموقراطيين والجمهوريين. والوظيفة المنوطة بهذه المحطّة هي إشاعة البلبلة والارتباك وضعضعة الأوضاع وإثارة الحروب الصغيرة. هكذا ستواصل الولايات المتحدة إنتاج وبيع الأسلحة وتحريك عجلات الاقتصاد الأميركي.
لهذا السبب، فإنّ الحروب في هذه المنطقة مصلحة أميركية واضحة للعيان، إذ إنّ الحروب هي تجارة مربحة للغاية. لقد عبّر الجنرال الأميركي سمدلي بتلر عن هذا الوجه في الحروب وبصورة لاذعة في كتابه المعنون «الحرب تجارة قذرة»، إذ كتب: «الحرب تجارة مربحة للغاية، إنّها التجارة الوحيدة التي تُحسب فيها الأرباح بالدولارات، بينما تُحسب الخسائر بحيوات بني البشر».
وخلاصة القول، إنّ الشرق الأوسط يُعاني منذ عشرات السنين من نقص في الحُكّام والزعماء الحُكماء، والثّأر الأكبر والأعذب الذي يمكن أن يُقتصّ من تجّار الأسلحة هو عبر صناعة السلام، وعبر طباعة السيوف سككاً والرّماح مناجل.
لكن، وللأسف، فإنّ الحكمة معزولة في هذه المنطقة ولا يلتفت إليها أحد.
* كاتب فلسطيني
الحياة