السؤال عن ملف النفط في لبنان لا اجابات شافية حوله. هلل الكثيرون وعلى رأسهم كتلة الوفاء للمقاومة للاتفاق الذي تم بين رئيس حركة امل نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لكن لم يفهم اللبنانيون على ماذا اتفقوا، بل على ماذا كانوا مختلفين فعليا.
بالتأكيد قيل الكثير عن المربعات النفطية وشركات الخدمات، لكن لم يخرج ايّ من الطرفين ليقول للبنانيين ان هذه هي عناوين الاتفاق وتلك التفاصيل، باعتبار ان الطرفين هم من رموز الاصلاح في البلد. ليس هذا فحسب بل ويشكلان مع حزب الله مثلث المقاومة للاحتلال الاسرائيلي وللاطماع الاسرائيلية، وبشهادة الامين على المقاومة السيد حسن نصرالله.
يحق للبنانيين ازاء هذا الغموض، والتعتيم المتمادي بما يحيط في ملف النفط، ان يذهبوا بعيدا في الاتهامات للاطراف المقررة في هذا الملف داخل لبنان. ذلك ان المحاصصة هي ديدن هذه الاطراف التي تكاد اوداج زعمائها تنفجر من صراخهم وانفعالهم من اجل حماية مصلحة الوطن والدولة، ومن اجل التصدي للفساد الذي ينهش الدولة ويجعلها لقمة سائغة لكل من استطاع ان ينهش ويصادر ويتحكم… من الازلام والاتباع الى الشركات الوهمية او السرية التي تتحضر لافتراس “غنيمة النفط”.
في قرارة نفس كل لبناني له مصلحة بقيام الدولة ونهوضها، مطلب موضوعي هو الا يستخرج النفط في هذا الزمن الذي تتحكم فيه مجموعة سياسيين لا همّ لهم الا كيف يتقاسمون فيما بينهم هذه الثروة الوطنية… من دون ايّ شعور بخجل او بتهيب لما يقدمون عليه.
الغموض سيد الموقف حيال هذا الملف، لذا تزداد الحكايا والروايات. احد اطراف السلطة اشترط ان يحتكر حق توظيف 3000 شخص في الشركات الخدماتية التي ستقوم بالاعمال المساعدة على الشاطىء اللبناني. رواية اخرى تشير الى ان بعض الاعتراضات على تمرير قانون النفط ومراسيمه ناشئة من عدم وجود حصة له في الغنيمة النفطية،. ورواية اخرى لها علاقة بالفساد، وان لم تكن لها علاقة بالمحاصصة، تشير الى ان بعض السياسيين اقترحوا في مقابل تمرير هذه المحاصصة الافراج عن رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس للجمهورية من قبل حلفاء ايران اي حزب الله والتيار الوطني الحر.
نقولا سركيس، في كتابه “البترول والغاز في لبنان: نعمة أم نقمة؟”، يصف تعامل الدولة اللبنانية معملف النفط بانه “النوع غير المسبوق من السطو والابتزاز. لم يعد مستغرباً أن يستنجد بعض المسؤولين في وزارة الطاقة وهيئة البترول بالسرية كلما طرح عليهم السؤال حول القواعد والمعايير التي اعتمدوها لتأهيل شركات وهمية وإقدام هيئة البترول على قبول تأهيل شركات وهمية لا وجود لها إلا على الورق للقيام بعمليات التنقيب أو السمسرات التي تمت في إطار اتفاقيات المسح للمناطق البحرية والبرية على السواء. إحدى هذه الشركات الوهمية تم تسجيلها في هونغ كونغ برأسمال لا يتجاوز 1,290 دولار أميركي…”!
في مقابل كل هذا التلوث السياسي والمخزي لبنانيا حيال ملف بهذه الاهمية، تؤكد اوساط بحثية متابعة لاشكالية استخراج النفط من البحر المتوسط، باختصار، ان ملف النفط يرتبط بشكل وثيق بانجاز اتفاق بين لبنان واسرائيل. ليس في الجانب المتعلق بتحديد الحصص بين الدولتين فحسب، بل لا بد من ضمان امن الشركات التي ستقوم بعملية استخراج النفط. تلك التي ستقوم باستثمار مليارات الدولارات لاقامة منشآت برية وبحرية سواء في الجنوب او في الشمال. اذ لا يمكن لأي شركة ان تقوم باعمال ضخمة اذا لم تكن لديها ضمانات دولية ولبنانية واسرائيلية بأنها لن تكون عرضة لتهديد امني او عسكري. هذا لن يتحقق، بحسب الاوساط، ان لم تكن هناك جهات قادرة فعليا وموضوعيا على تقديم هذه الضمانات.
الارجح في المدى المنظور، وفي ظل المعطيات الاستراتيجية في لبنان، ان الطرف القادر على تقديم الضمانات ليس الحكومة اللبنانية بالطبع. الطرف القادر على تقديم هذه الضمانات هي ايران التي طالما تباهت قياداتها العسكرية بأنها اصبحت على شاطىء المتوسط. في اشارة الى وجود حزب الله على امتداد لبنان. وبالتالي هي الطرف الاقدر على توفير الضمانات للشركات. ذلك ان توتر العلاقة الايرانية الاسرائيلية او استقرارها على تسويات ضمنية هو المحدد لمستقبل اي اعمال لشركات كبرى في المناطق اللبنانية القريبة من اسرائيل. وبالتالي بعيدا عن اي احكام قيمية فان مستقبل استخراج النفط في لبنان لا يمكن ان يبدأ فعليا من دون اتفاق جدي للسماح بقيام هذه الاعمال، ويستند بالضرورة الى تفاهم ايراني – اسرائيلي على هذا الملف، واي جهة اخرى لن تكون قادرة على تقديم الضمانات حتى الآن.
alyalamine@gmail.com