في بولونيا، لعب نابليون بونابرت دور “أب” القومية البولونية، ثم لعبت الكنيسة الكاثوليكية (بالتحالف مع الفلاحين ومع الطبقة العاملة بزعامة قائدها ليش فاليسا) دور “جبهة التحرير” في الزمن السوفييتي الأسود! في لبنان، لعبت الكنيسة المارونية، دوراً تأسيسياً في صنع الوطن اللبناني، ثم لعبت دوراً أساسياً في لجم جموح “الطائفة” للتطرّف أحياناً. وربما الأهم، فقد لعب البطريرك صفير (خاصة بعد سقوط قصر بعبدا، ومقتل المفتي العظيم حسن خالد والرئيس رينه معوّض) دور صخرة المقاومة الوحيدة التي التفّ حولها الإستقلاليون اللبنانيون. البطريرك صفير صاحب العبارة “الكسرونية اللئيمة”: “أين يقع قصر المهاجرين”؟.. (قالها في مطار بيروت ردّاً على صحفي سأله إذا كان سيلبي دعوة الرئيس السوري لزيارته في قصر المهاجرين!..).
الرسالة التالية وجّهها النائب السابق الدكتور فارس سعيد لدوائر البطريركية المارونية اعتذاراً عن المشاركة في “خلوة مسيحية”. وفيها كلام كثير بصيغة “ما قل ودل”!
الشفاف
*
بيروت في 17 تشرين الأول 2013
حضرة الأب الصديق أنطوان خليفة المحترم.
بعد السلام، أريد أن أبلغكم من خلال هذه الرسالة عدم موافقتي على المشاركة في أي خلوة او إجتماع مسيحي في هذه المرحلة السياسية والوطنية الحرجة، وذلك للأسباب التالية:
• إني أعتبر أن الكنيسة المارونية كانت سبّاقة في معالجة آثار الحرب الأهلية في مطلع التسعينيات، ولا أرى رجاءً للمسيحيين اللبنانيين والعرب اليوم إلا من خلال ما ورد في أوراق الإرشاد الرسوليوالسينودس. خاصةً ورقة الكنيسة والسياسة الصادرة عن المجمع البطريركي الماروني في حزيران 2006، ورسالة البابا بنديكتوس السادس عشر الذي دعانا فيها إلى قيادة حوار إسلامي – مسيحي – يهودي على مساحة العالم العربي والتي هي مهمّة شاقة أُلقيت على عاتقنا.
• لم يتسنَّ، لي ولو مرة واحدة، أن أقرأ أي مراجعة نقدية للأحزاب “المسيحية” كافة دون استثناء، ما عدا الإعتذار العلني الذي تقدم به رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع خلال قداسه السنوي في العام 2010.
وبالتالي أعتبر هذه الأحزاب المدعوة من قبلكم للمشاركة في صياغة مستقبل المسيحيين في المنطقة ليست مؤهلة بعد أن تقوم بهذه المهمة السامية لأن غالبيتها لم يتجاوز ماضي الحرب، ويستمد شرعيته من ماضٍ أليم.
• لقد اثبتت الكنيسة أنها دوماً في مقدمة من يصون الوحدة الداخلية ومعنى لبنان المرتكز على العيش المشترك.
• ففي العام 1920 دافعت عن فكرة لبنان الكبير بينما كان غالبية المسيحيين مع فكرة لبنان وطن قومي مسيحي بسبب خوفهم من محيطهم،
• وفي العام 1943 دافعت عن الاستقلال بينما كان غالبية المسيحيين مع إبقاء الإنتداب الفرنسي بسبب خوفهم من المحيط،
• وفي العام 1958 دافعت عن الدستور بينما كان غالبية المسيحيين مع التجديد للرئيس شمعون بسبب الخوف من بروز الناصرية كمشروعٍ “إلغائي”،
• وفي العام 1989 دافعت عن الطائف بينما كان غالبية المسيحيين ضدّه بسبب الخوف من إعادة توزيع الصلاحيات بين الطوائف.
هذه الكنيسة العظيمة والوطنية، وهي بالنسبة لي ايضاً كنيسة العرب، مطالبة اليوم بأن لا تستمع إلى الجميع من أجل صياغة موقف الوسط، عليها استكمال طريقها التاريخي باتجاه تثبيت لبنان المرتكز على العيش المشترك نموذجاً للمنطقة المحفوفة باشباح الحروب الأهلية، لأن هذه هي المصلحة الكبرى للمسيحيين.
مع كل تقديري لكل فرد مشارك في الإجتماع والذين تربطني بغالبيتهم صداقات منذ زمن بعيد.
أرجو أن تعذروني على عدم المشاركة.
فارس سعيد