يمكن لقارئ “الشفاف” الإطلاع على النص الأصلي، بالإنكليزية، بالضغط على هذا الرابط.
في مقطع سقط من ترجمة ”السفير” يناقس اللقيس مع صحفي إيراني تابع للحرس الثوري إمكانية تعرضه لعملية إغتيال:
”في الكاسيت التي سجّلها الصحفي الإيراني، يتحدث اللقيس بالفارسية عن إمكانية أن تقوم
إسرائيل باغتياله.
”في حالات الحرب، فإنهم يهاجمون، أما في الوضع الراهن فلن يفعلوا. إسمع، الوضح الحالي بيننا وبين إسرائيل ليس مناسبا.. نحن الآن (منخرطون) في حرب باردة مع إسرائيل. إذا كانت إسرائيل تريد مثلاً.. شخصاً مثل السيد حسن- إذا كان باستطاعتها القيام بذلك الآن- فسوف تضرب. شخص مثل الحاج عماد (مغنية)- إذا كان باستطاعتها فسوف تهاجم- وقد فعلت. أما شخص مثلي أنا، فالحواب هو ”كلا”. فإسرائيل ستقول هؤلاء (موطفين) من الصف الثاني- كلا. هؤلا تتركهم إسرائيل لمرحلة لاحقة. بالمقابل، إذا باستطاعتها القيام بعملية إغتيال توحي بأن طرفاً آخر (غير إسرائيل) قام بها، في هذه الحالة ستهاجم (أي ستقوم بعملية إغتيال). أما إذا كان معروفاً أن إسرائيل قامت بها، فهذا سيؤدي إلى وقوع حرب. هذه الأمور تؤدي ببطء وتدريجياً إلى وقوع حرب. ولكنني لا أعتقد أنه من المستبعد أن يقوموا باغتيال أحد هؤلاء الأشخاص (من الصف الثاني) في المستقبل القريب. نحن حذرون جداً في تحركاتنا. ولكنهم في النهاية سيجدوننا وسيقومون باغتيالنا”.
*
“قطار منتصف الليل السريع”: القصة الكاملة لاغتيال حسان اللقيس
كشفت مجلة «إسرائيل ديفنس» الأمنية النقاب عما اعتبرته تفاصيل اغتيال القيادي في «حزب الله» الشهيد حسان اللقيس في بيروت قبل نصف سنة، وقالت إن القتلة وصلوا بسيارة مستأجرة رصدوا من خلالها الباحة القريبة من بيت الشهيد قرب حي سانت تيريز (في محلة الحدث) شرق الضاحية الجنوبية لبيروت، ونزل منها اثنان إلى بستان مجاور لينفذا الاغتيال بحق «المسؤول عن تطوير الأسلحة والبنى التكنولوجية في حزب الله».
وفي تحقيق مطول أعده رون سولمون للمجلة، جاء أن اللقيس لم يكن مجرد مسؤول في «حزب الله» بل كان من الأصدقاء المقربين للسيد حسن نصرالله. وتعود علاقتهما إلى أيام تلقيهما الدروس الدينية في بعلبك بعد إنشاء قيادة عسكرية في بلدة النبي شيت البقاعية لـ«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» في العام 1983. وأشار إلى أن أحد ضباط تلك القيادة كان حسن دهقان الذي يعمل حاليا كوزير دفاع إيران. وقد تولى دهقان المسؤولية عن قطاع لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 وانشغل بتأهيل النواة الأولى لقيادة «المقاومة الإسلامية» هناك ومن ضمنها حسان اللقيس. وبعد ذلك أرسل اللقيس إلى كلية ضباط القيادة والأركان في الأكاديمية العسكرية في «جامعة الإمام الحسين» التابعة للحرس الثوري في ايران. في العام 1992 اغتالت إسرائيل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد عباس الموسوي فخلفه السيد حسن نصرالله.
منذ ذلك الحين وبعده بدأت نشاطات حسان اللقيس، الذي كان قد تخرج من كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، في مجال شراء وتطوير الوسائل القتالية لـ«حزب الله»وتطويرها. وتبين لاحقا أن هذه النشاطات كانت تتم عبر شبكات خلايا في أرجاء العالم. وحسب سلومون فإن دهقان الذي انتقل من لبنان إلى مجال الجو والفضاء اهتم بأن ينال اللقيس تأهيلا عسكريا في كوريا الشمالية، الدولة المزودة للتكنولوجيا لإيران، خصوصا في مجال الصواريخ وتطوير الطائرات من دون طيار.. واللقيس لم يكن لوحده. فقد كان معه حسين أنيس أيوب، الذي تولى الإشراف على إنشاء الذراع الجوي لـ«حزب الله» إلى حين استشهاده في 4 آذار 1996 في اشتباك مع الجيش الإسرائيلي في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني.
ومنذ أواسط التسعينيات، عمل اللقيس في تطوير قدرات «حزب الله» الحربية، خصوصا الصاروخية، وكان المسؤول عن جلبها من سوريا. كما اهتم بتطوير الذراع البحري، سفنا وكوماندوس بحريا ومنظومات بحرية، وفضلا عن ذلك اهتم بتطوير وحدات مضادة للدروع، وشبكة الاتصالات الخاصة بـ«حزب الله»، ومنظومة الحماية والرصد ووسائل مراقبة بصرية وكان مسؤولا عن إنشاء منظومة خنادق «المحميات الطبيعية» لـ«حزب الله» في الجنوب اللبناني بعد الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000. واهتم في سنواته الأخيرة بتطوير منظومة «حرب السايبر».
علاقة وطيدة بنصرالله
وكان اللقيس يصل بين الحين والآخر إلى طهران في زيارات عمل، وهو اجتمع للمرة الأولى إلى المرشد الأعلى علي خامنئي سوية مع السيد نصر الله والشهيد عماد مغنية (الحاج رضوان) حيث عرض مسائل بناء قوة «حزب الله» بلغة فارسية ممتازة لدرجة دفعت خامنئي لسؤاله إن كان إيرانيا، فرد مبتسما أنه لبناني. وقبل شهرين من اغتياله وصل في زيارته الأخيرة الى طهران حيث اجتمع مع المرشد الأعلى وحينها كان يعقد في إيران مؤتمر لجماعة «حزب الله سايبر» لحرب الشبكات. كما عرض «الحرس الثوري» في 27 أيلول 2013 طائرة تكتيكية من دون طيار تسمى «ياسر» من انتاج إيراني.
بعد شهر من هذه الزيارة، شوهدت هذه الطائرة تحلق عملياتيا فوق دمشق. في ذلك الشهر نفسه، نشرت صحيفة «الجمهورية» اللبنانية أن «حزب الله» يستخدم هذه الطائرات لاكتشاف السيارات الملغومة التي تعبر الحدود من سوريا. وبديهي أن هذه القدرة تقلق إسرائيل لأن «حزب الله» قد يستخدمها لجمع معلومات استخبارية على طول الحدود مع لبنان.
وفي تشرين أول 2012، أفلحت طائرة إيرانية من دون طيار جمعت في لبنان تسمى «أيوب» (على اسم مؤسس الذراع الجوي حسين أنيس أيوب) في إحراج إسرائيل عندما طارت من صيدا إلى قطاع غزة وعبرت منه إلى داخل المجال الجوي جنوب إسرائيل وربما كانت تصور منشآت حساسة قبل إسقاطها.
هكذا اغتيل اللقيس
وفي العام الأخير لحياته، اعتاد حسان اللقيس شق طريقه من بيته في بعلبك إلى شقته في الضاحية الجنوبية وهو يقود سيارته من طراز «شيروكي» زيتية اللون، التابعة لأسطول جهاز أمن «حزب الله». ولكن وخلافا للسيارات الأمنية التي تكون عادة بلا لوحات تشخيص، فإن سيارته كانت تحمل الرقم 258251. ولكنه في بيروت كان يركب سيارة أجرة من شقته إلى مكتبه في حارة حريك.
في تلك الفترة، كانت هناك مسائل تتعلق بالمساعدات الأمنية الإيرانية سواء بسبب القتال في سوريا أو للتحقيق في التفجيرات التي وقعت قرب السفارة الإيرانية (في بيروت). وقد اختير اللقيس مرارا لمرافقة كبار المسؤولين الإيرانيين ومن ضمنها هذه المرة. و في تشرين أول 2010 زار الروائي والباحث الإيراني داوود عبادي حميد الذي يعمل أمينا عاما لـ«صندوق تخليد تراث الاستخبارات والأمن» في الحرس الثوري ـ لبنان لغرض كتابة سيرة السيد حسن نصر الله. أثناء هذه الزيارة زار بيت اللقيس وأجرى معه مقابلة مطولة حول المقاومة والحرب ضد إسرائيل. وبصوته تحدث اللقيس باللغة الفارسية عن احتمال أن تحاول إسرائيل اغتياله.
في تلك الزيارة، أعطى اللقيس ضيفه الإيراني بطاقة اتصال لشركة يملكها تسمى «ديجيكوم» وتعمل في مجال استيراد وتسويق الكومبيوتر ووسائل الاتصال والحماية. وللشركة فرعان، أحدهما في «مركز اللقيس التجاري» في بعلبك، والثاني في بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت.
لم تستغرق رحلة اللقيس ليلة اغتياله من بئر حسن، حيث توجد بيوت الضيافة الإيرانية في بيروت، وشقته أكثر من عشر دقائق. بقيت بوابة موقف البناية مفتوحة ودخلت سيارته الموقف الأرضي. وما أن ركن السيارة وفتح بابها للخروج حتى دوت أربع طلقات عبرت زجاج سيارته لتستقر في رأسه وصدره فيما أصابت رصاصتان أخريان الحائط. أحد القتلة فتح باب السيارة وأطلق ثلاث رصاصات على رأس اللقيس. ولم يكن لدى القتلة أكثر من دقيقة لتفتيش السيارة وملابس اللقيس بحثا عن أوراق أو حاسوب أو حقيبة أو هاتف والهرب إلى السيارة التي كانت بانتظارهم للفرار… ومن هناك إلى واحد من ثلاثة خيارات: مهبط طائرات مهجور أو إلى الساحل أو إلى إحدى شقق الاختفاء في بيروت.
رصد للروتين.. وكواتم صوت
جهتان، على الأقل، قامتا بالتحقيق في اغتيال اللقيس إحداهما استخبارات الجيش اللبناني والثانية وحدة الأمن الداخلي في «حزب الله». ومن تفاصيل التحقيق الأولية يتبين أن أعضاء خلية الاغتيال، استعدوا جيدا للعملية بشكل لا يقوم به إلا جهاز دولة، وتضمن رصدا للروتين اليومي للقيس، وتخطيطا أساسيا لطرق الوصول والهروب واستخدام سيارات مستأجرة وأسلحة كاتمة للصوت. ودلت التحقيقات على أن القاتلين اثنان يحملان مسدسات 9 ملم مع كاتم للصوت.
واضح ان من قرر الاغتيال قد اختار توقيتا مريحا لإشاعة الغموض، خصوصا بعد الاعتداءات على رموز حزبية وإيرانية في بيروت على أيدي جهات جهادية ذات صلة بالحرب في سوريا، وهذا ما بينته آثار الأقدام في طين البستان المجاور حيث هرب القاتلان في تلك الليلة الماطرة. وقد أفلحت التحقيقات في الاستعانة بكاميرات التصوير في جادة كميل شمعون، وكان واضحا أن القتلة استعانوا بخلية لوجستية محلية.
عموما، الكل في إيران و«حزب الله» مقتنعون بأن الاستخبارات الإسرائيلية تقف خلف الاغتيال وجمع المعلومات وتنفيذ الاغتيال حتى لو تم عن طريق طرف ثالث، وسواء أكان السعودية أو جهة تعارض «حزب الله». لكن السؤال يبقى: لماذا قرر الإسرائيليون اغتيال اللقيس عبر إطلاق النار عليه وليس عبر تفجير سيارته أو قنصه أو دس السم له؟
خلص سلومون الى القول إنه «منطقي الافتراض أنه كان بجوار اللقيس هاتف يحوي أرقام اتصال بجهات عليا مختلفة داخل التنظيم اللبناني وخارجه وأيضا قائمة أسماء مسؤولين كبار من دول تساعد مثل سوريا وإيران وحتى السودان، وهي قوائم هناك جهات كثيرة جدا معنية بأن تضع يدها عليها».