انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية لن يقلب المعادلة السياسية الحاكمة في البلد اليوم بل سيساهم في تثبيتها. فبعد ان طويت فكرة تفاهم المسيحيين على رئيس للجمهورية، فتح الباب امام مرحلة التوافق على شخص الرئيس العتيد. وإن لا يضع المراقبون اسباب استقبال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لرئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط في سلة الاستحقاق الرئاسي، رغم مرور ثلاث سنوات على آخر لقاء بين الرجلين، فإنه يوضع في سلّة الاستكشاف المتبادل لصدى المشهد الإقليمي المتفجر من بغداد الى غزة وآثاره وتداعياته على لبنان.
لم يستقبل نصرالله جنبلاط بعد سقوط حكومة نجيب ميقاتي ولا جرى لقاء بينهما خلال المدة التي فصلت بين استقالة ميقاتي وتاريخ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام. وأحداث عديدة مرت لم تستدعِ مثل هذا اللقاء بالنسبة لحزب الله. إذ كانت القنوات الحزبية الادنى مع الحزب التقدمي الاشتراكي تتكفل بنقل الرسائل ومعالجة ما يعتري العلاقة من تردّ، أو ما يفيض عليها من وئام وودّ. لكن ما الذي تغير ليفك حزب الله قيد اللقاء بين زعيمه وجنبلاط هذه الايام؟ الاوضاع الاقليمية كانت محور اللقاء كما ورد في البيان المشترك الصادر عن اعلام حزب الله واعلام “الاشتراكي”، لكن من دون ان يهملا الاشارة الى “الدعوة التقليدية” لضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. الازمة السورية أستُنقعتْ، وحزب الله نحو مزيد من الغرق فيها من دون افق للخروج، بل ينهمك في البحث عن تبرير للاستمراره في المستنقع بمزيد من تضخيم دور داعش وخطرها على لبنان.
الخبراء الامنيون الجدّيون ينفون وجود ايّ تماس لتنظيم الدولة الاسلامية مع حزب الله. فالتنظيم موجود في العراق ويقاتل على الجبهة الشرقية في سورية. وهو ليس موجودا حيث يقاتل حزب الله في دمشق وريفها ولا على الحدود اللبنانية، وداخل لبنان يؤكد الخبراء ان لا وجود لتنظيم “داعش” وان بعض ظواهره يجري تضخيمها بهدف تبرير القتال في سورية. وخصوم حزب الله ليسوا منزعجين، على ما يبدو، من استمرار قتاله في سورية. البعض يقولها في السرّ: “فليغرق في المستنقع السوري”. حتى وليد جنبلاط الرافض لقتال حزب الله في سورية، لا مانع لديه من باب المسايرة غير المكلفة ان يشير الى خطر هذا التنظيم على لبنان ومن دون ان يذكّر بموقفه من التدخل العسكري في هذا البلد الجار والشقيق. لا شك ان التطورات العراقية العسكرية والسياسية فتحت نوافذ وابواب قلق اضافية لحزب الله، لم تغلقها العدوانية الاسرائيلية المستمرة في غزّة، فهل تفرض هذه التطورات او التداعيات اسلوبا جديدا في تعامل حزب الله مع الاستحقاق الرئاسي، اي الانتقال من مرحلة تقبل الفراغ الرئاسي الى مرحلة السعي الجدي لملئه؟
في المعلومات ان لقاء نصرالله – جنبلاط انطوى على رسالة نقلها الأخير من قوى 14 آذار عن استعدادها للبحث في شخصية توافقية للرئاسة الاولى. وربما هي الرسالة الجدّية الاولى من قبل هذا الفريق الى حزب الله. وكان جنبلاط، وربما حزب الله أيضا، قد حرص على ان يمهد للقاء نصرالله بلقاء جنبلاط مع قائد الجيش جان قهوجي. وبحسب المصادر فإن جنبلاط نقل الى السيد نصرالله اجواء لقائه مع الرئيس سعد الحريري، والاتصالات التي تلت هذا اللقاء، لا سيما ما يتصل منها بانتخاب الرئيس في سياق تعزيز حماية الاستقرار في البلد. من دون ان يشمل البحث بين نصرالله وجنبلاط في الاستحقاق الرئاسي ايّ استعراض للاسماء المرشحة، لكن جرى تثبيت حقيقة ان اي انتخابات يجب ان تتم بالتوافق على اسم الرئيس.
بالعودة الى قرار افراج حزب الله عن قرار استقبال نصرالله لجنبلاط بعد ثلاث سنوات من الاسر، يمكن التكهن بأن عجلة انتخاب رئيس الجمهورية مرشحة للتحرك بقوة في المرحلة المقبلة. فمع تنامي مناخ تحصين البلد من تداعيات احداث المنطقة عليه، يرجح بعض المراقبين ان فرص التوافق على رئيس للبلاد اليوم متاحة اكثر من السابق: “ثمة ارتياح لدى جنبلاط من لقائه الاخير مع نصرالله يواكبه تكتم عن مجريات اللقاء في الشأن الرئاسي”.
ولا بد من التذكير بأنه اللقاء بين الرجلين الذي لم يضم للمرة الاولى اي شخصية قريبة من جنبلاط، رغم مشاركة وحضور المسؤول الامني في حزب الله وفيق صفا.
alyalamine@gmail.com
البلد