ستسعى حكومة بنيامين نتانياهو إلى استغلال اختفاء ثلاثة شبّان اسرائيليين في الضفة الغربية إلى أبعد حدود. ستستغل الإختفاء بطريقة بشعة بدءا بزيادة الضغط على قطاع غزّة المحاصر وصولا إلى تخريب الوضع في الضفة الغربية مرورا بتعطيل عمل حكومة الوحدة الوطنية التي تشكّلت حديثا برئاسة الدكتور رامي الحمدالله.
نظريا، هناك حرب فلسطينية ـ اسرائيلية. هناك مشكلة أسرى فلسطينيين حقيقية. هناك حكومة اسرائيلية لا تؤمن بخيار الدولتين. لا تؤمن هذه الحكومة إلّا بتكريس الإحتلال، خصوصا للقدس الشرقية. فوق ذلك كلّه لا رغبة للحكومة الإسرائيلية في طرح سؤال في غاية البساطة هو ماذا كان يفعل هؤلاء الشبان الثلاثة في الضفة الغربية؟
هناك سياسة اسرائيلية مدانة بكلّ المقاييس نظرا إلى أنّها لا تقيم أي اعتبار لعملية السلام ولشروطها المعروفة. في مقدّم هذه الشروط زوال الإحتلال ومساعدة الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في ظلّ تفاهم في شأن القدس الشرقية المهددة يوميا بالتهويد.
القدس في واقع الأمر مدينة محتلّة سيطر عليها الإسرائيليون بالقوّة في العام ١٩٦٧ وهم يعملون يوميا على تطويقها. الأخطر من ذلك كلّه أن الإستيطان مستمرّ في كلّ انحاء الضفة الغربية بغية تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية المفترضة وقطع الطريق على قيام دولة “قابلة للحياة” يمارس فيها الفلسطينيون حقوقهم الوطنية المشروعة المعترف بها من الأمم المتحدة بصفة كونهم شعبا من شعوب المنطقة.
تتحمّل اسرائيل، قبل غيرها، مسؤولية اختفاء الشبّان الثلاثة الذين قد تكون جهة ما خطفتهم في الضفة الغربية. هذا واقع نظرا إلى أنّ هؤلاء الشبّان كانوا في ارض محتلة تصرّ اسرائيل على ضمّها. ولكن في انتظار جلاء الموقف، لا بدّ من مواجهة واقع متمثّل بأن الشبّان الثلاثة ضحايا السياسة الإسرائيلية وأن هناك في اسرائيل من سيستخدم عملية الخطف لتبرير رفض التفاوض الجدّي مع الفلسطينيين من أجل تحقيق تسوية معقولة ومقبولة.
ما بقي من العملية السلمية، هذا إذا بقي شيء منها، سيكون ضحيّة خطف الشبّان الثلاثة، خصوصا أنّ اسرائيل ستدّعي أنّ لا وجود لطرف فلسطيني جدّي قادر على التزام ما يتعهّد به. أكثر من ذلك، ستدّعي اسرائيل أن هناك مخاطر من قيام دولة فلسطينية مستقلّة. من وجهة نظرها، كيف يمكن الوثوق بالفلسطينيين اذا كانوا غير قادرين على ضبط الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها؟
من خطف الشبّان الثلاثة، اصاب ثلاثة عصافير بحجر واحد. اصاب أوّلا السلطة الوطنية الفلسطينية وأظهرها في مظهر العاجز عن السيطرة على أي منطقة تحت سلطتها. هذا لا يعني في أي شكل تجاهل المسؤولية الإسرائيلية عن ترك هؤلاء الشبّان يمرحون في الضفّة متحدين مشاعر المواطنين الفلسطينيين.
كذلك اصاب الحجر حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت نتيجة اضطرار “حماس” إلى مصالحة “فتح” بعدما فشل مشروع الإخوان المسلمين الهادف إلى استخدام قطاع غزّة للعب في الداخل المصري.
أما العصفور الثالث الذي اصيب بحجر الخاطفين، فهو الجانب الأميركي الذي كان يسعى إلى اقناع اسرائيل بأنّ المفاوضات لا علاقة لها بحكومة الوحدة الوطنية وأنّ مهمّة هذه الحكومة محصورة بالإعداد للإنتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية السنة الجارية.
ليس صحيحا أنّ ليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه بعدما ضربت حكومة نتانياهو عرض الحائط بكلّ جهود السلام ورفضت الدخول في مفاوضات جدّية ذات مرجعية محددة هي قرارات الشرعية الدولية المعترف بها، على رأسها القرار ٢٤٢ الذي يؤكّد مبدأ الأرض في مقابل السلام.
ما يبدو أكثر من واضح، خصوصا في ظلّ التعقيدات التي يمرّ بها الشرق الأوسط كلّه، أن الفلسطينيين سيخسرون الكثير جراء اختفاء الإسرائيليين الثلاثة. لم يربحوا شيئا من خطف الجندي جلعاد شاليط في غزّة. استخدمت اسرائيل تلك العملية من أجل تشديد حصارها للقطاع وتحويله سجنا كبيرا ذا سماء مفتوحة. صحيح أن اسرائيل اضطرت في النهاية إلى اطلاق عدد كبير من السجناء والأسرى، لكن الصحيح أيضا أن حكومتها استفادت من أسر شاليط إلى ابعد حدود وذلك عبر قولها للعالم أنّ خطف الجندي يؤكّد موقفها المستند إلى أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
المؤسف أنّ اسرائيل ستعمل حاليا على تحويل الضفّة الغربية أرضا طاردة لأهلها. ستحبط مسبقا كلّ الإيجابيات التي كان يمكن أن تنجم عن تشكيل حكومة وفاقية تساعد في رفع الحصار عن غزّة مع استمرار المحافظة على الأمن في الضفة. هل انتقلت تجربة “حماس” الفاشلة في غزّة إلى الضفّة؟
للمرّة الألف، هناك مسؤولية يتحمّلها الإحتلال عن خطف الشبّان الثلاثة، هذا إذا كانوا خطفوا فعلا.
لا مفرّ من سؤال لا بدّ من طرحه. هذا السؤال هو كيف يمكن أن تخدم عملية من هذا النوع القضية الفلسطينية، أو على الأصحّ المشروع الوطني الفلسطيني؟
يبقى أن مثل هذا النوع من العمليات، يجعل المرء يتساءل هل “حماس” مخترقة؟ هل هناك في “حماس” من يرفض حكومة الوفاق الوطني والخطوط العريضة لإتفّاق المصالحة، ولا يهمّه في أي شكل ما إذا كان الحصار سيرفع عن غزّة يوما؟
يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك والتساؤل هل “حماس” تسيطر فعلا على كل العناصر التابعة لها والعاملة في الضفة الغربية؟ أم أن لبعض هذه العناصر إرتباطات خاصة وحسابات ذات علاقة بجهات إقليمية محدّدة معروفة؟ إنّها جهات ترفض الإعتراف بأنّ السلطة الوطنية قادرة على السيطرة أمنيا على الضفة الغربية، أقلّه على جزء منها.
في الحسابات السياسية، لا يمكن للفلسطينيين الخروج منتصرين من عملية خطف لإسرائيليين في الضفة الغربية، حتّى لو كانت مسؤولية ما حصل تقع على الإحتلال وعلى من يُؤمن بالإحتلال.
العالم، لا يمكن للأسف الشديد تفهّم أن الحل لقضايا كبيرة من هذا النوع ليس بالإحتلال وأن استمرار الإحتلال لا يمكن أن يؤدي سوى إلى مزيد من التصرفات التي تعبّر عن الإحباط.
تكمن المشكلة في أنّ الإحباط لا يشكّل رداّ على الإحتلال وممارساته وليس بديلا من سياسة واقعية تأخذ موازين القوى على الأرض في الإعتبار. المحزن أنّ هناك من سيستغلّ الإحباط من أجل تحقيق أهداف لا علاقة لها بالفلسطينيين وقضيّتهم ومشروعهم الوطني.