معركة رئاسة الجمهورية فتحت ولم تفتح: فالأسماء متداولة، والحسابات الإقليميّة والدوليّة قيد التمحيص، تحت جنح الصمت والتورية، ولو أن بعض الأسماء معروف، بمبادرة من أصحابها، وبعضها الآخر متوقع إمتداداً للمعركة السابقة، وبعضها الثالث، خفر، يطمح ولا يُشهر طموحه.
الواقع، أن الأخير محق. فالرئاسة لا يفوز بها متنافس، ولبنان هو البلد الوحيد الذي لا يولّى فيه من يطلب الولاية (علناً)، ولهذا ولد ما يعرف بـ “كلمة السر” التي تتجمع “أحرفها” من مصادر دوليّة وعربيّة وإقليميّة لترسم اسم الرئيس العتيد.
تشق الوقائع، أحياناً، الدرب الى القصر أمام اسم معين، كبشارة الخوري مع الإستقلال، وفؤاد شهاب مع ثورة 1958، وميشال سليمان مع معركة مخيم النهر البارد، لكن دائماً بـ “بركة” تفاهمات خارجيّة نادراً ما يُسمى رئيس في غيابها، باستثناء سليمان فرنجية، الذي عبر الى الرئاسة من خلاف أقطاب “الحلف الثلاثي” وحاجتهم الى دعم صائب سلام وكتلة الوسط، في مواجهة “النهج الشهابي”، وفي غياب “العين الخارجيّة”. لذا، يصف اللبنانيون المؤهلين للرئاسة، بالمسترئسين، بدل المرشحين، من باب الدقة في التوصيف.
ويكاد اللبنانيون، أيضاً، لإيمانهم بأن التحدي بين الأفرقاء لن يأتي برئيس جديد، يُخرجون من توقعاتهم أسماء ذات برامج أو توجهات تحكم الأزمة السياسيّة المستمرة، لأن “كسر العضم” غير وارد في قيام حكومة جديدة، ولا في الإتيان برئيس جديد لحياة سياسيّة، لا تديرها أحزاب بل طائفيات مغلفة بأعلام حزبيّة.
ولأن الأمر كذلك، لم يقدم مسترئس يوماً برنامج عمل يترشح على أساسه، باستثناء النائب المرحوم نسيب لحود، ووازاه زميله روبير غانم، في الانتخابات السابقة. وكان الرئيس شهاب سبقهما ببرنامج عزوفه عن الترشح مرة ثانية.
واليوم، إذا استثنينا قائد الجيش، المرشحاً واقعيا، كما كان حال سلفيه، وتُتهم أحداث طرابلس، بأنها تؤهله لبعبدا، كما كان مخيم النهر البارد مع الرئيس الحالي، فإن مؤهلاً مخضرماً للرئاسة قدم ترشيحه، في حوار مع صحيفة، هو النائب والوزير السابق جان عبيد، الذي كعادته، أرضى كل الإتجاهات في آن، بوسطية عملانية، حتى أنه فعل ذلك مع نفسه، إذ حدد موقفه من أن يكون رئيساً، بأنه لن يقابل الفرصة بالزهد المصطنع، فلا يتهافت ولا يتهرب، بل يتهيّب.
بين ترشح سمير جعجع الواضح، وترشج ميشال عون المضمر، وتأهل عبيد إعلامياً، مضافاً اليهم مسترئسو الإنتخابات السابقة، فإن ملف الرئاسة لن يبقى في الظل، لا سيما إن ولدت الحكومة الجديدة.
لكن ماذا لو أُخذ باقتراح سعد الحريري الأخير جعل الولاية 5 سنوات، مع حق الترشح لولاية ثانية؟ عندها لن يكون تجديد ولا تمديد بل وضع جديد. ولذلك حديث آخر.
قد يزول الصعب مع الحكومة، لكن الصعوبات تنتظر الرئاسة.
RACHED.FAYED@ANNAHAR.COM.LB