كشفت مصادر سياسية لبنانية ان “اتفاق هدنة” تم بين الاجنحة الايرانية المتصارعة منذ وصول الرئيس روحاني الى السلطة في إيران، وتحديدا بين الجناح الخارجي للحرس الثوري الايراني بقيادة قاسم سليماني، وجناح الرئيس روحاني.
وتشير المعلومات الى ان “اتفاق الهدنة” يقضي بوقف الحملات والهجمات المتبادلة بين الطرفين، على ان يتولى الرئيس روحاني إدارة السياسة الداخلية للبلاد، وخصوصا الجانب الاقتصادي منها، بما يساعد في الحد من لجم التدهور الاقتصادي الذي يضرب إيران، وإتاحة الفرصة امام الاقتصاد الايراني المنهار ليستعيد عافيته بما يؤمن متطلبات الشعب الايراني الرازح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية وارتفاع معدل البطالة والتدهور الدرامي في سعر صرف العملة الايرانية. وفي المقابل، يطلق الرئيس روحاني يد الحرس الثوري لتولي مسؤوليات الامن الداخلي والخارجي.
وتضيف المعلومات ان الاتفاق الاخير إعاد إطلاق يد الحرس الثوري الايراني في العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما دفع بحزب الله الى التشدد من جديد، ووضع العراقيل الواهية امام تشكيل الحكومة اللبنانية، في موازاة تواتر المعلومات مجددا عن حشود عسكرية لحزب الله والحرس الثوري الايراني وجيش الاسد، تمهيدا لاقتحام “القلمون” عبر محور “يبرود”.
المصادر أضافت ان حزب الله أعطى إنطباعات بأنه على استعداد لتسهيل عملية تشكيل الحكومة لاسباب عدة ابرزها التالي:
أولاً، حاجة الحزب الى الجلوس مع تيار المسقبل الى طاولة الحكومة قبل الخامس عشر من الشهر المنصرم، موعد إنعقادأ اولى جلسات المحاكمة في لاهاي للنظر في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نظرا لتوجس الحزب من ردات فعل تزكي نار الفتنة في البلاد تزامنا مع كشف ملابسات الجريمة، المتهم بالتورط فيها عناصر قيادية من الحزب.
ثانياً، الخلافات الايرانية، التي أرخت بثقلها على آداء الحزب الالهي داخليا، بين موقف القيادة السياسية في ضوء الحاجة الى إثبات حسن النوايا من طرفي التفاوض الغربي والايراني، والموقف المتشدد للحرس الثوري الايراني الذي يعتبر ان إيران تحقق مكاسب ميدانية في العراق وسوريا وتضع يدها على لبنان، وهي قادرة على مواجهة المجتمع الدولي للسير قدما في برنامجها النووي، والإعتراف بها قوة إقليمية، وإقرار مصالحها في مناطق نفوذها.
ثالثاً، إن حزب الله عندما أعلن عن تراجعه عن الصيغة الحكومية التي عرفت ب “9-9-6″، وقبوله بالتنازل عن الثلث المعطل، مبديا استعداده لمناقشة البيان الوزاري بما لا يتضمن ثلاثية “شعب وجيش ومقاومة”، كان يتوقع ردة فعل سلبية من تيار المستقبل، الذي كان أعلن غير مرة رفضه الجلوس مع حزب الله في حكومة واحدة قبل سحب الحزب مقاتليه من سوريا. إلا أن مسارعة الرئيس الحريري الى فصل مسار العدالة عن السياسة اللبنانية، اربك الحزب الالهي، وأعاد الكرة الى ملعبه.
وتضيف المصادر ان عدم حصول أي ردة فعل في اعقاب إفتتاح جلسات المحاكمة في لاهاي، في ضوء تصريح الرئيس الحريري عند انتهاء الجلسة الاولى، إضافة الى اتفاق الهدنة الايراني بين سليماني وروحاني، الغى حاجة حزب الله الى الحكومة. وبناءً عليه، دفع حزب الله باحتياطه الاستراتيجي، المتمثل بالتيار العوني، الذي ابقاه خارج دائرة التفاوض في الشأن الحكومي، موكلا الى الرئيس نبيه بري التفاوض نيابة عن قوى 8 آذار مجتمعة. وبانتفاء الحاجة الى الحكومة، خرج العماد عون، ليطالب بحصة تياره منفردا خارج اتفاق بري جنبلاط، مع قوى 14 آذار. فتراجع الحزب الى ما وراء العماد عون، وبدأ سيل تسريبات عن استمرار حاجة الحزب الى حكومة جامعة، ليبقي خطوط التواصل مفتوحة مع الرئيسين سليمان وسلام من جهة، ومع قوى 14 آذار من جهة ثانية، عبر الوزير وائل ابو فاعور، بعد ان تراجع الرئيس بري عن وساطاته، واعلن عن التزامه الصمت، وانه “خدم عسكريته”!
المصادر تفيد ان عون يطلق سهامه على الحكومة ليحصل على امر من اثنين:
إما المزيد من العمولات المرتبطة بتلزيم “بلوكات” النفط، وإما التوافق على إنتخابه رئيسا للجمهورية، إذا لم يكن في الامكان الحصول على الاثنين معا.
وتضيف ان حزب الله استطاع ان يجعل عون وتياره يهضمان ما هو أسواء من مبدأ المداورة في حكومة لا يتجاوز عمرها بضعة أسابيع، من تعيين اللواء عباس ابراهيم مديرا عاما للامن العام، وهو المنصب الذي خاض عون معارك سياسية وانتخابية على قاعدة إعادته للمسيحيين، الى إغتيال النقيب الطيار سامر حنا، الى التمديد لقائد الجيش، وعدم تعييه صهره العميد شامل روكز قائدا للجيش، الى التمديد للمجلس النيابي اللبناني، خلافا لرغبة عون، الذي أدار حينها لعبة التفاوض على قانون الانتخابات المعروف بـ”الارثوذكسي” محملا زورا “القوات اللبنانية مسؤولية عدم إقرار هذا القانون. وكانت نتيجة تلك المناورة العونية تسجيل نقاط على منافسها حزب “القوات” في الشارع المسيحي تتيح لعون اما تحقيق مكاسب نيابية إضافية، او الحفاظ على كتلته الحالية، في ما لو جرت الانتخابات في حينه.
الى كل ما سبق تضيف المصادر ان حزب الله وقف الى جانب الرئيس نبيه بري في خلافه مع الوزير جبران باسيل، بشأن اولوية تلزيمات النفط، وهو ما أخر هذه التلزيمات التي يطالب عون بإعادة صهره الى وزارة الطاقة في الحكومة المقبلة لكي ينجزها. علما ان حكومة الرئيس ميقاتي مستمرة في الحكم منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم تسمح لباسيل بإجراء التلزيمات.
وتشير الى ان من يستطيع إقناع عون بهضم هذه المواقف الاستراتيجية لن يعجز عن إقناعه بـ”المداورة” في الحقائب الوزارية، خصوصا ان بديل وزارة النفط هو وزارة الخارجية ووزارة خدماتية، فضلا عن التسهيلات التي سيمنحها وزارء حزب الله للوزير باسيل.
وتضيف ان حزب الله، وعندما انتفت حاجته الى الحكومة، عاد الى وضع شروط، على قوى 14 آذار، من بينها السماح لنفسه بتولي صلاحية الرئيسين سليمان وسلام في الاعتراض على تسمية الوزراء، واشتراطه على الرئيسين عدم تسمية النائب فتفت واللواء ريفي لوزارة الداخلية، ومن ثم رفضه إعطاء الحقائب السيادية الامنية لقوى 14 آذار، في مقابل إرضاء عون، الذي اعلن عن انه لن يتخلى عن وزارة الطاقة. كل ذلك أعاد مسألة تشكيل الحكومة الى ما قبل الخامس عشر من كانون الثاني يناير المنصرم، وتاليا لا حكومة لبنانية في المدى المنظور.