يشبه الشرق الأوسط هذا الصيف بركانا متفجرا يقذف بحممه في العديد من الاتجاهات، من غزة إلى الموصل، ومن سوريا إلى اليمن. وبينما يبدو من الصعب سد الفوهات المتفجرة أو الخروج من دورة عدم الاستقرار والنزيف العربي، يأتي فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني وتمديد المفاوضات حتى الرابع والعشرين من نوفمبر القادم، ليدلل على أن رهان الرئيس الأميركي في إبرام صفقة الشراكة مع طهران تحولُ دونه عقبات كأداء، وليس فقط العقبة الفنية أو العسكرية المتعلقة حصرا بالمشروع النووي الإيراني.
منذ توقيع الاتفاق المؤقت في نوفمبر 2013، حرص جناح روحاني-رفسنجاني في الجمهورية الإسلامية على إعطاء الانطباع بأن الطريق ممهدة نحو إبرام الاتفاق النهائي قبل 20 يوليو الحالي، لكن المرشد الأعلى علي خامنئي كان يريد الحفاظ على القدرات النووية والتمسك بالتوسع الإقليمي في آن واحد، وذلك لا يخلق مناخ ثقة يسهل مهمة المفاوضين الغربيين وخاصة المفاوض الأميركي.
هذا الجو من الحذر المتبادل قابلته الحاجة المتبادلة للوصول إلى توافق، إذ أن الدبلوماسية الأميركية كانت تحاول التسويق أمام الحلفاء التقليديين أنه لا بد من النجاح مع إيران، لأن البدائل للمنطقة ستكون أسوأ مما يمكن تخيله.
بيد أن الرياح الساخنة في الشرق الأوسط الملتهب جرت بما لا يشتهي باراك أوباما الذي ترك سفينة العالم من دون قيادة ومن دون قرارات حاسمة في ملفات مفصلية مثل الملفين السوري والإسرائيلي- الفلسطيني. وهذا التراجع أو عدم الالتزام الأميركي قابله استمرار الانخراط الإيراني بقوة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، مما أدى لتفاقم التجاذب الإقليمي وتحطيم النسيج المجتمعي ومؤسسات الدولة في أكثر من بلد عربي.
عشية الجولة الأخيرة للمفاوضات النووية، كان من الواضح أن إيران ما زالت مصرة على حاجتها للتوسع في عمليات تخصيب اليورانيوم تحت حجة التمكن من إنتاج كمية كافية من الوقود النووي للمفاعلات التي تزمع بناءها مستقبلا.
ولقد صرح الدكتور علي أكبر صالحي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة النووية بأن بلاده لا تستطيع الاعتماد على التعهدات والوعود الدولية بتزويدها بذلك النوع من الوقود. من جهتها فوجئت واشنطن التي أرادت تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي الإيـرانيـة بتصـريح خامنئي الـذي حدد حـاجـة بـلاده إلى 190 ألف جهـاز طـرد مركزي.
استند المفاوض الإيراني إلى حق بلاده في توفير الاكتفاء الذاتي من اليورانيوم المخصب، وفي المقابل أصرت مجموعة «5 زائد 1» على تقليص طهران للتخصيب كي تبتعد الشكوك حول احتمال إنتاج أسلحة نووية عند صدور القرار السياسي.
عدا مسألة التخصيب ونسبته وكمياته، كانت هناك عقد أخرى أبرزها مستقبل أو طبيعة عمل مفاعل آراك للبلوتونيوم وزيارات منظمة الطاقة النووية. وأدى ذلك لتمديد العملية التفاوضية لأن انهيارها سيء بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، اللذين صمما على مواصلة الحوار بالرغم من وجود معارضة داخلية شرسة وقوية في الجانبين.
في الحقيقة، أوباما وروحاني أرادا التوصل إلى اتفاق نووي نهائي، لكنهما لم يتمكنا بكل بساطة، إذ أن الكونغرس ليس مطواعا أمام الرئيس ولم يقبل رفعا هاما للعقوبات يغري طهران للذهاب بعيدا في التنازلات، أو إلى ما تسميه واشنطن «برنامج نووي من دون أنياب»، أما روحاني (الذي أوفد شقيقه حسين فريدون إلى فيينا لدعم الوزير محمد جواد ظريف) فليس عنده التفويض المطلق من خامنئي، الذي اعتبر أنه في ظل التوتر الإقليمي والخسارة في العراق، لا يمكنه أن يتخلص من عنصر قوة لديه في البرنامج النووي، لأن ذلك سيعزز معسكر معارضي النظام في الداخل (يعتبر مصدر من هذه المعارضة أن النظام اعتمد منذ أكثر من عشر سنوات على سياسة التفاوض لكسب الوقت).
لا يُستبعد أن روسيا التي تخشى الترتيب الأميركي-الإيراني وانعكاسه على مصالحها، والتي تتنافس مع إيران في سوق الطاقة، لم تبذل جهدا لإقناع إيران بتنازلات. ومن جانبها الصين التي تشتري النفط الإيراني بسعر متهاو لا تبدو منزعجة من التعثر العابر.
يتوجب التشديد أيضا على أن المباحثات الأميركية-الإيرانية لم تقتصر على الشأن النووي، وربما شكلت الواجهة لما يجري بشكل أكثر جدية وراء الكواليس، لا سيما أن أوباما دخل البيت الأبيض بنية واضحة تتمثل في إنجاز انفتاح على إيران والتوافق معها. وعلى نفس المنوال جاء روحاني إلى الرئاسة في طهران مصمما على «إصلاح» صورة إيران في العالم، والتوصل إلى ترتيب مع واشنطن من خلال بوابة رفع العقوبات في الملف النووي.
كل ذلك يدفعنا إلى القول إن الجانبين الأميركي والإيراني محكومان بالنجاح رغم العثرة المرحلية. لكن اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس سيحرم أوباما من هامش المناورة، وبالنسبة لروحاني لن تكون المهمة أسهل، ولذا يمكن أن يكتفي الفريقان بتفاهمات جزئية حول مسائل إقليمية وعدم قطع الحوار في الملف النووي. ومن هنا أفرجت واشنطن عن 2.8 مليار دولار من أصول إيران المجمدة، وخفف الاتحاد الأوروبي الحظر النفطي في مسعى لطمأنة روحاني وتعزيز وضعه.
خلال فترة التأجيل لن ينجح باراك أوباما، على الأرجح، في تهدئة أو إخماد بركان الشرق الأوسط. أما روحاني الذي دعا إلى «التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين لوقف حرب غزة» بعد اتصال أجراه معه الرئيس بوتين، فلم يصمد نهجه أمام دعوة خامنئي الشفهية لزوال إسرائيل. إنه منطق يتناقض مع رهان أوباما على «الصفقة التاريخية» التي تجعل من إسرائيل وإيران ركيزتي سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس
العرب