تتكاثر التقارير التي تفيد بأن هناك زيادة حادة في عدد الجماعات المتطرفة العاملة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا. وقد أثار هذا تململاً في واشنطن حيث يستمر صناع القرار في جدلهم العميق حول كيفية دعم المعارضة دون مساعدة الجهاديين عن غير قصد على توسيع نطاق تأثيرهم المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وتتزايد هذه المخاوف بين جيران سوريا أيضاً.
وخلال زيارة أخيرة قمتُ بها لمناطق حدودية سورية من جنوب تركيا، تحدثتُ مع قادة من المعارضة المسلحة والمدنية حول المدى التي استطاعت فيه الحركات المتطرفة مثل «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» و «جبهة النُصرة» اختراق صفوفهم. كما سألتهم عن ماهية الإجراءات التي ينبغي على المعارضة اتخاذها لمنع هذه الحركات من كسب أرضية دائمة أو من استغلال الأزمة الحالية حول استخدام النظام للأسلحة الكيماوية (على سبيل المثال، عن طريق تعطيل الجهود الدولية الرامية إلى تدمير تلك الأسلحة). وعلى النحو المبين أدناه تشير إجاباتهم إلى أن السواد الأعظم من الثوار لديه عدد من الخيارات لكبح جماح التطرف في الوقت الذي يعزز الجهود الشاملة لفرض رحيل بشار الأسد عن سدة الحكم. وتقدم العديد من هذه الخيارات فرصاً جيدة للانخراط الأمريكي في المشهد.
1. الإقرار بمشكلة المتطرفين. خلافاً لما حدث في الماضي يقر قادة المعارضة حالياً بتنامي مشكلة التطرف في سوريا في “المناطق المحررة” الخاضعة لسيطرتهم. وتكمن شكوتهم الرئيسية من حركات مثل «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» و «جبهة النُصرة» في الصبغة الخارجية المتزايدة لهذه الجماعات وأساليبها في الحكم وطرق إدارتها؛ والسبب الوحيد الذي من أجله يتسامح المتمردون مع هذه الفصائل هو أن عناصرها مقاتلين فاعلين. وفي الوقت نفسه، يشير زعماء المعارضة إلى أن غالبية المتمردين ليسوا من تنظيم «القاعدة»، وأن «جبهة النُصرة» هي أكثر وطنية في التوجه من «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام». ومع ذلك ينظر إلى الجماعتين بشكل عام على أنهما رأسان يحملان نفس التهديد.
2. وضع إستراتيجية سياسية وعسكرية وطنية. يصر كل من المدنيين والجماعات المسلحة بشدة على أنهم بحاجة إلى صياغة إستراتيجية سياسية وعسكرية للتعامل مع التهديد المتنامي للمتطرفين. وباتت مسألة التخطيط من مواطن ضعف المعارضة (ونظام الأسد) لمدة عقود، ولكن ازدياد التطرف قد أقنع العديد من الثوار بأن «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» وحركات مماثلة تمثل تهديداً أجنبياً لا يضع المصالح العليا للشعب السوري في الحسبان. بينما يرى المتطرفون أن «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» و «جبهة النُصرة» هما الخيار الأفضل للبلاد نظراً لقرار الغرب الأخير بعدم استمراره في تهديداته بمعاقبة النظام السوري عسكرياً لاستخدامه الأسلحة الكيماوية. وبالتالي إذا أرادات جماعات المعارضة الرئيسية الحفاظ على النزعة القومية للانتفاضة فسينبغي عليها عندئذ وضع خطة قومية متماسكة لاحتواء التطرف بين صفوفها ورسم خطوط واضحة بينها وبين الجهاديين. وفي المقابل، ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر استعداداً لتمويل الثورة.
3. لا تنضم إلى جماعات متعددة. لا ترى المعارضة السورية عبر التاريخ وجود أي تعارض أو تضارب في المصالح في الانضمام إلى تحالفات متعددة في نفس الوقت. وفي 24 تشرين الأول/سبتمبر، أعلن عدد من الجماعات التي ينتمي قادتها إلى “المجلس العسكري الأعلى” أو مرتبطين به والمدعوم من قبل الغرب، عن تشكيل “ائتلاف إسلامي” تتصدره «جبهة النُصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، يهدف إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا على أساس الشريعة. ومن الممكن أن ينظر إلى اتجاه أعضاء المعارضة إلى الانضمام إلى تحالفات متعددة في آن واحد على أنه إحدى الطرق للحفاظ على الخيارات مفتوحة مع مجموعة من الرعاة، ولكن ذلك يعزز أيضاً وجهة النظر القائلة بأن المعارضة السورية ليس لها أساس راسخ وبالتالي لا تستحق الاستثمار فيها. وعلى هذا النحو، إذا تبنت هذه الجماعات مواقف ذات قواعد وضوابط، فبإمكان الولايات المتحدة وحلفاؤها أن يكونوا في وضع يمكّنهم من دعمها.
4. الانخراط مع السكان المحليين وإجراء انتخابات. يعترف العديد من المعارضين، إن لم يكن أكثرهم، بصراحة أن وضعهم البائس يجعلهم أرضاً خصبة للتلاعب بهم من قبل أطراف خارجية لديها أجندات متطرفة جداً بالنسبة لمعظم السوريين. ويستفيد هؤلاء الرعاة من تنافس الأطراف المتناحرة حول تفخيم الذات والأيديولوجية بين أعضاء المعارضة وخلق دائرة لا تقود إلا إلى مزيد من التشرذم وإلى أجندات غير وطنية. ولمجابهة هذه النزعة، ينبغي على قادة المعارضة تقبل النقد الموجه من قبل المقاتلين الفعليين الذي يرون أنه يجب أن تكون لدى القادة المحليين سلطات أكبر بكثير من ذي قبل. وللحيلولة دون التلاعب في اختيار القيادة المحلية، ينبغي على قادة المعارضة التأكيد على النجاح النسبي للانتخابات في مناطق مختارة من سوريا، وذلك كآلية لتأسيس هياكل قيادية موثوق بها. وستُجرى هذه الانتخابات في نواحي ومناطق ومحافظات سورية. ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد على ترسيخ الهويات الإقليمية والوطنية السورية الأمر الذي يجعل أعضاء المعارضة أقل عرضة للرعاية الأجنبية.
5. البدء بالاستئصال التدريجي للمتطرفين. في ضوء القوة النسبية للجماعات المتطرفة في سوريا في الوقت الحالي، فإن الاصطدام معها بشكل مباشر لا يحقق شيء سوى تقوية شوكة الأسد. لذا فعلى الرغم من أنه ينبغي على الجماعات القومية/غير المتطرفة الدفاع عن نفسها دائماً في وجه عدوان المتطرفين، إلا أنه يتعيّن على الأوائل الانتظار قبل الشروع في أي هجوم. وبدلاً من ذلك، ينبغي على قادة المعارضة وضع خطط لتحييد أعضاء الجماعات المتطرفة وذلك عبر تقديم حوافز لهم، مثل الدعم المالي وغيره. ويرى العديد من أعضاء المعارضة المدنيين أن برامج الحوار بين أعضاء الكتائب الإسلامية القومية أو المعتدلة من جهة والجماعات السلفية الكائنة في أقصى يمين الطيف السياسي من جهة أخرى ستساعد على إبعاد بعض الأعضاء الجهاديين [عن جماعاتهم] وسوف تقوض بدورها من الدعم الإجمالي المقدم للمتطرفين. وبطبيعة الحال سيتطلب هذا النهج في تقويض المتطرفين إحراز تقدم بشأن البند الثاني من هذه القائمة وهو: وضع استراتيجية عسكرية وسياسية وطنية. ومع ذلك، من المرجح أن يكون مثل هذا البرنامج أكثر جذباً للجهات المانحة الدولية من مسألة تزويد المعارضة السورية بالأسلحة أولاً. وبإمكان للولايات المتحدة ودول غربية أخرى أن تزيد بعد ذلك من الدعم المقدم بأشكال أخرى – بما في ذلك الأسلحة.
6. التأكيد على أن المتطرفين لن يفيدوا سوى النظام. تستخدم المعارضة حججاً إيجابية لتقييم من هم الذين يستفيدون من القتال ومن الداعمين في الواقع للجماعات المتطرفة. فلا يزال الكثيرون في المعارضة يعتقدون أن «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» مدعومة بالفعل من قبل نظام الأسد. وبمعنى استراتيجي، فإن مسألة سيطرة «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» على مناطق مثل عزاز هي أمر في يد النظام السوري. كما ينبغي على المعارضة التأكيد على التأثير السلبي المتراكم لـ «جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام» وغيرها من الجماعات المتطرفة الأخرى على كل من فعالية المعارضة وجهودها لحشد التأييد من الخارج.
7. استخدام رجال الدين لتقويض السلطة الدينية للمتطرفين. تتبع العديد من الجماعات المتطرفة والمرتبطة بـ تنظيم «القاعدة» نهج رجال الدين الذين هم بنفس درجة تطرف هذه الحركات وليس لهم أتباع على نطاق واسع داخل سوريا. لذا ينبغي على المعارضة الرئيسية أن تعمل مع رجال الدين السوريين المعروفين جيداً لتقويض أولئك الآخرين الذين يتم اتباعهم من قبل [أعضاء] تنظيم «القاعدة» وغيرهم من المتطرفين، وذلك كجزء من جهود شاملة للسيطرة على الرسالة الدينية داخل المعارضة.
8. إيلاء اهتمام أكبر بـ”المجلس العسكري الأعلى”. يضم “المجلس العسكري الأعلى” حالياً ألوية قومية وكذلك إسلامية، ذات اتجاهات أيديولوجية تعتبر أكثر تبايناً بكثير عن النطاق الذي يضم في طياته الألوية السلفية والجهادية/المتطرفة الكائنة في أقصى اليمين. لذا يتعين على قادة المعارضة النظر عن كثب إلى “المجلس العسكري الأعلى” بهدف تحديد ماهية الجماعات التي ستظل ملتزمة بالأجندة الوطنية وتلك التي تميل إلى دفة المتطرفين.
9. التفكير في معضلة الاغتيالات. لا يزال بعض قادة المعارضة يؤكدون بأنه من الممكن أن تكون بعض الجماعات المتطرفة أكثر ارتباطاً بالنهج العقائدي لدرجة أنه لن يمكن اقتلاعها من الأراضي السورية والمناطق القريبة إلا باتخاذ خطوات مثيرة ومفاجئة، مثل الاغتيالات. وفي الوقت الذي ربما تكون فيه الاغتيالات ضرورية في بعض الحالات إلا أنها من الممكن أن تؤدي في النهاية إلى شد أزر المتطرفين وتقوية شوكتهم إذا استخدمت في الوقت الخاطئ.
10. الإقرار بأن الأسلحة الكيمياوية ستجعل الوضع أكثر سوءاً. من الممكن للمرء أن يستنتج أن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين قد يبرر الاستيلاء عليها من قبل جماعات المعارضة واستخدامها في أوقات حاسمة ضد النظام ومؤيديه. وحتى هناك عدد من الجماعات المتطرفة العاملة في سوريا التي تدعي بأن استخدام الأسلحة الكيمياوية هو مبرر للقيام بأعمال انتقامية. لكن الواقع هو أن السعي للحصول على مخزونات الأسلحة الكيمياوية لن يجعل المسار الطويل للمعارضة إلا أكثر صعوبة حيث سيعمل في النهاية على تقوية شوكة النظام ومن الممكن أن يساهم في فرض إجراءات عقابية من المجتمع الدولي. إن تعزيز قدرات الأسلحة التقليدية يمثل نهجاً أكثر فائدة للمعارضة.
ورغم أن تنفيذ هذه الإجراءات سيستغرق بعض الوقت، إلا أن البدء بها الآن سيساعد المعارضة السورية على الحفاظ على طابعها الوطني فضلاً عن خلق بيئة مواتية لاحتواء تأثير الجماعات المتطرفة. كما أن رسم خطوط واضحة بين الأطراف التابعة لـ تنظيم «القاعدة» وبين المعارضة القومية الرئيسية سيجعل الأخيرة أيضاً أكثر جذباً وقبولاً لدى المجتمع الدولي في حال التوصل إلى أي تسوية عسكرية أو سياسية للأزمة وعندما يتم التوصل إلى مثل هذه التسوية.
ومع ذلك، ربما يكون الطلب الأكثر إلحاحاً هو الحاجة إلى استبعاد مخزون الأسلحة الكيماوية من المشهد. وسوف يساعد ذلك على تجنب قتل المزيد من السوريين والحيلولة دون امتداد الصراع إلى مناطق أكثر من تلك التي طالها بالفعل.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “في عرين الأسد : رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا.”