هوذا الحلم الذي بدأ سنة 1922. شهد على ازدهار لبنان ونكساته واستمر. مهرجانات بعلبك نفحة أمل وتاريخ ينتظرها اللبناني متذكّرًا عظماء لبنان يهزّون عواميد المعابد بحناجرهم الذهبية. بعلبك فيروز وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين، هي أيضًا بعلبك أهمّ فرق الموسيقى والباليه العالمية.
توقّف المهرجان خلال سنوات الحرب الأهليّة، وسنة 2006 خلال الحرب الصيفية القصيرة. أمّا هذه السنة فلبنان ينتظر مصير الأمسيات الغنائية. المكان: بعلبك. الزمان: من 30 تموز إلى 31 آب. المشاركون لبنانيون وأجانب. لكن البرنامج الفنّي ما زال مرهونًا للوضع الأمني المتقلّب والانتحاريين المهووسين.
تروي رئيسة مهرجانات بعلبك السيدة نايلة دي فريج لـ”الشفاف” أن التحضيرات مستمرّة وأن لجنة المهرجان على اتصال دائم بكلّ الأجهزة الأمنية لضمان نجاح الحفلات. “كل يوم بيومه”، تقول. ثم تضيف “عام 2005 و2006 كانت الحالة صعبةً أيضًا. اليوم ندرس الأمور وقد نتخذ إجراءات إذا تدهورت الأوضاع.” ولا تخفي دي فريج أن أيّ تطوّر أمني صغير يؤثّر على نسبة مبيع البطاقات.
هل يمكن نقل المهرجان إلى “خان الحرير” في البوشرية مثلاً، كما حصل في العام الماضي؟
تجزم دي فريج “لا، لقد تأخرّنا في تحضير المدرج والوقت يدهمنا، نحن ننتظر وسوف نرى، الافتتاح في 30 تمّوز والنقليات مؤمّنة.” ثم تفكّر والحنين يملأ كلماتها: “يا ريت عنّا أمن، موقع بعلبك ما في شي بيشبهو، نحن معوّدين.”
الفنانة تانيا صالح تحيي ليلة 22 آب في بعلبك، وهذا المهرجان مهمّ جدًّا لها، هو بمثابة تأكيد وطني على بقاء لبنان كبلد واضح المعالم على الخريطة العالمية، “فالفن والثقافة هما الأهمّ في بناء الأوطان ومهرجاناتنا انعكاس لشعبنا. لذا ندعو الجميع إلى المشاركة؛ إنّها وقفة ضرورية ضدّ الإرهاب والقتل والدمار” تؤكّد صالح.
وللفنانة المناضلة سؤال: “من موّل هؤلاء الإرهابيين؟ كيف نقبل كلبنانيين أن تكون ثقافتنا معلّقة، رهن إرهابيين وانتحاريين ومحبّي دماء. لا ألوم الانتحاري وحده، بل من غسل دماغه وأقنعه بفعلته. علينا الوقوف والمواجهة. هل تتخيّل لبنان التطرّف؟ الرجل في مكان والمرأة في آخر؟ المسيحي كافر؟ المشهد هذا يشبه فيلما سينمائيا لا أصدّقه، ولبنان لن يسلّم نفسه لتخويف كهذا. علينا التعلّم من محيطنا، إنه مخطّط كبير لتقسيم المنطقة وبات الأمر مكشوفًا. لازم نضلّ واعيين، لبنان بلدنا.”
عند صالح رغبة واقتناع بتغيير يمكن صنعه من خلال الفن. تتألّم أمام ما يحدث وتعتبره تسخيفًا لذكاء الناس. تضيف “ننتظر اللحظة الأخيرة، واتكالنا على اللبنانيين، القنبلة التي ستنفجر في بعلبك قد تنفجر أيضًا في الأشرفية أو الضاحية.” تؤكّد صالح أن الأجهزة الأمنية سوف تكون حاضرة بكثرة خلال المهرجان لتأمين سلامة قاصدي بعلبك ولا تخفي أن ثمّة قرارا سياسيا وحزبيا وأمنيا بإجراء هذا المهرجان هذه السنة . تتمنّى ذلك على الأقلّ.
تانيا صالح تطلق في حفلتها أغنية جديدة لبعلبك، رسالتها أن الموسيقى المستقلّة لها مكان في لبنان وتقدر أن تصل إلى بعلبك بفضل مجهود شخصي ودعم الأحبّاء. “وجودي تقدير لهذا المهرجان ولمن سبقني من مبدعين على هذا المسرح، هو تقدير لمعبد إله الخمر وإلى من آمن به يومًا.”
وعندما تلفت نظرها إلى أن بعلبك والقلعة لبستا حلّة حزبية سياسية (أعلام “حزب الله” تملأ الطرق والمداخل إلى القلعة)، تجيب صالح: “في تاريخ الشعوب، تتغيّر الأعلام وموازين القوى تتبدّل. المهمّ هو القيمة الثقافية قبل كلّ شيء”.
هذه هي الصورة: لجنة مهرجان متأمّلة، وجمهور متعطّش ينتظر. من بعلبك المشهد مريب. هذا ليس تخويفًا بل حقيقة مرّة يراها كلّ زائر للمنطقة. في بعلبك، أعلام حزب صفراء وصور شهداء معلّقة على كلّ عامود كهرباء. في بعلبك على كلّ حاجز، عنصر من الجيش اللبناني أوّلًا ثمّ حزبي بلباس جيش ثانيًا. في بعلبك قد تلاحقك سيّارة من دون رقم في الزواريب، ثم تبتعد عنك على الطريق العام. وفي بعلبك أيضًا متحف صغير عند مدخل القلعة لإنجازات “حزب الله” وأسلحته وصوره. في بعلبك، لبنان يتمنّى أن يزهر فنًّا وإبداعًا، وفي المقابل ثمّة من يسعى إلى اقتلاع هذه الزهرة من شلوشها وزرع عبوات ناسفة مكانها. فمن ينتصر؟