هل يصلح النائب المسيحي ميشال عون أن يكون رئيسا للجمهورية اللبناية، أم أنّ عون يلعب الدور المطلوب منه لعبه والذي يتمثّل في تكريس الفراغ الرئاسي في لبنان بهدف طرح مشروع سياسي يفضي إلى نسف النظام القائم والذي في أساسه إتفاق الطائف؟
ماذا يعني نسف النظام؟
إنّه يعني قبل كلّ شيء التخلص من إتفاق الطائف القائم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وصولا إلى المثالثة بين المسيحيين والسنّة والشيعة، مع إعطاء الثلث الشيعي حقّ الفيتو على أي قرار أو موقف يتّخذ على الصعيد الوطني. هل هذا الهدف من إيصال عون إلى الرئاسة، وهل يقبل المسيحيون برئيس مهمّته إقرار المثالثة، حتّى لو بقي هذا الرئيس في واقع الحال مجرّد مرشّح للرئاسة؟
تخفي لعبة ميشال عون الكثير. كان يمكن تأييده في إنتخابات رئاسة الجمهورية لو حدّد موقفا من أي موضوع كان، نجده مطروحا حاليا في لبنان. على سبيل المثال وليس الحصر ما موقف القائد السابق للجيش اللبناني من كلام الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري لـ”مرشد” الجمهورية الإسلامية في إيران. قال صفوي أخيرا أنّ “قوّة إيران ونفوذها إمتدا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط” مضيفا أن “خطّ الدفاع الأوّل لإيران أصبح في جنوب لبنان”.
لم يجد ميشال عون “طراز ٢٠١٤” ما يردّ به على المسؤول الإيراني الذي يعني، أوّل ما يعني، أن لبنان بات مستعمرة إيرانية. كيف يمكن لمرشّح جدي لرئاسة الجمهورية في لبنان الإمتناع عن إتخاذ موقف من تصريح خطير من هذا النوع.
كيف في إستطاعة من يعتبر نفسه على رأس أكبر كتلة مسيحية في مجلس النوّاب اللبناني تجاهل مثل هذا الكلام الذي يعني أنّ لبنان صار مجرّد تابع لإيران وأن حدود لبنان تحت السيطرة الإيرانية تتحكّم بها بالطريقة التي تشاء وفي الإتجاه الذي تختاره خدمة لأغراض لا علاقة لها من قريب بعيد بما يخدم لبنان واللبنانيين.
من الواضح أنّ ميشال عون يعتقد أن في إستطاعته الجمع بين اللبنانيين، علما أنّ ذلك ليس ممكنا. البلد في خندقين يواجه كلّ منهما الآخر. هناك خندق من يريد إستعادة الدولة اللبنانية، وهناك من يرى أن لبنان مجرّد “ساحة” لا أكثر تستخدمها إيران في المفاوضات التي تجريها حاليا مع المجتمع الدولي.
يعرف الطفل الصغير أن ميشال عون في خندق الذين يريدون لبنان “ساحة” وتابعا للمحور الإيراني ـ السوري. هل يمكن لمن إنغمس إلى ما فوق رأسه في حلف مذهبي شعاره “تحالف الأقلّيات” الإنتقال إلى موقع الواقف على مسافة واحدة من الجميع والقادر على التوفيق بين اللبنانين، أي بين المطالبين بعودة الدولة من جهة والراغبين في المتاجرة بالبلد من جهة أخرى؟ من هذا المنطلق، يبدو أن اللعبة التي يلعبها ميشال عون، أو تلك التي هناك من يجعله يلعبها، تخفي لعبة أخرى. تصبّ اللعبة الأخرى في تغيير طبيعة النظام اللبناني لا أكثر. تقوم اللعبة على إستغلال نقطة الضعف الأساسية لدى من يسمّي نفسه “الجنرال”. تتمثّل هذه النقطة في أنّه على إستعداد لكلّ شيء من أجل أن يصبح رئيسا للجمهورية.
يمكن العودة إلى ميشال عون الضابط في الجيش اللبناني الذي كان في إمرة الشيخ بشير الجميل أيام كان الأخير قائدا لـ”القوات اللبنانية” وذلك في السنوات التي سبقت وصول بشير إلى رئاسة الجمهورية ثمّ إغتياله في الرابع عشر من أيلول ـ سبتمبر ١٩٨٢. إغتيل بشير في ظروف معروفة جدا بناء على تعليمات صادرة عن النظام السوري بواسطة حزب لبناني ليس سوى أداة سورية.
لا وجود لأسرار في لبنان. الجميع يعرف أن ميشال عون دخل المدرسة العسكرية بوساطة وفّرها له نائب المنطقة التي ينتمي إليها هو المرحوم إدوار حنين. كان حنين ينتمي إلى حزب الكتلة الوطنية، حزب العميد ريمون إده، رحمه الله. ريمون إده الذي لم يؤمن يوما بالعنف والسلاح والإنتهازية…
من يوم دخوله إلى المدرسة العسكرية في خمسينات القرن الماضي، إلى وصولنا إلى ميشال عون “طراز ٢٠١٤”، الساعي إلى أن يكون مرشّحا وفاقيا يوجد خيط غليظ يجمع بين كلّ تصرّفات الرجل ويفسّرها. هذا الخيط تختصره كلمة واحدة وحيدة هي الإنتهازية. بلغت الإنتهازية بميشال عون حدّ الذهاب إلى سوريا لوضع نفسه في خدمة بشّار الأسد من دون أن يطرح سؤالا عن مصير اللبنانيين في السجون السورية أو عن مصير قسم لا بأس به من الجنود والضبّاط الذين كانوا إلى جانبه عندما إجتاح الجيش السوري ما بقي من المناطق المسيحية، بما في ذلك قصر بعبدا في تشرين الأوّل ـ- أكتوبر ١٩٩٠.
لا داعي لسرد كل التناقضات في تصرّفات قائد سابق للجيش اللبناني قال في “حزب الله” ونظام الأسد، الأب والإبن، ما لم يقله مالك في الخمرة وإنتهى في أحضانهما. المشكلة في النهاية ليست في شخص ميشال عون الذي لا يمكن الإستخفاف بقدرته على ممارسة الإنتهازية إلى أبعد حدود الإنتهازية من دون أن يرفّ له جفن. المشكلة في أنه لا يستطيع إلّا أن يرى نفسه رئيسا للجمهورية من جهة وفي أن قسما لا بأس به من المسيحيين اللبنانيين ما زالوا يتبعونه من جهة أخرى. هؤلاء يتبعون رجلا على إستعداد للتضحية بهم من أجل الوصول إلى موقع رئيس الجمهورية. هؤلاء يرفضون ألإعتراف بأنّ ميشال عون لم يكن يوما سوى أداة سورية، حتى عندما ادّعى أنه يريد “تكسير رأس حافظ الأسد” إسترضاء، في حينه، لصدّام حسين!!
من حسن الحظّ أن بين المسيحيين اللبنانيين من يعرف تماما من هو ميشال عون. هذا القسم الكبير من اللبنانيين يتذكّر أن ميشال عون مستعد حتّى للعب دور الغطاء لـ”حزب الله” وإيران في دول الخليج العربي، على رأسها المملكة العربية السعودية والذهاب حتّى إلى توجيه الشتائم إلى المملكة وإتهامها بتصدير الإرهاب والتطرّف!
الأكيد أن في الإمكان التحفظ عن كثير من السياسات والتصرفات السعودية. ولكن هل صارت المملكة مصدر كلّ مصائب المنطقة ولبنان علما أنّها لم تقدّم للبنانيين، وإن قصّرت أحيانا، إلّا ما يساعدهم في تطوير بلدهم؟
في السنة ٢٠١٤، نشهد نهاية لعبة سمجة لرجل كان دائما نكتة سمجة. فميشال عون لم يدرك يوما أن في إستطاعته أن يضحك على بعض الناس بعض الوقت، لكنّه لا يستطيع أن يضحك على كلّ الناس كلّ الوقت. نسي ميشال عون أن معظم الناس يمتلكون ذاكرة. يعرف اللبنانيون ماذا يساوي نوّاب عون ووزراؤه الحاليون والسابقون وأنّ أحسنهم لم يكن يستأهل أن يكون بوّابا عند نسيب لحود، رحمه الله، الذي لم يوفّره ميشال عون في حملاته على كلّ ماروني لبناني يمتلك حدّا أدنى من الأخلاق في البلد.
كيف يرفض قائد سابق للجيش إدّعى يوما أنه حامي حمى الوطن والمسيحيين الدفاع عن الدولة اللبنانية وما بقي من مؤسساتها وسيادتها عن طريق تشريع السلاح غير الشرعي الذي كان فلسطينيا في العام ١٩٦٩ وصار إيرانيا بعد السنة ١٩٨٢، تاريخ خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان…أم أن رئاسة الجمهورية تستأهل حتّى التخلي علنا عن السيادة وعن كلّ المبادئ؟
رحم الله ريمون إده، رجل المبادئ الذي رفض التنازل قيد أنملة عن ما كان يؤمن به حتّى عندما عرضت عليه الرئاسة على صحن من فضّة.