تلقي النقاشات الإيرانية حول موضوع القنبلة الذرية ضوءاً إضافياً حول مساعي إيران (الحقيقية) للحصول على السلاح النووي. وتكشف أن قادة الحرس الثوري سعوا للحصول على قنبلة نووية، في أول مرة، حينما لاحت أمامهم بشائر الهزيمة في الحرب مع عراق صدام حسن في سنوات الثمانينات من القرن الماضي.
كما تكشف النقاشات الإيرانية الراهنة، كما نشرها موقع “روز” المعارض، أن إيران تعي استحالة تغيير ميزان القوى النووي مع إسرائيل (والولايات المتحدة)، ولكنها مصرّة على متابعة إنتاج اليورانيوم المخصب وتخزينه بغية امتلاك “قدرة إحتياطية”، أو بكلام آخر بغية الوصول “إلى عتبة إنتاج القنبلة الذرية” (في غضون أسبوعين) من أجل تحجيم إسرائيل.
وتبقى نقطة “الفتوى” الشهيرة بمنع “استخدام” القنبلة الذرية. والواقع هو أن فتوى خامنئي تقتصر على حظر الإستخدام ولا تشمل الإنتاج والتخزين السابق للإستخدام! ثم إن محسن رفيق دوست نفسه (الذي كان له “فضل” كبير في خطف الرهائن الأجانب في لبنان!) يعترف بأن الإمام الخميني منع إنتاج أسلحة كيميائية ومع ذلك قام الحرس الثوري بإنتاج تلك الأسلحة! وقد كشف “الشفاف” قبل أسابيع أن الحرس الثوري تلقّى تدريبات على الحرب الكيمائية في سوريا، بل وكان له دور في قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي!
“الفتاوى” الإيرانية “مطّاطة”..!
الشفاف
*
كشف محسن رفيق دوست (في يسار الصورة أعلاه بجانب أول قائد للحرس الثوري، محسن رضائي)، وزير الحرس الثوري في حكومة مير حسين موسوي (الموجود قيد الإقامة الجبرية) أنه، إبان حرب الثماني سنوات مع العراق، في ثمانينات القرن الماضي، كانت الجمهورية الإسلامية تسعى للحصول على أسلحة ذرية وذلك إلى أن اتخذ آية الله الخميني قراراً بوقف تلك المساعي.
وقال رفيق دوست في خطاب ألقاه مؤخراً: “في ذلك الحين، اتبعنا عدة طرق للحصول على أسلحة نووية. ثم ذهبنا لمقابلة آية الله الخميني وسألناه عن رأيه في الموضوع فقالوا “لا تواصلوا”. وعندها أوقفنا جهودنا (للحصول على أسلحة ذرية).
لم يسمح لنا الخميني بإنتاج أسلحة كيميائية.. ولكننا فعلنا!
وتطرّق رفيق دوست إلى الإتفاقية المؤقتة التي وقعتها إيران مع ٦ دول كبرى في جنيف في نوفمبر الماضي وقال “أيا كانت نتائج تلك المحادثات، فإنها في مصلحة إيران، حتى لو لم يتم تخفيف العقوبات. فما تخلّينا عنه في الحقيقة هو ما لا نحتاجه. لقد قال “الإمام” أننا لا نريد القنبلة الذرية، وأنها “حرام”. وإبان الحرب استخدم العراق أسلحة كيميائية، ولكن الإمام لم يسمح لنا ببناء أسلحة كيميائية. مع ذلك مضينا قدماً وقمنا ببناء أسلحة كيميائية ولكنهم أوقفونا (!!!!). وبناءً عليه، فأياً كانت طريقة التقدّم في محادثات جنيف، فإنها لصالحنا”.
وكانت الدول الغربية تصرّ منذ بدء أزمة إيران النووية قبل عشر سنوات على أن الجمهورية الإسلامية تعمل للحصول على تكنولوجيا لبناء أسلحة نووية، في حين نفت إيران ذلك مراراً. وبناءً عليه، فإن شهادة محسن رفيق دوست هي أول اعتراف من مسؤول كبير سابق في الجمهورية الإسلامية بأن البعض في الحرس الثوري كان يسعى للحصول على أسلحة ذرية وأنه لم يوقف مساعيه سوى بعد معارضة الخميني لها.
وفي السياق نفسه، وقبل العام ٢٠٠٦، نشر هاشمي رفسنجاني خطاباً كتبه قائد الحرس الثوري إبان الحرب مع العراق، محسن رضائي، وجاء فيه أن إيران كانت بحاجة إلى أسلحة ذرية لكي تتمكن من مواصلة الحرب مع العراق.
وجاء في رسالة محسن رضائي: “لن نحقق أية إنتصارات خلال السنوات الخمس المقبلة. إن من الممكن، إذا ما حصلنا على تلك الأسلحة وعلى القدرة على الردّ وعلى التدمير خلال السنوات الخمس المقبلة، وإذا ما كان لدينا، بعد العام ١٩٩٢، ٣٥٠ لواء مشاة، و٢٥٠٠ دبابة، و٣٠٠٠ قطعة مدفعية ثقيلة، و٣٠٠ طائرة حربية، و٣٠٠ هليكوبتر، والقدرة على إنتاج كمية كبيرة من أسلحة اللايزر والأسلحة الذرية، التي ستصبح ضرورية في ذلك الحين، أن يصبح بوسعنا أن نقول أننا سنشن عمليات هجومية بإذن الله”!
ولكن رضائي صرّح، لاحقاً، بأنه كتب ذلك الخطاب لهاشمي رفسنجاني وليس لآية الله الخميني. وقال: “قال السيد رفسنجاني أن خطابي كان موجّها للإمام في حين أن المرسل إليه لم يكن الإمام. فأنا لم أطالب الإمام (الخميني) بأية تعزيزات في أي من خطاباتي له. إن الخطاب الذي نقلوه إلى الإمام كان موجّهاً للسيد هاشمي”! (استخدم رفسنجاني خطاب رضائي الموجّه له، وليس للخميني، لكي يقنع الخميني بـ”تجرّع كأس السم”، أي بالموافقة على وقف الحرب المدمرة مع العراق—– الشفاف).
مع ذلك، فإن مسعود روغاني زنجاني أخبر الصحفي (المسجون حالياً) في شهادة أوردها في كتاب “الإقتصاد السياسي للجمهورية الإسلامية”، أن ” وجهة نظر السيد محسن رضائي كانت أنه يتعذر علينا مواصلة الحرب من منظور عسكري. وتوصّل رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى القناعة نفسها. وأذكر أن السيد محسن رضائي قال أننا بحاجة إلى القنبلة الذرية لكي نواصل الحرب. والواقع هو أننا كنا معزولين، وقد توصّل القادة العسكريون من تلقاء أنفسهم إلى قناعة بأنه كان من العبث مواصلة الحرب”.
لا نسعى للقنبلة الذرية ولكننا.. بحاجة لها!!!
ولكن عضو “جبهة الثبات” المتشددة والمؤيدة لأحمدي نجاد، السيد محمود نبويان، صرّح في البرلمان مؤخراً بأن “الولايات المتحدة أعلنت أنها لم تضمن أمن إسرائيل في الماضي إلى الدرجة التي تضمنها الآن. وإذا ما امتلكت دولة من الدول ٢٧٠ كلغ من اليورانيوم المخصّب بنسبة ٢٠ بالمئة، و٥ إلى ١٠ أطنان من اليورانيوم المخصب بنسبة ١٠ أو ٥ بالمئة مع ٢٠ ألف جهاز طرد مركزي، فذلك يعني أنها تتقدم وأن بوسعها أن تنتج قنبلة ذرية في غضون أسبوعين. نحن لا نسعى للحصول على القنبلة الذرية ولكننا بحاجة لها لكي نضع إسرائيل في مكانها”.
وكان مسؤولو الجمهورية الإسلامية يزعمون، حتى الآن، أنهم لم يسعوا للحصول على قنبلة ذرية. وكانوا يشيرون إلى فتوى آية الله خامنئي التي تحظر الحصول على أسلحة نووية. ولكن خامنئي، في خطبه دينية في العام ٢٠٠٤، أعلن أن “الأسلحة النووية بحد ذاتها، وإنتاجها، وتخزينها، واستخدامها، تطرح كلها مشكلات خاصة بها. وسبق أن أعلنّا رأينا الديني في هذه المسائل”!
وفي مناسبات لاحقة، وبدون ان يتطرّق إلى مسألة إنتاج وتخزين الأسلحة النووية، فقد اكتفى آية الله خامنئي بإعلان “إننا نعتبر إستخدام تلك الأسلحة (النووية، والكيميائية، والبيولوجية) حراماً ونعتبر أن مسؤولية الجميع هي تخليص البشرية من تلك اللعنة الكبرى”.