وفرت معارك القلمون الاخيرة، بالزخم العسكري الايراني وملحقاته، نوعا من الانتصار الاقليمي، في فرض ارجحية لصالح روسيا وايران في توازن القوى الاقليمية داخل سورية. فقد اظهر الانتصار في يبرود ان فرص استكمال النظام السوري وحلفائه السيطرة الكاملة والآمنة على الساحل السوري وصولا الى دمشق بات حقيقة واقعة. ربما هي ما دفع الرئيس بشار الاسد في لحظة شعور بنشوة الانتصار في هذه المنطقة الى الاعلان عن بدء الاستعداد لغزو الفضاء، بإصدار مرسوم تأسيس وكالة الفضاء السورية.
يؤكد بعض العارفين بالعصبة العلوية الحاكمة في سورية ان خيار التسوية السياسية، اي مشاركة المعارضة هذه العصبة في الحكم، ليس واردا. فالاسد الذي يمثل هذه العصبة لن يسلم سورية الا مدمرة بالكامل، أو يبقى في الحكم. مع استعداد نفسي وديمغرافي وسياسي وعسكري للذهاب نحو خيار التحصن في الجيب العلوي كخيار نهائي. لذا فإن نجاح هذه العصبة في حماية هذا الجيب وتحصينه وتوفير الحدّ المقبول من اﻷمان فيه هو ما جعل مثل هذا الخيار منجزاً في الحساب الاخير لدى النظام. وساهم التحذير الدولي “من المسّ بالاقليات، ومن الصدامات الطائفية”، في تبلور وتحصين مشروع الكيانية العلوية في الوعي وفي الجغرافيا.
التدخل العسكري للمعارضة عبر الجبهة الشمالية كبت نشوة الانتصار في القلمون. إذ أظهرت الوقائع الميدانية ان النظام السوري كان مطمئنا الى هدوء هذه الجبهة واستقرارها. فلم يتوقع، على ما اظهر تقدم المعارضة السريع، ان تركيا ومن وراءها ستسمح بمثل هذا الهجوم المنطلق من “لواء الاسكندرون”. فلم يستطع جيش النظام ان يفرض الهزيمة على المتقدمين الى مابعد كسب. والمعارك اشتدت، لكنها تنخر في الخاصرة الموجعة للنظام. ونجح الجيش الحر والجبهة الاسلامية ومقاتلو جبهة النصرة بتوجيه رسائل نارية مباشرة نحو القرداحة، بلدة آل الاسد، وتعطيل حركة مطارهم.
ولكن ما هي ابعاد فتح الجبهة الشمالية السورية؟ بالتأكيد ليس في فتح هذه الجبهة، ولو في الخاصرة الموجعة للنظام، ما يشير الى تحول في المعادلة العسكرية بالميدان السوري. لكنها تحمل دلالات بالمعنى الاستراتيجي، مفادها ان في ظل الاطاحة بالحل السياسي في جنيف 2، ومع تقدم النظام في القلمون، ما عادت منطقة الساحل السوري آمنة. هي رسالة الى بشار الاسد، وهي محاولة لاعادة توازن القوى الاقليمية في سورية. كما أشرت معركة كسب وما بعدها إلى تقاطع سعودي تركي، كان قائما من خلال مكونات المجموعات المقاتلة على هذا الجيب.
هذه الرسالة موجهة الى مشروع الكيانية العلوية، او المنطقة الآمنة للنظام. والى هذه الرسالة ثمة مؤشرات لا يمكن اهمالها في قراءة المشهد السوري خلال المرحلة المقبلة، وهي لا تنفصل عن هذه الخطوة العسكرية ذات الدلالات الاستراتيجية. فمن الواضح ان الادارة الاميركية في عهد الرئيس باراك اوباما الحالي تدير الازمة السورية على حساب الكل ومن رصيد هذا الكل. ومع سقوط الشراكة الاميركية الروسية في مشروع الحل السياسي في سوريا، مع نشوب ازمة القرم واوكرانيا، فإن ذلك شجع ايران على التصعيد في سورية. بدا ذلك واضحا في تصريحات قيادات الحرس الثوري التي استعادت الحديث عن تلازم دمشق وطهران. فيما الزخم العسكري دعما للنظام ترجم نفسه في اكثر من منطقة.. وفي القلمون بشكل واضح.
في المقابل استمر الهجوم السعودي من على منبر القمة العربية الاخيرة في الكويت، وصولا الى الدفع من اجل تقديم سلاح نوعي إلى المعارضة السورية. في موازاة ذلك نقلت صحيفة الواشنطن بوست معلومات عن خطط اميركية لتجهيز المعارضة السورية بسلاح مضاد للطائرات. والى هذه المعلومات يندرج في السياق موقف رئاسة الاركان الاميركية، التي حذرت النظام السوري من ان التباطؤ في عملية تسليم السلاح النووي، سيعيد الى الطاولة خطط ضرب مواقع سورية استراتيجية كانت معدة سابقا.. ولا تزال واردة.
أيضا يبقى سؤال: هل في ذلك كله مؤشرات إلى تدخل اميركي نوعي في الازمة السورية؟ ميزان التدخل الاميركي يحتمه تراجع قدرته على التحكم في مسار الازمة. واذا كان انهيار الشراكة الاميركية الروسية قد يؤثر في هذه الفاعلية، فإن “قبة الباط” الاميركية لتركيا من خلال جبهة الشمال، وللسعودية عبر تسليح نوعي مدروس ومراقب للمعارضة، هو مؤشر على دعم التغيير في المعادلة الاقليمية بالداخل السوري، لكن ضمن حدود جعل الحل السياسي أمراً ممكنا بين المعارضة والنظام، بلا روسيا.
alyalamine@gmail.com
البلد