■ حينما كنت مديراً للمخابرات الحربية، قدمت للمشير طنطاوى تقدير موقف فى إبريل عام 2010، توقعت فيه حدوث انتفاضة شعبية، وخروج الجماهير إلى الشارع فى ربيع 2011، وبالتحديد فى شهر مايو.. كيف توصلت إلى هذا التقدير؟
– الفريق أول عبدالفتاح السيسى: إذا كنت سأتحدث عن هذا الموضوع فإننى سأتحدث بشكل عام. القوات المسلحة مؤسسة علمية، ولابد أن يكون الجيش معتمداً فى تصرفه وتخطيطه على العلم وتقدمه، ونحن لدينا أجهزة تقديرات واستطلاع رأى داخل الجيش ترصد الكثير مما يحدث داخل الجيش وبعض ما يتم خارجه، فى إطار دورها الوطنى.
كل التقديرات كانت تشير إلى أن هناك حدثاً جللاً، المصريون مقبلون عليه، وأريد أن أقول لك إنه ليس كل ما يُعرف عن المرحلة الانتقالية الأولى يقال، لا الآن ولا فى السنوات المقبلة.
أذكر أننى سألت سيادتك بعد إعلان فوز محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة وقبل تسلمه منصبه: هل يقدر مرسى على أن يتخلص من سطوة الجماعة، ويصبح رئيساً لكل المصريين؟ وأذكر أنك قلت: ليست المسألة هل يقدر؟.. وإنما هل يريد أصلاً؟!
■ إذن كنت تتوقع أنه لا يريد أن يُغلّب مصلحة البلاد على مصلحة الجماعة.. كيف توصلت إلى هذه القناعة؟
– دعنى أتحدث إليك مخلصاً.. فلم يكن أملى أن يصدق هذا التوقع. كنت أرغب فى أن أرى عهداً جديداً يأخذ البلاد بعيداً عما يحيط بها من تهديدات، ويوفر مناخاً من الأمن والاستقرار والتنمية يحقق طموحات الشعب، أما عن قناعتى بعدم تغليب الرئيس السابق مصلحة البلاد على مصلحة الجماعة فإنها تعود إلى الدراسة العميقة للعديد من العوامل التى تبدأ من السمات العامة لشخصية الرئيس وعلاقته بالجماعة ونظامها وأهدافها الحقيقية.
والإشكالية فى هذا الأمر ــ ودون الإساءة إلى أى أحد ــ نابعة من البناء الفكرى والعقائدى لهذه المجموعة. وبالمناسبة هذا لا يقدح فيهم، لكنه يؤثر على جهودهم فى إدارة أى دولة. إن هناك فارقاً كبيراً جداً بين النسق العقائدى والنسق الفكرى لأى جماعة، وبين النسق الفكرى والعقائدى للدولة، ولابد أن يتناغم الاثنان مع بعضهما، وحين يحدث التصادم بينهما هنا تكمن المشكلة، وحتى يتناغم الاثنان مع بعضهما (نسق العقيدة ونسق الدولة) يجب أن يصعد أحدهما للآخر، إما أن تصعد الدولة إلى الجماعة، وهذا أمر مستحيل، وإما أن تصعد الجماعة إلى الدولة، من خلال التخلى عن النسق العقائدى والدينى، وهذا أمر أعتقد أنهم لم يستطيعوا فعله، لأن ذلك يتعارض مع البناء الفكرى للمجموعة، وسيبقى هذا الفارق بين النسقين مؤدياً إلى وضع متقاطع يقود إلى وجود مشاكل وفوارق، تجعل الناس تشعر بهذا الوضع وتخرج للتظاهر…
…
فى إسلام الجماعة نحن أمام مجموعة التقت على أفكار، هم أحرار فيها، لكن لا تستطيع أن تسحب إجماعها على أمر ما وتجبر الناس عليه، وهذه هى الإشكالية الموجودة فى إسلام الجماعة، لأن إسلام الجماعة لا يمتد إلى إسلام الدولة، فإسلام الدولة أكثر اتساعاً ومرونة، لأن حجم الاجتهاد ضخم،..
والسؤال: هل هناك أحد يستطيع أن يجادل أن هؤلاء الإسلاميين حريصون على الإسلام؟! لاشك فى ذلك، لكن المشكلة أنهم لا يستطيعون التفرقة بين ممارسات الفرد فيهم كإنسان وفرد فى الجماعة، وبين ممارساته فى إطار نسق الدولة، وحين حدث خلط وعدم تناغم بين نسق الفرد والجماعة والدولة حدث ما نراه حالياً، فقد جعلوا الناس ترى أن الإسلام عبارة عن تخريب وتدمير، وأريد أن أقول لك إن صورة الإسلام حالياً فى العالم أساء إليها مَنْ يطلقون على أنفسهم «إسلاميين»، من خلال ممارساتهم، فبدا أن هؤلاء الحريصين على الدين أساءوا إلى الإسلام بصورة غير مسبوقة، وأصبح الإسلام مرادفاً للقتل والدم والتدمير والتخريب،..
وحول سؤالك فيما يخص الرئيس السابق، أقول لك إن كل الشواهد والقرائن، وما لدينا من أجهزة ومعلومات، كانت تؤكد ما سبق أن ذكرته، وقلت لهم من قبل أكثر من مرة إننى حريص على نجاحهم، وقلت ذلك لكل التيار الدينى.
■ توليت منصب القائد العام ووزير الدفاع يوم 12 أغسطس 2012.. القريبون من المؤسسة العسكرية كانوا يتوقعون أنك ستخلف المشير طنطاوى عند تقاعده.. أعرف أنك التقيت المشير يوم صدور القرار.. ماذا قلت له وبماذا أجابك؟
– أولاً هناك ثوابت يجب أن تحكمنا فى كل شىء، وأنا كثيراً أقول إن القوات المسلحة مؤسسة وطنية تتسم بالشرف والإخلاص، والسر فى ذلك أن المشهد أحياناً يظهر على خلاف حقيقته، وبالتالى حين تقرأ هذا المشهد قد يتسبب فى حالة لخبطة لك، وتتساءل: يا ترى إيه الحكاية؟ هل وراء ذلك تآمر أم خيانة أم تواطؤ؟.. وهل هناك إخلاص وشرف أم لا؟.. هذه هى الثوابت التى أؤكدها دوماً، وأؤكد أن المؤسسة العسكرية وطنية شريفة، لا تتآمر ولا تخون..
هذا ما يهم أن يعرفه الناس فى الفترة التى نتحدث عنها.
أما عن لقائى بالمشير طنطاوى فقد عدت بعد أدائى اليمين إلى مكتب وزير الدفاع وسلمت على المشير، واحتضننى وقبّلنى مهنئاً.
■ وماذا قلت له؟
– قلت له: «يا فندم لو عاوزنى أمشى، هامشى فوراً».
لكنه قال لى: «لا.. إنت عارف قدرك عندى ومدى اعتزازى بك»…
نأتى لاحتفالات أكتوبر فى العام الماضى.. فوجئ الجميع بخلو المنصة الرئيسية من أبطال حرب أكتوبر، وتصدُّر قتلة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطل الحرب، المشهد فى الاحتفال.
■ هناك من يرى أن هذه المناسبة كانت بداية توتر العلاقة بين المؤسسة العسكرية والرئيس السابق، وشعور القوات المسلحة أن الدكتور محمد مرسى لا يستحق أن يكون قائداً أعلى لها…. هل كان ذلك صحيحاً؟
– لا أؤيد الفكرة القائلة بأنه كان هناك رفض للرئيس السابق فى القوات المسلحة وتزايد مع الوقت، حتى وصل بنا الأمر إلى أننا غيَّرنا النظام بالقوة، لأن ذلك لم يكن صحيحاً، ولم يكن هو الواقع.
ما حدث يأتى فى سياق عدم وجود خلفية عن الدولة وأسلوب قيادتها، خاصة دولة بحجم وظروف مصر، فلو كانوا يدركون أن هذا الأمر سيعطى إشارة سلبية للمجتمع وللجيش ما كانوا فعلوا ذلك.
إننى أتحدث بمنتهى الإنصاف، وأريد عندما نتحدث عن موضوع ألا نغالى، فلا نريد أن نكون كالذى «إذا خاصم فجر»، ويحمّل الأمر بما ليس فيه.
وأدّعى أنه لم يكن عندهم فهم للدولة، ومعنى الاحتفال بمناسبة مثل تلك المناسبة، وبالتالى خرج الاحتفال الذى أعدوه فى يومٍ بالصورة التى ظهر عليها.
ما حدث هو سوء تنظيم وسوء تقدير، وهو كان يريد أن يرى نظرات الإعجاب والرضا فى نفوس من يرونه، فأحضر من ينطبق عليهم هذا الكلام.
والقراءة لتاريخ جماعة الإخوان، تكشف فجوة الخلاف العميقة بين الجماعة والقوات المسلحة ارتباطاً بالكثير من الاعتبارات التى يأتى فى مقدمتها الخلاف التاريخى بين الجماعة وثورة يوليو 1952، وبصفة خاصة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، والخلاف العقائدى، ففى حين الانتماء والولاء بالقوات المسلحة للدولة والوطن بحدوده، فالولاء والانتماء بالإخوان للجماعة وأفكار الخلافة والأمة التى لا ترتبط بالوطن والحدود.
هذه القراءة يجسدها عدم الإدراك لدى الإخوان ومؤيديهم للبعد الوطنى للعلم والسلام الوطنى واليوم الوطنى والمناسبات القومية على غرار الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر المجيدة وضرورة التفكر والتدبر وتذكير الأجيال بها وتكريم أبطالها وأسرهم.
والنتيجة أن الاحتفال بذكرى أكتوبر استبعد الأبطال وقرب القتلة المنتمين أو المرتبطين بالجماعة، الأمر الذى شكل صدمة لنا جميعاً فى القوات المسلحة، إلا أننا كمؤسسة منضبطة لم نبادر بإظهار الاستياء والرفض لهذه التصرفات غير المسؤولة التى لا تُسىء للقوات المسلحة وإنما للدولة والشعب والأمة العربية التى كانت شريكاً متكاملاً مع مصر فى هذا النصر.
أما عن إصرار قيادات الإخوان والمواقع الإلكترونية على الإساءة لقادة القوات المسلحة، فتم التعامل معه بالأسلوب المنضبط للقوات المسلحة، حين طلب عقد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعرض تقرير متكامل على الرئيس السابق يظهر حالة الاستياء من هذه التصرفات التى لا تتناسب مع رغبة الجماعة فى تحقيق التقارب مع مؤسسات الدولة بقدر ما تسعى للصدام مع الجميع: الشرطة والقضاء والإعلام والمثقفين والقوات المسلحة والمعارضة السياسية.
■ وفى 11 ديسمبر الماضى.. دعوت إلى إجراء حوار مجتمعى فى اليوم التالى بالقرية الأوليمبية بالتجمع الخامس برعاية القوات المسلحة للخروج من الأزمة السياسية التى تمر بها البلاد، كان ذلك فى أعقاب الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس السابق مرسى وأثار غضباً عارماً، ثم الإعلان المعدّل الذى لم يفلح فى تهدئة خواطر الجماهير.. لكن اللقاء أُلغى قبل ساعات من انعقاده واعتذرت القوات المسلحة للضيوف… ما ملابسات الدعوة ثم الإلغاء؟
– نتفق جميعاً على أن الإعلان الدستورى والإعلان المعدل كشفا الوجه الحقيقى لمخطط الإخوان فى التمكين، وأطلقا مرحلة الأزمات بين الرئيس السابق وجماعته ومؤيديه، وبين مؤسسات الدولة والمعارضة.
وعلى خلفية التقييم والقراءة المستقبلية للقوات المسلحة لهذه المخاطر، والرغبة فى توفير مناخ لاستعادة الحوار والثقة بين مختلف الأطراف، وليس المشاركة والعودة للمعادلة السياسية جاءت فكرة الدعوة، والتى لاقت قبولاً من جميع الأطراف بما فيها مؤسسة الرئاسة.
ونحن كنا حريصين على نجاحهم فى الحكم، لأن فى هذا نجاحاً للدولة المصرية، وكان تقديرنا أن الدولة بظروفها الاقتصادية والتحديات التى تمر بها لا تتحمل استمرار حالة عدم الاستقرار، وبالتالى كنا نقول إن من يريد لبلاده أن تستقر وتنمو يساعد فى إنجاح النظام الذى انتخبه الناس، وأريد أن أقول إن هذا ما تم بمنتهى الإخلاص والأمانة والفهم، وقلنا له من أول يوم: لابد أن تحتوى الناس.
لا تعادِي مؤسسات الدولة، لا يمكن أن تعيد هيكلة المؤسسات مرة واحدة. إذا كانت هناك ضرورة فالإصلاح لابد أن يأخذ مداه الزمنى.
وعندما تسارعت عجلة الاختلاف السياسى بين مؤسسة الرئاسة وبين الدولة والقوى السياسية. شعرت أننا كقوات مسلحة سنتورط فى هذه الإشكالية، وأن الدولة ستدفع ثمنها، وأنا لا أريد للقوات المسلحة أن تتورط ولا للدولة أن تخسر.
لذا اتصلت بالدكتور مرسى، وردَّ علىَّ مدير مكتبه أحمد عبدالعاطى، وطلبت منه أن يعرض أمر دعوة القوات المسلحة للحوار على الرئيس، فاستحسن «عبدالعاطى» الفكرة، وقلت له: «اعرض على الرئيس وخليه يكلمنى».
وفعلاً اتصل بى الدكتور مرسى وقال: الفكرة رائعة.
قلت له: نتحرك لتنفيذها؟
قال: اتحركوا.
وفعلاً دعونا الناس، وعرفت أن هناك أناساً اتصلوا بالرئيس السابق وخوّفوه من الفكرة، ودفعوه لطلب إلغاء الدعوة لإضاعة فرصة متاحة للتقارب بين الجماعة والقوى الوطنية، وهو نمط ظل سائداً حتى ثورة 30 يونيو، وهؤلاء الناس هم أنفسهم الذين أشاروا بعد 3 يوليو باستمرار اعتصام رابعة، هؤلاء ليس عندهم تقدير سياسى ولا أمنى، ونصائحهم هى السبب فيما نحن فيه الآن.
■ هل هؤلاء من داخل مصر أم من خارجها؟
– «ناس مصريين».
■ هل ينتمون للجماعة؟
– ليست هذه هى القضية، إنما أريد أن أقول إن هذه كانت نصيحتهم: ألا ينعقد لقاء الحوار الذى دعت إليه القوات المسلحة.
القوات المسلحة كمؤسسة وطنية منضبطة لا ترغب سوى فى تقديم النصح ولا ترغب فى السلطة، استجابت لطلب الرئاسة بإلغاء الدعوة.. حفاظاً على مكانة الرئاسة ورغبة فى عدم زيادة تعقيدات الأزمة.
■ أعرف أنك قلت للرئيس السابق ذات مرة: «لقد فشلتم..ومشروعكم انتهى»، متى حدث ذلك؟ وكيف؟
– كان ذلك فى فبراير الماضى. إننى كنت ألتقى به كثيراً وكنا نتكلم كثيراً، ورغم أن الحديث فى السياسة بين أى رئيس والقوات المسلحة مسألة موضع تحفظ، فإننى كنت أستشعر أن علىَّ التزاماً أخلاقياً ووطنياً أن أتكلم بكل وضوح، حتى لو أدّى الأمر إلى تركى منصبى، وفى كل الأحوال لن أترك منصبى قبل الموعد الذى أذنه الله، وأذكر أننى قلت للرئيس السابق يومها: «مشروعكم انتهى، وحجم الصدّ تجاهكم فى نفوس المصريين لم يستطع أى نظام سابق أن يصل إليه، وأنتم وصلتم إليه فى 8 شهور».
■ فى يوم 12 إبريل الماضى، كان آخر اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يحضره الدكتور مرسى، وكان هناك غليان ناتج عن شائعات تتردد تستهدف وزير الدفاع وأنه سوف تتم إقالته، بجانب قضايا حيوية تتعلق بالأمن القومى، كمشروع قناة السويس وقضية حلايب.
– فى هذا اليوم كان من الضرورى أن ننقل له تقدير موقف، نحن نتحمل الإساءة، ولكن ما لا نستطيع تحمله أن يكون الوطن معرّضاً للخطر، فى هذا الاجتماع قلنا إن الوطن معرض للخطر، ولابد من اتخاذ إجراءات عميقة للتجاوب مع مطالب الناس حتى تنفرج الأزمة.
وأتذكر أن الاجتماع الذى دعا الرئيس السابق لحضوره جاء على خلفية ما أثير فى هذا التوقيت من شائعات وإساءات للقيادة العسكرية.. والتقارير التى تناولت قضايا مشروع قناة السويس وسلبياته والموقف من حلايب بعد زيارته للسودان وما نشر على موقع حزب الحرية والعدالة من خريطة لمصر دون هذه المنطقة.
وكان الاجتماع فى جوهره للمصارحة والإعراب بشفافية كاملة عن عوامل قلق وتحسب المؤسسة العسكرية بحكم انضباطها والتزاماتها الوطنية ومصداقية وأمانة تعاملها مع الرئاسة.
وقد أسفر الاجتماع فى حينه عن العديد من القرارات والنتائج التى جاء فى مقدمتها التأكيد على العلاقة بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية ورفض الإساءة إليها والالتزام برؤيتها فى اتجاه المشروعات القومية خاصة مشروع التنمية لمحور قناة السويس بما لا يضر بالتنمية والحفاظ على متطلبات الأمن القومى ونفى ما تردد عن حلايب، فضلاً عن ترقية قادة الأفرع الرئيسية التى كانت مؤجلة لفترة منذ توليهم مناصبهم.
هنا أود التأكيد على حقيقة مهمة: إن ما كان يشغلنا ما يثار حول الحدود المصرية خاصة منطقة حلايب، وما ارتبط بمشروع تنمية محور قناة السويس.. أكثر بكثير ما كان يتردد حول إقالة لقادة، فالأمن القومى هو الذى يحظى بأولوية الاهتمام.
■ نأتى إلى لقاء «دهشور» الشهير يوم 11 مايو مع رجال الفكر والثقافة والإعلام.. كثيرون صُدموا لتصريحك الذى قلت فيه إن نزول الجيش سيعيد البلاد 30 أو 40 عاماً إلى الوراء.. واعتبروه تخلياً من الجيش عن الشعب.. وفى نهاية اللقاء قلت «متستعجلوش».. ما الرسالة التى كنت تقصد توجيهها فى هذا اليوم؟
– هنا أود الإشارة إلى أهمية عدم اجتزاء الحديث فى عبارة واحدة أو الفصل بين الحديث والمشهد العام باعتباراته الداخلية والخارجية، فالقراءة المتكاملة دائماً للحدث تساهم فى القراءة السليمة واستشراف الرسائل لهذه التصريحات.
والتصريحات فى هذا اللقاء تضمنت أيضاً التأكيد على المهام الرئيسية للقوات المسلحة.. وحاجة البلاد للحوار والتعاون لتجاوز الأزمة، واستكمال العملية السياسية، وحث الشعب على اللجوء إلى صندوق الانتخابات والتواجد أمامه لفترات زمنية طويلة لإقامة الديمقراطية، أفضل لدينا من اللجوء للقوات المسلحة بما يعيد البلاد للخلف أو يدفعنا لتجارب دول لا نأمل فيها.
هذه التصريحات كانت فى بيئة داخلية، تصاعدت فيها الأزمة حتى بلغت مرحلة الانسداد السياسى، وتزايد الأصوات التى تدعو لتدخل القوات المسلحة قبل انفجار الأوضاع وموقف خارجى يطرح سيناريوهات لاحتمالات تدخل القوات المسلحة.
من هذا المنطلق وخلفية العقيدة الوطنية للقوات المسلحة، كانت التصريحات التى حملت رسائل لجميع الأطراف الداخلية التى تحث الجميع وبصفة خاصة النظام على التعاون والحوار لتجاوز الأزمة بعد أن سبق للجميع إغفال تحذيرات سابقة تم إطلاقها من مخاطر تهديد أركان الدولة والانزلاق لحالة الفوضى، والرد على محاولات الخارج للتدخل فى الشأن الداخلى والتشكيك فى المواقف الوطنية للقوات المسلحة.
والحقيقة أننى كنت أريد أن أعطى فرصة للرئيس السابق لأن يعدل موقفه بشكل يحفظ ماء وجهه، واتصلت به بعد هذا اللقاء وقلت: «الآن لديك فرصة لمبادرة حقيقية». وقلت له «أنا دفعت التمن من كلامى، وبادفع التمن ده علشان أنا خايف من بكرة، أنا دلوقت عملت لك موجة لما تيجى تتكلم وتطرح مبادرة، مفيش حد يقول إنها جاءت تحت ضغط أى حاجة، سواء القوى السياسية أو المؤسسة العسكرية».. إذن أنا كنت أعطى فرصة للرئيس السابق لإطلاق مبادرة لإيجاد حل للأزمة ومخرج لها، لا يؤدى بنا إلى تعقيد الموقف أكثر مما هو معقد.
وفى الوقت نفسه لم أرغب أن يحمّل الرأى العام القوات المسلحة ما لا تطيق، لأنى شعرت أن الرأى العام بدأ يحمّل الجيش المسؤولية كاملة، وينظر إليه على أنه المسؤول عن هذا التغيير، وأن عليه تنفيذ هذه الرؤية «وخلاص»، وهذا أمر فى منتهى الخطورة.. لماذا؟.. لأنى لو تركت هذه الموجة أو الرؤية تنمو فى نفوس الناس على أن القوات المسلحة ستحل كل المشاكل وتنهى هذه الأزمة بين شعب فى وادٍ ومؤسسة رئاسة وحكم فى وادٍ آخر، فهذا معناه انقلاب، وأنا مش ممكن أعمل انقلاب لأن فكرة الانقلاب غير موجودة فى أدبياتنا، لصالح الدولة المصرية، لذلك أردت أن أوضح للناس أننى لن أفعلها، وبالتالى سيقول الناس «احنا كنا منتظرينه، لكنه سكت ولم يفعل شيئاً».
ثالثا.. أنا لم أكن أريد أن ينكسر «خاطر» الناس أو أن تتحطم آمالهم فى الجيش بمجرد أن تطلب هذا المطلب ولا أنفذه، فقلت على كل شخص أن يتحمل مسؤولياته، وأكدت أن هناك مخاطر شديدة جداً جداً من فكرة الانقلاب، وأن الأنسب والأفضل هو الوصول لأى تغيير عن طريق صندوق الانتخابات، وهذا بعد عدد من المحاولات الإصلاحية، وأربط بين كلامى هذا والمحاولات التى قمت بها فى الشهرين الأخيرين السابقين لهذا اللقاء.
■ كنت تقصد فى ذلك اللقاء استبعاد فكرة الانقلاب نهائياً من الأذهان، وأن تقول للناس عليكم التفكير فى أى شىء آخر.
– نعم لأنه خطر شديد أن يقوم الجيش بانقلاب.
■ لكنك لم تقصد أن يصل إليهم أن الجيش سيتخلى عن الشعب؟
– طبعاً، ما حدث يكمل بعضه بعضاً، وهى صورة، من يريد رؤيتها يتابع ما جرى وما قلته، ويطابق الصورة فسيجدها واضحة.
■ سوف نتحدث بالتفصيل فى الجزء الثانى من حوارنا عن ثورة 30 يونيو وتدخل القوات المسلحة لمساندة ثورة الشعب يوم 3 يوليو، لكنى أود أن أسأل ماذا كانت تقديراتكم قبل التدخل؟
– تحرك الجيش أملته علينا المصلحة الوطنية وضرورات الأمن القومى والتحسب لوصول البلاد إلى الحرب الأهلية فى غضون شهرين إذا ما استمرت الحالة التى كنا فيها، القوات المسلحة كانت تتابع الموقف فى البلاد، وكانت تقديراتها أننا لو وصلنا إلى مرحلة الاقتتال الأهلى والحرب الأهلية فلن يستطيع الجيش أن يقف أمامها أو يحول دون تداعياتها، وستكون خارج قدرته على السيطرة.
*
«السيسي» في الجزء الثاني من حواره: انفجرت في الشاطر «إنتم عايزين يا تحكمونا.. يا تموتونا»
■ قلت: في نهاية أبريل الماضي انطلقت دعوة «تمرد»، وانتشرت بين الجماهير بسرعة شديدة، ثم جاء الأسبوع الحاسم قبل النزول الجماهيرى في «30 يونيو» لسحب الثقة من مرسي، وفي يوم 23 يونيو أعطيت مهلة 7 أيام للتوافق وإنهاء الأزمة، لماذا طرحت المهلة، وكيف كنت تتوقع أحداث يوم 30 يونيو؟
– جميع مؤشرات التقارير الرسمية، خاصة من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذي كان يرأسه أحد المنتمين للإخوان في ذلك الوقت، وكذلك التقارير غير الرسمية، أعطت دلالات على تفوق حركة «تمرد» على حركة «تجرد» بما يتراوح ما بين 3 أضعاف على المستوى الرسمي، و15 ضعفاً على المستوى غير الرسمي.. ووفقاً لذلك ولعدد الوثائق التي حصدتها «تمرد» فإن التوقعات لنسب المشاركة منها في تظاهرات «30 يونيو» أشارت لاحتمالات نزول ما بين 4 و 6 ملايين، والواقع كان مفاجأة كما شاهدناه بعد ذلك، والذي بلغ في أقل تقديراته (14) مليوناً وفي أعلى تقديراته (33) مليوناً.
وفقاً لما تقدم، فإن جميع التوقعات أشارت إلى كثافة التظاهر واتجاه المتظاهرين للاعتصام حتى تلبية النظام مطالب المتظاهرين. في الوقت نفسه، كان هناك تعنت من جانب النظام وعدم استبعاد لجوء مؤيديه للصدام مع المتظاهرين، ولعل خير شاهد ما شهدناه في تظاهرات يومي 21 و28 يونيو في «رابعة العدوية» من تهديدات.
وبالنسبة لحركة «تمرد» فبكل إخلاص وأمانة أقول إنني لم أتكلم معهم إلا عندما استدعيناهم والتقينا بهم يوم 3 يوليو.
ونحن في يوم 23 يونيو قلنا نعطي فرصة بمبادرة وضعناها تتضمن المطالب التي يُجمع عليها الناس، وكان سقفها الأعلى هو الاستفتاء على الرئيس، وكنا نتمنى أن يستجيب لها ويعرض نفسه على الاستفتاء، فلو وافق الشعب على بقائه كانت المعارضة قد سكتت.
■ ماذا كان رد فعل الرئيس بعد المهلة، هل كلم سيادتك؟
– قبل أن أُصدر بيان مهلة الأيام السبعة أطلعته على تفاصيله، وكنت ألتقي معه على طول، وهو لم يغضب من البيان وإنما كان متحفظاً على رد الفعل، ولكن عند مهلة الـ48 ساعة يوم أول يوليو أبدى استياءه وغضبه، وقلت له: «أمامنا 48 ساعة نحل المسألة، لأن الناس نزلت يوم 30 يونيو بأعداد ضخمة جداً»، وأنا كنت معه وقت إعلان هذه المهلة في أول يوليو.
■ متى كان آخر لقاء قبل تدخل الجيش؟
– يوم 2 يوليو، والحقيقة أنني حتى آخر توقيت كنت أعمل على تجاوز الأزمة.
■ هل التقيت به بعد يوم 3 يوليو؟
– لا.
■ قبل خطاب الرئيس السابق في مركز المؤتمرات بيوم واحد طلب خيرت الشاطر لقاءك، ماذا دار في هذا اللقاء؟
– أذكر أن الدكتور سعد الكتاتني اتصل بي وطلب أن يلتقي بي هو وخيرت الشاطر، وفعلاً التقيت بهما يوم الثلاثاء 25 يونيو واستمعت إليهما، وبلا مبالغة استمر خيرت الشاطر يتحدث لمدة 45 دقيقة، ويتوعد بأعمال إرهابية وأعمال عنف وقتل من جانب جماعات إسلامية لا يستطيع هو ولا جماعة الإخوان السيطرة عليها، موجودة في سيناء وفي الوادي، وبعضها لا يعرفه، جاءت من دول عربية، ثم أخذ الشاطر يشير بإصبعه وكأنه يطلق «زناد بندقية».
■ هل كان هذا الوعيد للجيش أم للشعب؟
– لا أعرف، لكنه قال إنه إذا ترك الرئيس منصبه، فستنطلق هذه الجماعات لتضرب وتقتل، وإن أحدًا لن يقدر على أن يسيطر عليها، وهذا معناه اقتتال شديد جداً.. هو كان يتحدث عن وقوع ضغط شديد عليهم، وأن هناك أناساً أفشلوا الرئيس، وأن مواقف القوات المسلحة زادت التوتر ضدهم، وأفقدتهم السيطرة على قواعد جماعات الإخوان وعلى كل التيارات الإسلامية الأخرى الموجودة، والتي تمتلك أسلحة جاءت من ليبيا وعبر الحدود.
■ أعرف أن ردك عليه كان عنيفاً في هذا اللقاء العاصف؟
– الحقيقة أن كلامه استفزني بشكل غير مسبوق في حياتي، لأنه كان يعبر عن شكل من أشكال الاستعلاء والتجبر في الأرض. وانفجرت فيه قائلاً: «إنتم عايزين إيه، إنتم خربتم البلد، وأسأتم للدين».
وقلت: «هو يعني يا تقبلوا كده يا نموتكوا.. إنتم عايزين يا تحكمونا يا تموتونا!».
بعدها صمت ولم يتكلم، وأظنه أدرك رد الفعل من جانبنا.
وقال لي الدكتور الكتاتني: «ما الحل؟».. قلت: «أن تحلوا مشاكلكم مع القضاء والكنيسة والأزهر والإعلام والقوى السياسية والرأى العام».
■ قبل أن يلقي الرئيس السابق خطابه في مركز المؤتمرات، يوم الأربعاء 26 يونيو، هل جلست معه وتحدثت عن الخطاب؟
– نعم.. جلسنا معاً من الحادية عشرة ظهرًا إلى الواحدة بعد الظهر في نفس يوم إلقاء الخطاب، وقال لي: «الدكتور الكتاتني سيأتي وكل اللي إنت بتقوله هنعمله»، وكانت هناك حلول كثيرة جدًا، ولو كان أوجد صيغة تصالحية مع الناس كان من الممكن أن تكون مخرجاً مقبولاً.
■ لماذا ذهبت لحضور الخطاب، رغم أنه كان يبدو أمام محفل حزبي وليس قومياً؟، وما سر الابتسامة التي ظهرت على وجهك وهو يلقي خطابه؟
– حضرت الخطاب، لأنه عندما يطلب مني أن أساهم في حل مسائل متأزمة لا أقول لا. أما الابتسامة فهي ابتسامة اندهاش، لأن «الكتاتني» قال لي قبل دخول القاعة: «كل اللي إنت قلته هنعمله النهارده» وفوجئت بأن الكلام كله على عكس ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس و«الكتاتني»، باستثناء الاعتذار الذي ذكره في بداية الخطاب.. ابتسمت بسبب الخضوع لأوامر مكتب الإرشاد دون مراعاة مصالح الدولة، والاعتماد على مستشارين اعتادوا إيقاع الرئيس في أخطاء وإعداد خطاب له لا يرقى لمقام الرئاسة ويدفع الرئيس ليقف أمام القضاء، وهو ما شهدناه في الأيام التالية.
وقلت لنفسي وأنا أستمع إلى الخطاب: «خلاص هما كده بيهددوا الشعب».
■ هل صحيح ما تردد عن وجود قائمة اعتقالات لعدد من قيادات الجيش والشخصيات العامة، كانت جاهزة للتنفيذ بعد الخطاب؟
– هذا الموضوع نتركه للجان التحقيق وتقصي الحقائق، لكن الحالة التي كان عليها لا يتصور أحد معها أنه يقدر أن يفعل هذا. كانت هناك أزمة كبيرة جدًا، ولم يكونوا يعرفون كيف يخرجون منها، وأتصور أنهم تركوا أنفسهم لتطورات الأزمة تجرفهم، وهذا تعبير عن يأس.
■ متى كانت اللحظة التي قلت فيها: «خلاص مافيش فايدة»؟
– بعد الخطاب كان من الواضح إنهم شايفين الصورة بشكل مختلف، لكن تقديري أن حجم المظاهرات التي حدثت في تلك الفترة لم تنقل لهم الصورة جيدًا. وأدركت أن اللحظة الحاسمة ستكون يوم 30 يونيو.
■ كيف أمضيت يوم 30 يونيو، ولماذا أجلت إصدار بيان القوات المسلحة بعد انتهاء مدة الأيام السبعة إلى اليوم التالي، الأول من يوليو؟
– كان اهتمامي يوم 30 يونيو هو متابعة الأوضاع على الأرض وتقويم التقديرات التي سبق التوصل إليها، والاستعداد للتدخل لتأمين وحماية المواطنين والممتلكات العامة، إذا ما حاول أي طرف الإخلال بالأمن وتهديد المواطنين والمنشآت.
أما عن تأجيل إصدار البيان بعد انتهاء مدة المهلة، فكان الهدف منه إعطاء مزيد من الوقت للتواصل الجاد بين الأطراف وعدم التعجل في اتخاذ القرارات.
في يوم 30 يونيو شاهدت ما جرى مثل كل الناس، وكنت أتوقع حشودًا كبيرة، لكن الذي حدث كان هائلاً، وكان نقطة فارقة في تاريخ مصر.
الشعب المصري خرج، لأنه خاف على وسطيته، خاف على مستقبله، لم يشعر أن البلد بلده، وهذا محرك يوم 30 يونيو، الناس نزلت نزولاً غير مسبوق بعشرات الملايين، ووضعت من جديد القوات المسلحة أمام مسؤوليتها التاريخية، إنفاذًا للإرادة الشعبية.
ناس بسيطة نزلت، شباب، نخب، أسر. كأنهم يهاجرون من مكان خطر إلى مكان آمن.. يهاجرون من حالة إلى حالة.. النزول كان هجرة من الواقع الموجود إلى حالة الدولة المصرية المأمولة.. إلى الواقع الجديد المنشود، الناس نزلت تقول «لا»، نحن لن نعيش بهذه الصورة، وكانت الهجرة من واقع خافوا منه إلى واقع يأملون فيه. المصريون خرجوا في كل مكان، هناك أماكن لم يتم تصويرها جوًا، لكننا رصدناها من خلال عناصر القوات المسلحة بها.
أنا أقول للتيار الإسلامي: «حاسب وأنت تتعامل مع المصريين، لقد تعاملت معهم على أنك الحق وهم الباطل، أنك الناجي وهم الهالكون، أنت المؤمن وهم الكافرون، هذا استعلاء بالإيمان.
حشود هائلة غير مسبوقة خرجت إلى الشوارع والميادين، ومع ذلك نجد من يقول إن عدد المتظاهرين كان 120 ألفاً.
■ الرئيس السابق هو صاحب هذا الإحصاء، متى قال لك هذا؟
– يوم أول يوليو، قال لي إن عدد المتظاهرين 120 ألفاً، فقلت له: «سأحضر لك سيديهات لمشاهد مصورة من الطائرة».
■ لماذا جددت المهلة أول يوليو لمدة 48 ساعة؟
– أنا كنت شايف مخاطر شديدة جدًا، والبلد وصلت لمرحلة خطرة، وكنت أقول لو هناك مخرج يبقى أفضل.
■ متى أبلغت الرئيس السابق بالمهلة الثانية؟
– قرأت له البيان وإحنا داخلين اجتماع معه، وخلي بالك اللي بيعمل انقلاب مابيتكلمش مع حد.
■ نأتي إلى يوم 3 يوليو.. كيف أمضيت الليلة السابقة، ماذا كنت تقول لنفسك، هل توقعت رد الفعل الجماهيري الهائل المؤيد للبيان؟
– الحقيقة الوحيدة التي شغلت عقولنا خلال هذه الفترة هي كيف يمكن تحقيق الإرادة الوطنية دون الإضرار أو بأقل ضرر بمقدرات وإمكانيات قوى الدولة المصرية، الأمر الذي معه كنا نراجع وندقق في جميع الخطط، ومحاولة تغطية مختلف الاحتمالات.
على الجانب الآخر كنت شديد الطمأنة، فنحن لا نهدف لسلطة أو مصلحة وإنما نسعى لإنفاذ إرادة شعبية أصبحنا على يقين من حقوقها.. ونحن في سبيل حق الشعب والدفاع عن مصالحه لا نخشى سوى الوقوف بين يدي الله وسؤاله.
أيضاً كنت على ثقة من التأييد الجماهيري، فما أقدم عليه الإخوان من ممارسات خاطئة أفقدهم الكثير من القاعدة الشعبية، ومع ذلك كنت آمل لآخر لحظة أن ينتهي الموضوع، وأرسلت إلى الرئيس السابق 3 شخصيات مقربة لديه، وقلت له إن المخرج من هذه الأزمة هو الاستفتاء على استمراره من أجل إغلاق باب الفتنة، رغم أن هذا الموضوع ممكن أن يكون غير مقبول شعبياً، لكن يبدو أن تصورهم أن الجيش يخشى المواجهة، وأن هناك نقطة سيتوقف عندها.
■ كيف تم الترتيب الذي أعلن عن تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد، والمشهد الجامع الذي صاحب إلقاء البيان؟
– كنت شايف ضرورة حضور المؤسسات الدينية كالأزهر والكنيسة، لأنهم مسؤولون عن المجتمع، ودعونا د. محمد البرادعي وممثلي المرأة وشباب «تمرد» وحزب النور والقضاء، وكذلك حزب الحرية والعدالة، لكنه لم يرد على الدعوة. والبيان تم إعلانه والتعقيب عليه من مختلف ممثلي أطياف الشعب المصري باتجاهاته وشرائحه الرئيسية، وكان محتوى البيان معبرًا عن المطالب الشعبية، التي طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة تحت إشراف حكومة محايدة بعد فترة انتقالية محدودة يتم خلالها تعديل الدستور وتلبية الاحتياجات الاقتصادية والأمنية للشعب، والمشهد الجامع عكس بوضوح تحالف القوى الوطنية لتنفيذ الإرادة الشعبية.
■ بصراحة.. هل أبلغت الإدارة الأمريكية بالبيان قبل إذاعته؟
– كلامي واضح، قلت: «لم نخطر أحدًا، ولم نتعاون مع أحد، ولم ننسق مع أحد، ولم نستأذن أحدًا».
الأحداث والبيان شأن داخلي مصري، لا يحق لأي دولة مهما كانت العلاقات معها التدخل فيه، أيضاً البيان هو إنفاذ للإرادة الشعبية التي تم التوافق عليها من مختلف أطياف الشعب وتعبير عن أهدافه التي خرج من أجلها عبر ثورتين كبيرتين في يناير 2011 ويونيو 2013، والتي تأتي في مقدمتها «الحرية» بجميع أبعادها، سواء حرية الرأي والتعبير والعقيدة أو التحرر من التبعية لأي من القوى الخارجية.
وعلاقاتنا الخارجية تقوم على المصالح والاحترام المتبادل، وعدم القبول بالتدخل في الشأن الداخلي أو التغيير في القرارات التي تحقق المصالح الوطنية.
■ كيف أمضيت الليلة بعد إذاعة بيان 3 يوليو؟
– أنا قرأت البيان، ثم ذهبت إلى والدتي.
….
……
■ بعد بيان 3 يوليو، صدر الإعلان الدستوري الذي نص على خارطة مستقبل للمرحلة الانتقالية الثانية تبدأ بتعديلات دستورية، ثم برلمان، ثم انتخابات رئاسية.. هل هذا الترتيب درس مستفاد من المرحلة الانتقالية الأولى؟!
– هناك دروس كثيرة استفدنا منها من المرحلة الانتقالية الأولى، أولها أن القوات المسلحة لا تتصدر المشهد، وأن السلطة تبقى في يد حكومة مدنية، ورئاسة مدنية كمخرج من أي أزمة، والأمر الثاني أن هناك مشكلات لا يرضى عنها المجتمع، أهمها إجراء تعديلات دستورية، ولم يكن هناك رفض لهذا، ثم تأتي الانتخابات البرلمانية ومن بعدها انتخابات رئاسة ويكون الترشح متاحاً للكل.
وأريد أن أقول إن ما فعله الشعب وما فعلناه كان في إطار رد الفعل، يعني هم كانوا يفعلون، وموقف الشعب والجيش كان رد فعل، ولو كان عندهم تقدير سليم للموقف ما وصلنا أبدًا إلى ما كنا فيه. وكان الأصوب لهم أن يقبلوا النصيحة ويعترفوا بالأخطاء.
ثم يجب ألا تتعرض البلاد للخطر، هذا واجب وطني ومسؤولية دينية، وأي دعوة لإسقاط الجيش والشرطة تؤدي إلى سنوات من عدم الاستقرار.. وتؤدي إلى إزهاق أرواح أعداد ضخمة من البشر.. من يتحمل هذه المسؤولية أمام الله؟.. لابد أن نكون منصفين في كلامنا، لأننا سنقف أمام الله وماحدش وقتها هايعرف يلف ويدور.
■ خاطبت الشعب يوم 24 يوليو ودعوته إلى النزول بعدها بيومين لتفويضك، ومعك الجيش والشرطة، لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.. كيف جاءتك الفكرة؟
– بالدراسة والعلم والمعرفة والفهم لابد أن تدرك أن البناء الفكري للتيار الديني يلجأ إلى العنف، لأنه يرى أنه على حق، لذا يلجأ إلى أشكال التصعيد، والأفق الفكري عنده مختلف عن الآخرين. وكنت أتوقع أن هناك تصعيدًا محتملاً، وها نحن نرى الآن أناساً يحملون قنابل وأسلحة ويرتكبون جرائم تفجير، ونمسك بعناصر مسلحة كل يوم.. تخيل لو كانت الشرطة مضروبة ولم تأخذ الدفعة المعنوية التي أخذتها من الشعب، كيف سيكون الأمر؟.. إن المصالحة بين الشعب والشرطة كانت معجزة إلهية.
■ هل فكرت وأنت توجه كلمتك إلى الشعب في احتمال عدم نزول الجماهير؟
– لم يساورني الشك لحظة واحدة، كنت متأكدًا من نزوله.. دي حاجة بيني وبين الشعب المصري.
■ قلت في كلمتك للشعب: «هذا أول طلب أطلبه منكم».
– أشعر بأن بيني وبينهم عشم وخواطر.. دي حاجة هما يحسوها وأنا أحسها.
■ ليلتها نمت قلقان؟
– لا.
■ هل كان الهدف من الدعوة هو فقط التفويض الشعبي في مواجهة العنف والإرهاب المحتمل؟
– الهدف من الدعوة لم يكن يقتصر فقط على التفويض لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، بقدر ما كان دعوة للتأكيد أمام العالم على الإرادة الشعبية في التغيير، بعد ارتفاع الأصوات التي كانت تشكك في هذه الإرادة، وتسعى للحشد الخارجي ضدها تحت ذرائع الادعاء بالانقلاب العسكري.
لقد وضعت ثقتي في الشعب المصري الذي لم يخذلني، انطلاقاً من قناعة الجميع بأن التغيير يتم تحقيقاً لإرادة الشعب في تحقيق طموحاته وآماله بأهداف ثورته، «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». والاستجابة الشعبية الكبيرة للدعوة ألقت على أكتافي وزملائي مزيدًا من المسؤولية لتحقيق آمال وأحلام هذا الشعب الكريم الذي منحنا ثقته.. والتي سنحاسب عليها أمام الله والتاريخ.
■ هل توقعت أن يكون حجم النزول والتأييد بهذا المستوى الهائل؟
– بكل أمانة، كنت أريد أكثر من ذلك حتى إنني كنت أقول لبعض من حولي «مش هو ده العدد اللي كنت منتظره ينزل الشارع».
■ تقول ذلك رغم خروج عشرات الملايين بهذا الحشد غير المسبوق في التاريخ؟
– نعم.. بكل أمانة، وأنا أقول لك الحقيقة، لأنني أنشد دوماً أقصى درجات المثالية، لكني كنت سعيدًا جدًا بالمشهد، وأمضيت ليلتي في سعادة، حتى حدثت واقعة المنصة وطريق الأوتوستراد التي ارتكبوها يوم 27 يوليو.
■ قرار مواجهة محاولات اقتحام دار الحرس الجمهوري كان سريعاً.. بينما تأخر القرار الخاص بفض اعتصامي «رابعة والنهضة» ما السبب؟ وهل كانت توقعات الضحايا في الحالتين مقاربة لما حدث بالفعل؟
– بداية لا يمكن المقارنة بين أحداث نادي الحرس الجمهوري وقرار فض اعتصامي «رابعة والنهضة»، ففي حادث نادي الحرس الجمهوري، كان هناك تخطيط ومحاولة لاقتحام منشأة عسكرية باستخدام القوة، الأمر الذي وضع القوات في وضع دفاع عن النفس وضرورة الرد بشكل فوري وسريع، وهو ما أكدته التقارير المتوفرة عن الحادث، وأريد أن أقول إنه كانت هناك حالة تلاحم بين الأفراد، وكانت هناك مجموعات منهم تطلق النار وهي غير مدربة، مما تسبب في خسائر غير مبررة.. وليس معقولاً أن يأتي أناس إلى المكان الموجود فيه رئيس الجمهورية السابق وهو منطقة عسكرية وتحاول أن تقتحمه وتضرب نارًا، نحن في نفس اليوم نقلناه إلى مكان آخر.
أما قرار فض اعتصامي «رابعة والنهضة»، فقد حرصت فيه الدولة، أولاً على إتاحة المجال أمام الاحتواء والتهدئة عبر المعالجة السياسية، ثانياً مراعاة اعتبارات شهر رمضان الكريم ثم عيد الفطر المبارك، ثالثاً إعطاء الوقت الكافي للدراسة والتخطيط لتجنب الخسائر في الطرفين، بعد التأكد بما لا يدع مجالاً لشك من وجود أسلحة داخل الاعتصامين، وبعد نحو 48 يوماً وليس 48 ساعة، وبعد العديد من الإنذارات، قامت الأجهزة الأمنية بتنفيذ القرار القضائي لفض الاعتصامات وفقاً للمعايير الدولية، وجاءت الخسائر في الطرفين نتيجة استخدام السلاح من داخل الاعتصامات.
وبالنسبة للنتائج وأرقام الضحايا، تتعدد حولها التقارير، وهناك فوارق كبيرة بين التقارير الرسمية وما تسعى مصادر أخرى للترويج له.. والأفضل الانتظار لنتائج تقصي الحقائق والتحقيق في تلك الأحداث، لتبرز الحقائق أمام الجميع.
■ كيف شعرت بعد سقوط مئات من القتلى في اعتصامي «رابعة والنهضة»؟
– بداية، جميع المؤسسات الوطنية والمسؤولين بالدولة المصرية حريصون على عدم إراقة الدماء المصرية من جانب أي طرف.. فهي في النهاية دماء مصرية.. للأسف، تسقط وتراق في إطار تنافس صراع على السلطة، وتحقيق مصالح فئة تستخدم هذا الدم لتغذية صورتها كـ«ضحية»، وتوظيفها لاستقطاب واستدعاء الخارج لتهديد الدولة المصرية، وبالتأكيد الدولة المصرية حريصة على استعادة الأمن والاستقرار وحفظ الدماء المصرية، إلا أنها أيضاً لن تفرط في الأمن والمصالح لصالح فئة لا تقدر قيمة الوطن وتفرط في دماء أبنائها لتهديد هذا الوطن.
وفض الاعتصامين جاء بعد صبر من الدولة امتد 48 يوماً، واستمرار هذه الاعتصامات كانت له آثار كارثية على المصالح الوطنية، فالآثار والتداعيات المباشرة لاستمرارها تمثل اعتداءً على حرية سكان هذه المناطق، خاصة بعدما تحولت لاعتصامات مسلحة، وبدأت في ممارسة أعمال إجرامية ضد السكان، وانعكاساتها السلبية على البيئة والصحة العامة بالتوازي مع الخدمات والمواصلات واقتصاد الدولة وتهديد السلم الأهلي بالمجتمع، وتزايد تهديدها بعد أن تحولت إلى محور استقطاب للتدخل الخارجي في الشأن الداخلي وتهديد الدولة المصرية وتماسكها واستقرارها، مهيئة الظروف لإعادة إنتاج النموذج السوري.
وبصراحة، كنا خايفين إن الخسائر تكون أكبر من كده، ونحن كنا نواجه حرباً معنوية من الطرف الآخر، وطالبناهم بفض الاعتصام، وقلنا: «لو سمحتم امشوا»، لكن الطرف الآخر لم يكن يريد أن يسمع ولا يفكر، وهذا ليس معناه الاستهانة بأرواح الناس.
■ ماذا كان سيحدث لو لم يتم فض الاعتصامين؟
– كان الرهان هو تفكيك البلد.
■ هل يمكن أن تعود مصر إلى أعتاب الحرب الأهلية مثلما كانت في نهاية عهد مرسي؟
– هذا لا يمكن أن يحدث، نحن نزلنا بإرادة الشعب لحماية البلد، حتى من يتحدثون عن إجراء استفتاء على خارطة الطريق، أقول لهم: «نحن تجاوزنا هذا المطلب ونعمل على تنفيذ إرادة المصريين».
■ هل توقعت المساندة التي سارعت بتقديمها السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن لمصر؟
– هذا الموقف نقدره، ولن ينساه المصريون للأشقاء، وبصراحة كان موقفاً إيجابياً فوق التوقع.