لم يكن مشهد عشرات رجال الدين السنّة المعتصمين امام وزارة الدفاع في لبنان، الاحد الفائت، مشهداً عادياً أو مألوفا. كانوا يحتجّون على اعتقال الشيخ عمر الاطرش، رافضين كل ما نسب اليه من اتهامات ساقتها استخبارات الجيش اللبناني عليه بالتورط في تنفيذ اعمال ارهابية، منها الاعداد والمشاركة في تفجيرات انتحارية في ضاحية بيروت الجنوبية. المشهد ليس مألوفاً لأنها المرة الاولى التي يحتشد هذا العدد من رجال الدين امام مركز عسكري رسمي، دفاعا عن متهم بتنفيذ عمليات ارهابية. وبعد يومين، ورغم المعلومات التي قدمت الى المحتجين من قبل رئيس جهاز المخابرات العميد ادمون فاضل، والبيانات التي صدرت عن المؤسسة العسكرية التي تبرر الاعتقال، لم يقتنع المشايخ، وهم مصرون على انّ “ما نسب من اعترافات للشيخ الاطرش قد انتزع غصباً ولا صحة لها”.
وفي معزل عن الاتهام ومدى صدقيته، يشي مشهد الاعتصام، وما احاط به، بملاحظات لا يمكن تغييبها في قراءة المشهد السياسي والأمني في المرحلة المقبلة. لم يعد خافياً ان التيار المشكك بسلوك المؤسسة العسكرية في الطائفة السنية يتنامى بشكل واضح. وهذا ما يمكن ملاحظته في اكثر من منطقة، سواء في صيدا ومحيطها، أو في مناطق البقاع الشمالي والاوسط، وصولا الى عكار وطرابلس. هذا اولاً. فالتيار الديني المتنامي نجح الى حدّ كبير في استغلال تدخل حزب الله في الأحداث السورية ليشكك بكل خطوة امنية يقوم بها الجيش، حتى لو كانت قانونية، ضد مجموعات سنيّة معروفة بعدائها لحزب الله. هذا ثانياً.
واقتناع فئات واسعة داخل الطائفة السنيَة بأنّ هيمنة حزب الله على جهاز استخبارات الجيش والتحكم به لا تقل بتاتاً عن هيمنة تيار المستقبل على “فرع المعلومات” في قوى الامن الداخلي بات واقعاً. هذا ثالثاً. ورابعا هناك بدء تبلور تيار اسلامي سني في لبنان معاد لحزب الله ومتناغم مع فكر”القاعدة” تتوفر له مصادر دعم مالي خارجي متنوعة، وفرت له قدرة ميدانية واجتماعية على حساب نفوذ وقوة تيار المستقبل، ومرشحة لمنافسته والاستغناء عنه لاحقاً، بعدما رسخ لدى جمهور هذا التيار قناعة “عجز المستقبل عن حماية السنة”ً.
واذا كان هذا التيار المتشكل من مجموعات منفصلة في التنظيم، موحدة على هدف تحديد العدو اليوم، يقوى مع الصراع المذهبي، وينتعش مع مواكب السيارات الانتحارية، فهو اليوم يربط في معركته بين ساحتي القتال السورية والعراقية، والساحة اللبنانية، وفق نظرة تستند لديه الى “وجوب الدفاع عن اهل السنة المستهدفين على هذه الساحات من قبل ايران والشيعة” ورفع شعار “الطائفة المظلومة”.
العمليات الانتحارية وعمليات الخطف ومنهج “الفرقة الناجية” وسلوكها تكاد تشكل مظاهر مشتركة في نشوء التيارات الاسلامية الاصولية والجهادية (سنة وشيعة) رغم اختلاف هوية العدو. هناك تماثل في أدبيات “الصعود” والسلوك، من “المظلومية” إلى “الوعي العسكري” المستجدّ، في لبنان ايضاً كانت لشعار “الطائفة المظلومة” أو “المحرومة” تحديدا، طاقة فعَالة، شكلت، ولا تزال، سلّم صعود من المظلومية الى الاستقواء، وعلى الدولة دوماً.
الذهنية الانتحارية نزعة وسلوك ينتميان الى البيئة نفسها (سنة وشيعة) التي تعاني من الازمة ذاتها ازمة التعثر الحضاري… أزمة الهوية. وللبحث صلة.
alyalamine@gmail.com
البلد
مشهد عمر الأطرش: الطائفة المظلومة مجدداً
شكرا علي الأمين