هنالك فارق كبير بين حصول الجيش المصري على “حق فيتو” على اختيار وزير الدفاع (لمدة ١٠ سنوات؟) وبين رغبة الجيش في استمرار محاكمة المدنيين المتهمين بقضايا أمن دولة أمام محاكم عسكرية. خصوصاً أن المحاكم العسكرية، أو محاكم أمن الدولة، يمكن أن تُستَخدم لضرب الحريات العامة، كما حدث في عهد مبارك.
في أي حال، قد يكون تسجيل “فيتو” الجيش على اختيار وزير الدفاع، بصورة مؤقتة”، ضمن مواد الدستور، أفضل من عدم تسجيله!
ما لا تتطرٌق له مصادر المؤسسة العسكرية المصرية هو الوزن الهائل، أي “السوفياتي” أو “الإيراني”، لاقتصاد العسكر ضمن الإقتصاد المصري، وبعض الأرقام تتحدث عن ٣٠ بالمئة من إجمالي الإقتصاد المصري! وهذا حتماً عامل مقوّق للنمو الإقتصادي في مصر، عدا أنه لا صلة له بالصراع مع “الإخوان المسلمين”!
أما دفاع ممثلي المؤسسة العسكرية عن حزب النور” السلفي فيذكّر بتحالف بعض أنظمة الخليج مع جماعاتها السلفية لمواجهة “الإخوان”. ورغم محاذير هذا التحالف في مصر، فإن فائدته قد تكون في عدم قطع “شعرة معاوية” مع الجماعات السلفية والحؤول دون ارتمائها في أحضان السلفية “الجهادية”!
الشفاف
*
كتب ــ عمادالدين حسين
خلال الأسبوع الماضى التقيت واتصلت بخمسة مصادر مهمة: الأول مصدر عسكرى والثانى قريب من المؤسسة العسكرية والثالث رئيس حزب سياسى والرابع أستاذ قانون والخامس باحث بارز وعضو فى لجنة الخمسين.. وكان القاسم المشترك الرئيسى فى النقاش هو المواد التى تخص مؤسسة القوات المسلحة فى التعديلات الدستورية الجارية حاليا داخل لجنة الخمسين، وجاءت حصيلة النقاش كما يلى:
المصدر القريب من المؤسسة العسكرية يعتقد أن لجنة الخمسين ينبغى أن تقدر رغبة الجيش فى وضع المادة التى تشترط موافقة الجيش على تعيين وزير الدفاع، ورأيه أنه بعد التجربة التى مرت بها مصر منذ إسقاط مبارك وحتى الآن، فقد تبين للجميع عمليا أن الجيش هو القوة الوحيدة الموجودة على الأرض الآن وربما لفترة مقبلة فى ظل ضعف معظم الأحزاب السياسية المدنية، وبالتالى لابد أن نعطى هذا الجيش أدوات تساعده فى حفظ البلاد من الوقوع فريسة لأى تنظيم أو جماعة منظمة تريد تغيير هوية مصر بأكملها.
يضيف المصدر أن المسألة ببساطة أنه يمكن لأى «شخص متنكر فى زى مدنى» أن يصل إلى الرئاسة ويعين من يشاء وزيرا للدفاع وهذا نظريا من حقه لكن بما يؤدى إلى تغيير هوية الجيش. فهذا الرئيس سيعين وزيرا للدفاع يختاره بنفسه، والوزير سيقوم بتعيين قادة الأفرع والمناطق والجيوش، وبالتالى قد نصل إلى وضع يتم فيه محاولة تغيير هوية القوات المسلحة لتتحول من مؤسسة وطنية جامعة إلى ميليشيا خاصة لجماعة أو لحزب.
ويكشف المصدر أن المعارضين لهذه المادة لا يريدون رؤية بقية الأمر وهى أنه إذا كان من حق الجيش أن يختار قائده فإن من حق رئيس الجمهورية أن يقيله ويعين بدلا منه شخصا آخر ولكن بعد موافقة الجيش وهكذا حتى يتم الوصول إلى صيغة وسط توافقية.
يضيف المصدر أن الجيش لا يريد أن تظل هذه المادة أبدية بل مادة انتقالية من مدتين إلى ثلاث مدد بمتوسط عشر سنوات مثلا وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها.
وبشأن هذه النقطة أيضا يرى المصدر أنه يصعب «أن نسلم رقبتنا لرئيس لا نعرفه، والمنطقى ألا يفقد الشعب السلاح الذى يملكه وهو جيشه الوطنى»، ولم نطلب من لجنة الدستور أن نتساوى مع النموذج التركى مثلا حينما كان رئيس الأركان هو صاحب الكلمة الأولى ويسبق الجميع وفى مقدمتهم رئيس الوزراء فى الصلاحيات.
يضيف المصدر «أنه لو كان محمد مرسى والإخوان اكتشفوا أن الجيش ليس على قلب رجل واحد لقام بإقالة عبدالفتاح السيسى من الشهر الأول وبحث عن شخص ينفذ أجندة الجماعة».
وبشأن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية ورفض بعض أعضاء لجنة الخمسين لهذا الأمر، قال المصدر العسكرى: «هل يعقل أن يقوم متظاهر أو بلطجى أو مخرب بحرق دبابة، ثم تجرى محاكمته لمدة سبع او تسع سنوات أمام القضاء العادى؟».
وعلمت «الشروق» أن الزيارة التى قام بها بعض ممثلى المؤسسة العسكرية إلى لجنة الخمسين منتصف الأسبوع الماضى لم تكن بصفة جوهرية من أجل مواد الجيش فى الدستور، بل لمحاولة تبصير بعض أعضاء اللجنة بقضايا أساسية، هى أن ثورة 30 يونيو لم تكن ضد الإسلام بل ضد الإخوان.
وأن الوفد قام بإجراء تقدير موقف استراتيجى يتضمن المخاطر الدولية والإقليمية والمشاكل الأساسية الصعبة التى تواجه مصر، ومنها غياب الأحزاب السياسية الكبرى والفاعلة.
وعلمت «الشروق» أيضا أن مسئولا عسكريا بارزا أخبر أعضاء اللجنة بأنه ليس متصورا أن نقوم بصياغة وكتابة دستور مثل الدستور الأمريكى أو الفرنسى ثم نفاجأ بأن الشعب لم يوافق عليه، لافتا النظر إلى أن «كوادر الإخوان فى قرى الصعيد والدلتا يكذبون على المواطنين ويخبرونهم بأن تحالف الجيش والليبراليين يحاول منع الصلاة فى المساجد والزوايا»، مضيفا أن أعضاء لجنة الخمسين ينبغى أن يراعوا طبيعة المصريين، وبالتالى فلو تم إنجاز دستور يلبى 60٪ أو 70٪ من الطموحات سيكون جيدا جدا، لأنه لابد بعد ثورة 30 يونيو أن ينال الدستور موافقة أكثر من 65٪ من المصريين أى أكثر من النسبة التى وافقت على دستور 2012.
وقال المسئول للجنة الخمسين إنه ينبغى التفريق بين «الفهم وممارسة الفهم»، ومعنى ذلك أننا نحتاج إلى مراعاة الواقع وعدم القفز النظرى عليه والوصول إلى توافق إلى حد ما فى الأفكار.
أضاف المسئول أن ما حدث فى 11 فبراير 2011 نظريا كان ضد الدستور وكذلك ما حدث فى 3 يوليو 2013، لكن هذه ثورات ونحن نثق فى الشعب الذى خرج فى المرتين مطالبا بحريته وكرامته.
وطالب أحد أعضاء وفد الجيش من لجنة الخمسين بألا تمس الهوية الإسلامية فى الدستور وأن يتركوا الأمر لمؤسسة الأزهر التى يثق فيها الجميع.
وقال العضو إنه لم يكن من الملائم تغيير عبارة غير المسلمين على إطلاقها والطبيعى أن تقتصر على الأديان السماوية أى المسيحية واليهودية، مضيفا أنه ليس من المصلحة العامة للوطن دفع حزب النور للانسحاب.. مؤكدا أن الأداء السياسى لحزب النور فى الشهور الأخيرة كان ممتازا وعمليا ومرنا.
وأكد المصدر أنه ليس من المنطقى أن يلوم التيار الليبرالى الإخوان والرئيس مرسى على ممارستهم الإقصاء السياسى بحق المعارضين، ثم يقوم نفس التيار بما كان الإخوان يفعلونه بالضبط.
وأخيرا كشف المصدر عن أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع كان يطلب من كل وفد أجنبى يلتقيه أن يرسلوا مراقبا أجنبيا على كل صندوق فى الانتخابات المقبلة، حتى يتأكدوا أن الانتخابات ستكون نزيهة.
فى المقابل، فإن أستاذ قانون كبيرا وعضوا بارزا فى لجنة الخمسين أبلغ «الشروق» أنه واثق من الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف بشأن مواد الجيش فى الدستور، يضيف الرجل أن إشكالية محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى يمكن حلها بتعديلات سريعة مثل أن يحاكم أمام محكمة مدنية ولكن خلال فترة قصيرة تضمن الردع.
وفى نفس الاتجاه، فإن رئيس حزب سياسى ليبرالى آخبر «الشروق» أنه واثق بأنه لن تكون هناك مشكلة كبيرة بشأن مواد الجيش، مضيفا، «ستكون هناك نقاشات صعبة لكننا سنصل إلى حل قريب».
لكن صحفيا بارزا يشغل عضوية لجنة الخمسين قال للشروق إن غالبية القوى المدنية داخل لجنة الخمسين ضد الصيغة الحالية لهذه المواد. يضيف هذا الباحث المرموق أن كل أعضاء لجنة الخمسين يكنون تقديرا بالغا للجيش ولدوره، لكن معظمهم يعتقد أنه ينبغى تعديل هذه المواد بشكل يطمئن الجميع على مستقبل البلاد.