خالد الطيب
رحل المؤرخ الفرنسي الشهير جاك لوغوف في بداية شهر أبريل –نيسان الجاري عن عمر يناهز التسعين عاما وترك بعد رحيله مساهماته التي أشع من خلالها في فرنسا وفي العالم كله والتي بلور من خلالها نظرية ما يسمى “التاريخ الجديد” القائم على منهجية التاريخ الشامل.
ولد جاك لوغوف عام 1924 في مدينة تولون بجنوب فرنسا. وعرف كمؤرخ متخصص في القرون الوسطى حيث تناول في مؤلفاته هذه الحقبة الزمنية التي كان كثير من المؤرخين يصفونها ب”الحقبة المظلمة” في التاريخ الغربي.
اجتهد لوغوف رفقة مؤرخين آخرين، منهم مارك بلوك و فرنان بروديل ولوسيان لوفيفر ومارك فيرو، من أجل إخراج التاريخ من انغلاقه التخصصي وفتحه على تساؤلات وقضايا جديدة عن طريق توسيع دائرة المصادر وعدم الاكتفاء بالوثائق المكتوبة، وتجاوز ذلك إلى العناصر المادية والروايات الشفهية، والاحتكاك بالعلوم الاجتماعية واستيعاب مناهجها وتتبع نتائجها، من خلال الاقتصاد وعلم الاجتماع والجغرافيا وعلم النفس واللسانيات.
حاول لوغوف في مؤلفاته عن القرون الوسطى تغيير نظرتنا، وخاصة نظرة الغرب، تجاه هذه الفترة من تاريخ الإنسانية حيث بلور تصورا جديدا يقوم على دراسة تاريخ الجماعات البشرية في علاقتها مع الوسط الجغرافي والبيئي والاجتماعي والتاريخي المكون من مظاهر مادية متكررة باستمرار كالتقنيات والزراعات والصناعات اليدوية ووسائل الإنتاج الأخرى والأغذية والتقاليد التي ظلت كلها تشكل لقرون عديدة ثوابت بنيوية بطيئة التغير قبل التحولات الصناعية الكبرى في القرن الثامن عشر.
تمكن لوغوف من خلال مؤلفاته عن تاريخ القرون الوسطى في الغرب من الانفتاح على حضارات أخرى والتواصل معها. ومنها أساسا الحضارة العربية الإسلامية التي كانت في أوجها خلال تلك الفترة. وكان لوغوف من الذين حالوا تقريب هذه الحضارة إلى الفكر الغربي الذي لم يكن لديه إلمام بتلك الفترة المزدهرة في التاريخ العربي الإسلامي أي تلك التي تمتد حسب المؤخرين الغربيين من القرن الخامس حتى نهاية القرن السادس عشر ميلادي.
من بين مؤلفات جاك لوغوف الكثيرة كتب عنوانه “المثقفون في القرون الوسطى” والذي صدر عام 1957، و”التاريخ الجديد” عام 1978 و”حضارة الغرب في القرون الوسطى” 1984 عام و”سان لوي” عام 1996 و”العصر الوسيط، تفسير بالصورة” عام 2013 و”البحث عن الزمن المقدس” عام 2011، وكتابه الأخير “هل ينبغي حقيقة تفكيك التاريخ إلى قطع ؟ ” والذي صدر عام 2014 .
عرفان
تحية لهذه الالتفاتة الطيبة.
رحيل جاك لوغوف, أكبر خسارة , ليس للمدرسة التاريخية الفرنسية, بل لكل من يتوق تجديد المقاربات التاريخية,لأن العقل اللوغوفي , يشتغل بابستيمي تجديدي, لا يركن للدغمائية, فقد تجاوز براديغم الحوليات, الى براديغم التاريخ الجديد الكلياني.فلو طال عمره,لأدخل التاريخ في رواق جدبد, يبعد عنه التهم , التي طالما واجهها, خاصة من أنصار المناهج التجريبية.
مجرد رأي