كان طبيعيا استهداف شخصية لبنانية مثل محمّد شطح مستشار رئيس تيّار “المستقبل” ورئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق سعد الدين رفيق الحريري. كان طبيعيا اغتيال شخص نذر حياته من أجل لبنان. فلبنان هو المستهدف في نهاية المطاف. كانت ثقافة الحياة ولا تزال هي المستهدفة نظرا الى أن المطلوب القضاء على الوطن الصغير.
ولكن لماذا جاء اغتيال محمّد شطح في هذا التوقيت بالذات؟ لماذا في هذا المكان بالذات، قرب “بيت الوسط” حيث مقرّ اقامة سعد الحريري الموجود حاليا في السعودية، وهو المكان الذي تعقد فيه أيضا معظم اجتماعات قيادات الرابع عشر من آذار؟ لماذا بهذه الطريقة بالذات، أي بواسطة سيارة مفخخة؟
هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها بعد عودة مسلسل الاغتيالات الى لبنان.
قبل كلّ شيء كان محمّد شطح في كلّ وقت هدفا سهلا نظرا الى أنه لا يأخذ اجراءات أمنية استثنائية. كان يحرص على المشي يوميا في مكان مكشوف من بيروت ليس بعيدا عن الشاطئ.
ولكن، يبدو أنه كان هناك اصرار على قتله بالطريقة التي قتل بها عن طريق سيارة مفخخة بما يزيد على ستين كيلوغراما من المتفجرات في مكان قريب من “بيت الوسط”، الذي يرمز الى وسط بيروت الذي هو وسط لبنان. يعني ذلك أن لبنان هو المستهدف. قلب لبنان هو المستهدف بكلّ بساطة.
كان محمّد شطح رجل حوار استطاع اقامة شبكة علاقات دولية في غاية الاهمّية وذلك بعدما تعلّم كيفية مخاطبة العالم، خصوصا الاميركيين. هل لهذا السبب اغتالوه بدل الاستفادة من قدرته على مخاطبة النافذين في واشنطن الذين كان يتكلّم لغتهم بطلاقة؟
أما على الصعيد اللبناني، فكان رجلا واضحا كلّ الوضوح. لم يمنعه وضوحه من أن يكون جسرا للتواصل بين كل مكوّنات الرابع عشر من آذار، خصوصا بين “تيّار المستقبل” والقوى المسيحية التي هي جزء لا يتجزّأ من عصب تيّار الاستقلال والسيادة والحرّية في لبنان.
لعب دورا في المحافظة على تماسك قوى الرابع عشر من آذار من منطلق قدرته على الحوار واستخدام لغة المنطق. كان يتقن لغة المنطق من جهة، كما لم تكن هناك يوما أيّ غبار على وطنيته اللبنانية- العربية. فمحمّد شطح لم يغرق يوما في الشعارات العروبية وغير العروبية التي غرق فيها لبنانيون كثيرون، خصوصا من أهل السنّة. كان دائما مع التوجّه العربي المستنير ذي البعد الحضاري. كان شعاره دائما، منذ كان طالبا في الجامعة الاميركية في بيروت “لبنان أوّلا”. لم يحد عن هذا الشعار يوما. في النهاية، تبيّن كم كان على حقّ عندما قدّم لبنانيته على كل ما عداها.
لماذا في هذا التوقيت بالذات ولماذا في هذا المكان ولماذا بواسطة سيّارة مفخخة؟ الجواب قد يكون الامر مرتبطا الى حدّ ما بقرب بدء جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. من أغتال محمّد شطح في مكان قريب من مكان اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ومن “بيت الوسط” وبالطريقة نفسها تقريبا، وهي طريقة التفجير، اراد توجيه رسالة واضحة. فحوى الرسالة أن المحكمة الدولية لن تمنع تكرار مسلسل الجرائم في لبنان وأنّ “حزب الله” يستطيع أن يفعل ما يشاء حيث يشاء في التوقيت الذي يشاء.
لعلّ اخطر ما في اغتيال محمّد شطح أن الجهة المنفّذة تعتبر نفسها فوق القانون وفوق الدستور اللبناني وأن المطلوب من أي حكومة لبنانية جديدة تغطية التدخل السافر لّـ”حزب الله” في سوريا الى جانب نظام طائفي أخذ على عاتقه ارتكاب المجزرة تلو الاخرى في حقّ شعبه.
كان كافيا أن تصدر تهديدات محددة عن هذه الجهة، أو تلك، من نوع التهديدات التي صدرت قبل أيّام عن الامين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، كي لا يعود محمّد شطح موجودا. واذا لم يفهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء والرابع عشر من آذار، مغزى التهديدات، ستكون هناك عمليات اغتيال أخرى وستعمّ الفوضى البلد. لم يعد في لبنان دستور أو قانون. هناك فقط ما يقرّره سلاح “حزب الله” ومن يديرونه من طهران.
الجديد في اغتيال محمّد شطح ليس اسلوب التفجير، اسلوب التفجير من بعد. اغتيل اللواء وسام الحسن بالطريقة نفسها قبل أربعة عشر شهرا، كذلك النائب وليد عيدو والنائب أنطوان غانم والزميل جبران تويني والرائد وسام عيد واللواء فرنسوا الحاج وآخرون. الجديد أنّ الاغتيال جاء بعد التهديدات المباشرة والواضحة الصادرة عن قياديي “حزب الله”. لماذا كلّ هذا الشعور بالثقة لدى الحزب في انه قادر على القيام بكل ما يريد في لبنان وخارجه من دون حسيب أو رقيب ومن دون أخذ في الاعتبار للمحكمة الدولية؟
هنا أيضا لا بدّ من التساؤل: هل هذا عائد الى زيادة الفائض في القوّة لدى “حزب الله” بعد الاتفاق الاميركي-الايراني، بغطاء أوروبي، في شأن الملفّ النووي الايراني؟ هل هذا عائد الى شعور الحزب أن الاتفاق هذا يسمح لايران بالتصرّف على هواها في المنطقة؟
قد يكون ذلك جائزا. لكنّ الملفت وسط كلّ ما يجري أن هناك ادارة أميركية تتصرّف وكأن الشرق الاوسط اقطاعا ايرانيا وأن النظرة الى المنطقة لا تجوز الاّ من خلال الملفّ النووي الايراني من جهة وأمن اسرائيل من جهة أخرى. كان كافيا تخلي النظام السوري عن السلاح الكيميائي حتى يصير هناك صرف للنظر عن البراميل المتفجّرة التي تستهدف المدن السورية….
هناك اختزال للشرق الاوسط بهاتين النقطتين. فما دام “حزب الله” يحترم القرار 1701 بحرفيته، في الجانب المتعلّق باسرائيل منه وليس الجانب الذي يحمي لبنان طبعا، لا مانع في أن يفعل ما يشاء في الوطن الصغير، بما في ذلك أخذ البلد الى الفراغ الحكومي والرئاسي ومنع أي عربي من الاستثمار فيه أو المجيء اليه لمجرّد السياحة أو الاستجمام أو العلاج…
هل يدفع لبنان ثمن هذا الجهل الاميركي في المنطقة، وهو جهل كان أشخاص مثل محمّد شطح يستطيعون تنبيه المعنيين في واشنطن اليه؟
ذلك هو السؤال الذي يثيره اغتيال محمّد شطح، الرجل الذي كان يعرف دائما أن لا مستقبل للبنان ما دام هناك حزب مذهبي مسلّح يفرض نفسه وخياراته على اللبنانيين الآخرين… فمحمّد شطح، الذي سبق له أن اعترض على السلاح الفلسطيني في لبنان، كان رجلا واضحا في مواقفه السياسية وخياراته قبل أن يكون رجل اعتدال!