الرياض (رويترز) – يتولى وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف الذي ربما يكون أكثر الأمراء من جيله نفوذا في الاسرة الحاكمة مسؤولية صياغة موقف الرياض المتمثل في التأكيد على حماية المملكة من موجة جديدة من التشدد الاسلامي ربما تكون الحرب السورية ملهمة لها.
وفي الاسبوع الماضي بذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها لانجاح زيارته عندما زار واشنطن للاعداد لرحلة الرئيس باراك أوباما إلى الرياض الشهر المقبل.
واجتمع مع الأمير محمد (54 عاما) الذي يملك خبرة كبيرة في جهود المملكة لمحاربة تنظيم القاعدة كل من وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الامن القومي سوزان رايس ومدير وكالة المخابرات المركزية جون برينان وزير الأمن الداخلي جيه جونسون ومدير مكتب التحقيقات الاتحادي جيمس كومي ومدير وكالة الأمن القومي كيث الكسندر.
ويبدو أن الأمير محمد سيكون على الأرجح شخصية محورية في المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم في السنوات المقبلة. ويقول كثير من السعوديين إنه مرشح قوي للجلوس على عرش المملكة في يوم من الايام.
وقال روبرت جوردان السفير الامريكي في الرياض من 2001 إلى 2003 “هو لا يلعب الآن دور وزير الداخلية فقط بل دورا دبلوماسيا رفيعا ومستشارا للملك.”
وأضاف “هو على الارجح شخص مقدر له مسؤوليات أكبر في السعودية في الوقت المناسب.”
وفي الأسابيع الأخيرة أصبح نفوذ الأمير أكثر وضوحا في السياسة السعودية بشأن سوريا حيث يخشى حكام المملكة أن يؤدي تأييدهم لمقاتلي المعارضة الذين يقاتلون قوات الرئيس بشار الأسد إلى تنشيط التشدد الاسلامي في الداخل دونما قصد.
ولاحظ المسؤولون في الرياض زيادة في عدد الجهاديين السعوديين الذين يسافرون إلى سوريا وكذلك في غرف الدردشة على الانترنت تأييدا للتشدد الاسلامي. وهذا الشهر أصدر الملك عبد الله مرسوما يقضى بالسجن مددا تتراوح بين ثلاث سنوات و20 سنة للسعوديين الذين يسافرون للقتال في الخارج.
وتقول مصادر سعودية ودبلوماسية في الخليج إن هدف الاطاحة بالاسد حليف ايران الخصم الرئيسي للمملكة في المنطقة مازال قائما لم يتغير لكن السعودية تعيد التأكيد على التصدي للتشدد كما أنها تحاول تخفيف حدة الخلافات بشأن سوريا مع واشنطن.
وهكذا جاء الدور الأكبر الذي يلعبه الأمير محمد الذي أقام علاقة قائمة على الثقة مع المسؤولين الامنيين الأمريكيين خلال سنوات من التعاون في مواجهة القاعدة في السعودية واليمن.
وقال مصدر دبلوماسي في الخليج “يحظى بقدر كبير من المصداقية. مجرد سفره إلى واشنطن الان ليقول إن الارهاب مصدر قلق مشترك رسالة ذكية.”
وتهدف زيارة أوباما للرياض إلى تخفيف توترات شهدتها العلاقات بين البلدين على مدى السنوات الثلاث الماضية بسبب المواقف السياسية إزاء سوريا وايران ومصر. ومازالت السعودية تأمل في اقناع الولايات المتحدة بتبني موقف أكثر صلابة تجاه سوريا يجمع بين التصدي للاسد وللجماعات المتشددة الأقرب إلى تنظيم القاعدة.
وبوصف الأمير محمد بالرجل الواقف خلف مساعي المملكة لسحق هجمات القاعدة التي شنها مقاتلون خاضوا حروبا في أفغانستان والعراق في العقد الأخير ويدرك تمام الادراك المخاطر التي يمثلها المتشددون السعوديون الذين حاربوا في الخارج.
وكانت تلك الحملة ناجحة إلى الدرجة التي دفعت تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى إرسال أحد أفراده في محاولة لاغتيال الأمير عام 2009 حين قدم نفسه على أنه تائب ثم فجر قنبلة مخبأة في ملابسه.
ونجا الأمير محمد من ذلك الهجوم بأعجوبة وعين وزيرا للداخلية في نوفمبر تشرين الثاني 2012 ليرث المنصب الذي شغله والده ولي العهد الراحل الامير نايف لمدة 37 عاما.
– من جيل إلى جيل
وتعمل أسرة آل سعود الان وبالتدريج على نقل السلطة إلى جيل أصغر رغم أنه ربما يمر عقد آخر قبل أن يصبح وزير الداخلية أو أحد أبناء عمومته ملكا على السعودية.
وعلى النقيض من النظم الملكية الاوروبية فإن وراثة العرش لا تنتقل في السعودية من الأب لابنه بل انتقلت حتى الآن لابناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود الذين لم يبق منهم إلا عدد قليل.
وفي أسرة تثمن الخبرة والأقدمية فإن الأمير محمد في وضع طيب بالفعل إذ يدير وزارة تتيح له الادلاء برأيه في أغلب الشؤون الحكومية الكبرى وتجعله مسؤولا عن أمراء المناطق المختلفة في السعودية.
وسيكون على جيل الأمير محمد معالجة التحديات الكبرى التي تلوح في أفق المملكة مثل اصلاح الاقتصاد القائم على سخاء الدولة وإدارة الاصلاح الاجتماعي والسياسي في مجتمع محافظ بشدة.
ورغم أن آراءه في هذه القضايا قد تكون في غاية الاهمية لمستقبل المملكة فإن الامير محمد لا يبوح بها وذلك حسبما قال أشخاص تحدثوا معه.
وقال جمال خاشقجي مدير قناة العرب “الجميع يعتقد انه صديق مخلص. الليبراليون والمحافظون على السواء يقولون ‘جلست مع الأمير نايف’. لا يمكن تصنيفه تحت مسمى واحد.”
ويكمن أحد مفاتيح التعرف عليه في مركز الامير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الواقع في إحدى ضواحي شرق الرياض خلف جدران عالية من الحجر الرملي تعلوها أسلاك شائكة.
والمركز معروف في الخارج ببرنامجه لاعادة تأهيل المتشددين وهو المؤسسة الوحيدة التي تحمل اسم الأمير محمد.
ويمزج المركز الاساليب الغربية مثل العلاج النفسي بمحاضرات يلقيها رجال دين من المذهب الوهابي لا يختلفون في الرأي حول فضائل الجهاد لكنهم يشددون على أنه من اختصاصات الدولة.
وقال جوردان السفير السابق لدى السعودية “هو يدرك الصلة بين التعليم والتعاليم الدينية الخاطئة والتطرف.”
وأضاف السفير أنه أمضى ليالي عديدة ساهرا مع الأمير محمد يبحثان مثل هذه القضايا بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 على الولايات المتحدة التي شارك فيها 15 سعوديا.
وقال “كان منهجه التصدي لمصدر هذه التفسيرات المضللة والخاطئة واستخدام القرآن في شرح الاسلوب الذي يلوي به المتطرفون الأمور.”
وبإظهار وجه الرحمة للمتشددين فإنه يبين للسعوديين أن الحكومة ليست دكتاتورية كما يصورها تنظيم القاعدة. ولم يكن نجاح البرنامج كاملا فقد فر بعض من شاركوا فيه إلى اليمن لاستئناف الجهاد.
– الأسلوب الأمني
ورغم كل صلاته الوثيقة بالغرب يرى نشطاء ليبراليون أن أسلوب الامير محمد الذي يتركز على المعالجة الأمنية خطر على الحريات المدنية ويشيرون إلى سجل وزارته في حبس المنشقين الذين ينتقدون الاسرة الحاكمة.
ومنذ أصبح وزيرا للداخلية قبل 15 شهرا سجن عدد من المنشقين البارزين.
ولا يرى منتقدوه فيه صورة محب أفلام الحركة الامريكية الذي تعلم في الغرب كما يرسمها له مسؤولون أجانب بل يرون فيه وريثا لجهاز أمني حديدي أنشأه والده المحافظ الأمير نايف الذي شغل منصب وزير الداخلية منذ عام 1975 حتى وفاته المفاجئة عام 2012.
وقالت مضاوي الرشيد إحدى منتقدي أسرة آل سعود ومؤلفة كتاب عن تاريخ المملكة “هو يؤدي دور التعامل مع عنف الارهاب معظم حياته السياسية. ولا يبدو لي كشخص على استعداد للاستماع إلى أجندة اصلاحية.”
لكن مصطفى العاني المحلل الامني في الخليج الذي عمل عن قرب مع وزارة الداخلية السعودية ويعرف الأمير محمد يختلف معها في الرأي ويصفه بأنه “واحد من مؤيدي الاصلاح على استعداد للانصات ويعتقد أن للناس الحق في التعبير عن آرائهم.”
إلا أنه أضاف أن الامير ملزم كوزير للداخلية بتنفيذ القوانين السعودية التي تمنع الاحتجاجات أو انتقاد كبار أفراد الأسرة المالكة أو كبار رجال الدين.
وتابع “أنت تتحدث عن أكثر المناصب حساسية في السعودية. فهو (المنصب) يتحكم في كل شيء من القضايا الجنائية إلى الأمن السياسي. وليس من السهل إدارة هذا والتمتع في الوقت نفسه بدرجة من الشعبية والثقة.”