وجهه ليس بغريب، كأني رأيته في مكان آخر، في زمن آخر، في وطن آخر. اسمه أحمد، يبيع مع أخيه اللوز والجوز والزبيب على قارعة الطريق.
اقتربت منه سألته: من أين أنت؟. قال: من سوريا، من الزبداني.
قلت: الله هذه قرية الخضرة والفواكه والماء العذب.
قال: كانت. الآن أصبحت قرية القذائف والحرائق والدمار.
ابتلعت غصتي وسألته: بكم اللوز؟
فقال: الكيلو بعشرة آلاف ليرة.
قلت: أعطني كيلو.
رفع رأسه الصغير، وبابتسامة عذبة قال: «خليهم اثنين كيلو استفتاحية النهار على وجهك الحلو».
بدون سابق انذار، وقعت في الغرام.. وبتلقائية قلت: «اثنين كيلو لعيونك».
سألته، لماذا أنت في الشارع ولست في المدرسة؟.
قال: من أين لنا. نحن (يادوب) نعيش.
قلت: وان سجلتك بالمدرسة، تروح؟
أضاء وجهه فجأة وأجاب: طبعا أروح.
طلبت منه أن يعرفني على أبيه، الذي كان «مستلقياً» في البيت. عرضنا على الأب أن نسجل ابنه في المدرسة وأن تتكفل «ليان» بكل مصاريفه. تردد الأب ثم قال: عنده أختان في البيت، سجلوا البنات، واتركوا الأولاد. لم يفاجئني رد الأب، فالأولاد بالنسبة له، سخرة ومصدر رزق. عدت وأصررت. قلت له: سآتي في الغد لآخذ أحمد ومحمد للمدرسة.
عدنا في اليوم التالي ولم نجد أبو أحمد. سألنا عليه في كل مكان، انتظرناه أكثر من ساعة ولم يحضر. فما كان منا إلا أن «اختطفنا» أحمد، وتركنا أخاه محمد أمام البضاعة. قضى أحمد معنا بقية اليوم «مختطفا»، نتنقل من مخيم لاجئين إلى مدرسة الى دار أيتام. شدته الكاميرا التي كان يحملها مشاري المطوع مصور الفريق، فالتصق به. راح مشاري يعلم أحمد كيفية التقاط الصور، ثم سلمه الكاميرا وساعده في فهم زاوية التصوير والضوء وما الى هناك من معلومات. أخذ أحمد يصورنا في كل خطوة نخطوها والسعادة تكاد تقفز من عينيه.
ذهبنا إلى مدرسة افتتحت خصيصا لتعليم اللاجئين السوريين في منطقة البقاع. كان أعداد الأهالي المنتظرين كبيرا جدا، لمعرفتهم المسبقة ان هناك حملة كويتية ستتكفل بأولاد الشهداء والأيتام. بحثنا في الاستمارات وانتقينا ما استطعنا عليه، ثم دفعنا أقساط المدرسة كاملة لعدد من الطلبة الأيتام، شاملة الدراسة، الزي المدرسي، الطعام والمواصلات. وعندما أردنا تسجيل أحمد، التفت مشاري إلي وقال: أحمد لي، أنا سأتكفل به.
عدنا الى بيت احمد وجدنا امه، لكننا لم نجد أباه. سلمت استمارة تسجيل احمد ومحمد للأم وقلت: من الغد سيذهب ولديك الى المدرسة. ونحن سنتابع دوام الصبيين والمدرسة ستبلغنا إن غابا. غمرتها ابتسامة المنتصر وقالت، «لا تقلقوا.. روحوا الله يوفقكم ويعوض عليكم».
في نهاية النهار، انضم احمد ومحمد وخمسون طفلا سوريا آخرون الى عداد الطلاب في لبنان، ببركة الايادي البيضاء الكويتية وبجهد وتخطيط وعمل حملة ليان لتمكين الطالب السوري من التعليم.
في ظل ما يحصل في سوريا، ونزوح آلاف الاسر وتشتتها في بقاع الارض، انقطع ملايين الطلبة عن التعليم في السنوات الثلاث الماضية، ناهيك عن جيل جديد لم يدخل المدارس بعد، مما يهدد بظهور جيل كامل من الأطفال السوريين الأميين مرميين على أرصفة المدن العربية. أعينونا لإعانتهم، وتكفلوا بتعليم طفل لمدة سنة بمائة دينار كويتي فقط، ستجدونها في ميزان حسناتكم.
للتبرع: • layangcc.net
d.moufti@gmail.com
القبس