اثار اعلان الخلافة الاسلامية من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق حفيظة معظم السوريين والعرب وفي رأسهم المثقفين والكتّاب والناشطين. فهذا الاعلان جاء في وقت توسعت عمليات داعش في كل من العراق وسورية. فبعد ايام قليلة من اعلان انتفاضة العشائر على نظام المالكي في العراق وبروز داعش في مقدمتها، سارع ابو بكر البغدادي الى علان الخلافة الاسلامية في الايام الاولى من شهر رمضان وهو توقيت لم يكن عبثياً بالنسبة لمن اعلنوا عنها.
وفي وقت قابل كثيرون هذا الاعلان بالاستغراب، وتحفظ آخرون، قابل آخرون الاعلان بالسخرية كما قابله البعض بالقبول… مثقفون سوريون ولبنانيون وعراقيون اصدروا بيانا نددوا فيه باعلان داعش للخلافة، وقالوا فيه ان اعلان داعش يؤدي الى تفكيك الكيانات الوطنية.
كما رفض اعلان الخلافة عدد من الجهات الاسلامية المعنية في العراق وسورية والاردن حيث اصدرت “هيئة علماء المسلمين” في العراق ردا على اعلان داعش دعتها فيه الى التراجع عن اعلانها الخلافة، وشنّ ابو محمد المقدسي وهو من اهم المرجعيات السلفية في الاردن والمنطقة العربية هجوما قاسيا على داعش ودعاهم الى العودة الى طريق الحق! وفي سورية، اعلنت الجبهة الاسلامية رفضها للخلافة ودعا زهران علوش مسلحي “داعش” لتسليم اسلحتهم وإعلان توبتهم والا فإنهم سيواجهوان الموت الحتمي.
كيف يقرأ المثقفون والنشطاء السوريون موضوع داعش واعلانها الخلافة، وما هي تأثيراتها في المنطقة وهل لها مستقبل؟
يجمع اغلب المثقفين انه لا مستقبل لخلافة داعش؛ سيما وأنها تصدر عن تنظيم يعتبر تنظيماً أصولياً وإرهابياً ولا يمكنه أن يشكل دولة؛ فمسلسل “طالبان” يتكرر بعد أن سقط في أفغانستان. وهي أمر مرفوض بالنسبة للمؤمنين من السنّة قبل بقية الشعب، لأنها تقدم نموذجاً إرهابياً في كل شيء؛ حيث تتعدى على أبسط الحريات الأولية للإنسان بما فيه حقه الخاص باختيار شكل إيمانه وتعبده والذي قد يخالف داعش وخلافتها. كما يقول عمار ديوب الكاتب والصحفي السوري
فالتنظيم الذي أعلن الخلافة تدور حوله الشكوك، ولا سيما بخصوص التحكم الاستخباراتي فيه؛ والناس تأخذ هذا الأمر جدياً؛ ولكن الخوف منها ومن همجيتها المجربة في “الرقة” وفي الأماكن التي تواجدت فيها، يدفع الناس للصمت وللموالاة وإعلان “البيعة” لهذه “الخلافة”.
وتذهب ريما فليحان، الكاتبة وعضو كل من المجلس الوطني والائتلاف الوطني سابقا، الى ان “الخلافة” هي حالة مؤقتة صورية أُعلنت من قوى دخيلة غير مقبولة في المجتمع السوري ولذلك هي طفرة ستزول بزوال حالة الفوضى المرافقة لوجودها. المجتمع السوري لن يتقبل فرض اي اجندات دخيلة على ثقافة هذا المجتمع، وللسوريين وحدهم الحق في اختيار شكل دولتهم وسيكون ذلك عبر صناديق الاقتراع وبجو ديموقراطي حر وليس عبر الذبح والقتل والسلاح. ظهور دولة العراق والشام بحد ذاته يفتح اسئلة كثيره تتعلق بتمويلهم وكيفيه توافد الاجانب الى سوريا وتسهيل مرورهم وكيفية حصولهم على كل تلك الاسلحه الثقيلة والاليات امام مرأى المجتمع الدولي، المجتمع السوري مجتمع مدني متحضر ينبثق عن حضاره عمرها الاف السنين ولم يكون لقمة سائغه للظلاميين ولا للانظمة”!
الدكتور غياث نعيسة، السياسي والباحث الماركسي، يقول: “يأتي اعلان دولة الخلافة من قبل تنظيم داعش بعد نحو شهر من اقتحامه لمدينة الموصل بالتحالف مع ميليشيات اخرى، ليضع المشهد السياسي في المشرق العربي في منعطف جديد، ربما يتجاوز حدود بلدان المشرق. لقد تميز تنظيم داعش بامتلاكه لاستراتيجية عسكرية وسياسية واضحة الملامح، تسعى لإرساء شكل من أشكال الحكم في مناطق نفوذه.
“ولعل اعلان دولة الخلافة يأتي كشكل متطرف في أشد صوره للإسلام السياسي الذي أضج رؤوسنا ولعقود بمقولة “الاسلام هو الحل” في حين ان تجربته في تونس ومصر فشلت. لقد أعطى داعش لمقولة “الاسلام هو الحل” الشكل الأكثر تجليا وتطرفا، مما يضع الاسلام السياسي وفي مقدمته الاخوان المسلمين في مأزق كبير. فوجود الاخوان التنظيمي يحمل في طياته بذور داعش وأخواتها، والبرنامج السياسي والاجتماعي للإخوان لم يتميز عن الأنظمة القائمة سوى بتخلف الخطاب العام. بروز داعش وأشباهها هي، كما يبدو لنا، صرخة النزاع الاخير للإسلام السياسي ونقطة تحول نحو انحطاط مستمر لهيمنته في مجتمعاتنا.
“لكن بروز داعش وما يشبهها، لا يمكن فقط تفسيره بإخفاق الاسلام السياسي الذي زاد بروزه إعلاميا وأحيانا عسكريا في بلدان الثورات. في الواقع، ان قراءة دقيقة للوقائع تشير الى ان داعش ومثيلاتها لا تنتعش الا في المناطق التي تعاني من خراب وتفكك اجتماعي، كبعض مناطق العراق المدمر والمنهك وخاصة بعد الاحتلال الامريكي له عام ٢٠٠٣ او عدد من مناطق سوريا شبه المدينية والتي هجّر النظام غالبية سكانها ودمّر بناها”.
الصحفي مسعود عكو يقول: “هناك تواطؤ دولي وإقليمي ساعد على ظهور هذه الجماعة، كما أن نظامي الأسد والمالكي عززا من سيطرة هذه الجماعة على مساحات جغرافية واسعة من المناطق “السنية” في البلدين”.
وعن مستقبل داعش وخلافتها:
يقول عمار ديوب: “في العراق لن يكون لداعش مستقبل كبير، بسبب طبيعة الثورة هناك، ووجود قوى سياسية وعسكرية منظمة من قبل وإلى عام 2003، عدا أن الناس ذاقوا الأمرين من تنظيم القاعدة بقيادة الزرقاوي ومن دولته التي اعلنها، ومن كل ممارسات “القاعدة” والقتل العشوائي والمجنون. وبما يخص سورية، فإن داعش متروكة تماماً لأن الائتلاف الوطني وحكومته عاجزان وسياستهما رديئة بكل استراتيجية الثورة، ولأن الدول الإقليمية تريد تدمير فكرة الثورة فتُركت لتلتهمها داعش والنصرة والجبهة الاسلامية وأحرار الشام وسواهم. وهذا عمل مقصود.
“الخلافة وعدم رفضها من قبل المرجعيات الإسلامية بشكل واضح، يعبر عن نهاية مشروع الإصلاح الديني، فهو لم يقدم إلى علاقة مميزة بين الإنسان وربه بل إلى الخلافة وإجبار الناس على البيعة. وهي كذلك تعبر على التعامل النقلي مع التراث وعدم إيجاد قطيعة مع مفاهيم تنتمي للعصور الوسطى بامتياز، كالخلافة وسواها من الأحكام بحق المسيحيين ومفاهيم قطع اليد والرق وحقوق المرأة وسواها.”
وتقول ريما فليحان: “ليس للخلافة مكان برايي الشخصي في هذا المجتمع المتمدن. المجتمع الذي رفض سيطرة اسرة حاكمة على السلطة وتوريثها لن يقبل بشكل الخلافة كشكل للحكم. وبالتاكيد هي حالة لا يمكن فرضها بالسلاح ولا بالقوة. شكل الدولة اولا واخيرا يحدده السوريون وحدهم عبر صندوق الاقتراع بمناخ ديموقراطي. وبالتاكيد اعلان الخلافة جعل مواقف كل القوى في سوريا، بما فيها الاسلامية، تقف صفا واحدا ضد هؤلاء الدخلاء واجنداتهم المشكوك بامرها وتبعياتها واظهر بشكل فعلي الاجندات الفعلي التي اهتمت الى احقية جهة دون اخرى. كل من يحمل منهج القاعده والتكفير سيلفظه المجتمع السوري، وهم موجودون كطفيليات نمت على دوامة العنف والدماء والفوضى وضمن ظروف مريبة.”
الصحفي مسعود عكو قال: “لا يمكن لهكذا حالة من الاستمرار أبداً، وسبق وأن فشلت تجربة إمارة أفغانستان بعد التدخل الأمريكي في الحرب ضد طالبان. ولن يتردد الغرب يوماً ما في التدخل لإنهاء هذه الجماعة حالما تصبح خطراً على مصالحه في المنطقة. كما أنه لا توجد حاضنة شعبية لهذا الفكر المتشدد، كما أن قبول بعض الأشخاص ليس إلا خوفاً من الانتقام المرعب الذي تمارسه أفراد هذه الجماعة من قطع الرؤوس والأيدي وقتل النساء رمياً بالحجارة بحجة تطبيق الشريعة. الدولة كمفهوم فكري لا تعني فقط تطبيق الشريعة في حدود العقاب على المتجاوزين عليها. من واجب الدولة تأمين العيش لأفرادها، ومتطلبات الحياة، تلك التي تفتقر إليها هذه الجماعة. ولا ننسى بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قام بثورة في زمنٍ كان الجهل هو الحاكم في الجزيرة العربية. فما بالك اليوم بالتقدم والتطور الذي حصل على البشرية والعقل البشري. لذا لا توجد أية مقومات ولا أسس ولا حتى آمال بأن تعيش هذه الحالة كدولة”.
اما الباحث والسياسي غياث نعيسة فيقول : “فقط على ارضية خراب مدني واجتماعي تنمو هذه التنظيمات الرجعية والفاشية كداعش. ولعل، اخفاق الاسلام السياسي كالإخوان سياسيا وأخلاقيا في تجربة الثورات التي تجري منذ أربعة اعوام، والنفور والعداء الواسع التي تحظى به منظمات كداعش والنصرة وغيرهما من قبل جماهير شعبنا، تشير الى ما يمكن وصفه بفشل المشروع الاسلامي بشكليه الاخونجي والداعشي، حتى قبل تمكنه من الوصول الى الحكم.
“وكأن السيرورة الثورية تخرج ما تحمله من مكونات كامنة داخل مجتمعاتنا لتختبرها وتكشفها وتفضحها قبل ان تلفظها. لن يكون في سوريا اي مستقبل، مهما طال الزمن وعلت التضحيات، لا لأنظمة الطغمة والاستبداد، ولا لدعاة الاسلام او الطوائف كحل مجتمعي الشعب أراد الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي. وما يريده الشعب يتحقق.”
* صحفي سوري
هل للخلافة مستقبل؟: رأي مثقفين سوريين باعلان خلافة “داعش” خالص جلبي ٢٠١٤/٧/٢٩ خرافة دولة الخلافة أول ما سمعت بفكرة الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية كانت من شباب حزب التحرير، وثانيها من شباب الإخوان المسلمين. وأعترف أنها كانت لي حلما ورديا، أن زمن الصحابة سوف يتجدد، والعدل سوف ينتشر، مثل فالق الإصباح، وحين قمت بزيارة طهران في الذكرى الثانية لقيام الثورة الإيرانية في بهمن (فبراير 1982م) كنا نفكر في الهجرة إلى دار الإسلام والخروج من ألمانيا، دار الكفر؟ بالمناسبة كانت مدينة حماة يومها تباد على يد الأسد الأب فيقتل من أهلها عشرات الآلاف؟ نعم إي وربي هكذا كنا نفكر، وأخذ الموضوع معي… قراءة المزيد ..