حين تحل كارثة ببلد، فإن رد الفعل التلقائي هو التضامن، والبحث عما يمنع تكرارها، وتكون المنطقة، أو العشيرة، المصابة أشد سعيا إلى رأب الصدع، مع من يخاصمها، إلا “الحزب الحاكم”. فـ”مشحة” التضامن الوطني التي تخللت خطاب أمينه العام، إثر كارثة الرويس، لم توارِ استمراره على نهجه، وبدا تحذيره من ردود فعل انتقامية مستندا إلى استمراره المحسوم في نهجه ذاته: التورط في سوريا، والإصرار على ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، والثلث المعطل، وتمثيل الكتل النيابية، بحسب “أوزانها”.
وهو إن لم يأت عليها، في خطابه، فقد “ترجمها” نواب الحزب ووزراؤه، والمفوهون ممن “يزدردون” توجيهات قيادته، وكلها يصب في منحى تعقيد الأمور، وقطع الطريق على ولادة الحكومة، التي ذهب “طيبو النية” إلى اعتبار قيامها، بالتراضي، ضرورة ملحة لإخراج البلاد من المجهول السياسي والأمني.
والحال، أن الحزب يقطع الطريق ليس على ولادة الحكومة، فحسب، بل وعلى طاولة الحوار التي يدعو إليها رئيس الجمهورية، بقول رئيس كتلته النيابية “إن إعلان بعبدا ولد ميتا ولم يبق منه إلا الحبر على الورق”، فيما يتكفل منبريوه بوصف الرئيس بأنه أعطى الأرضية الصالحة للتفجيرات، كما يتكفلون بتعميق الشقاق مع قوى 14 آذار، لاسيما الرئيس سعد الحريري، شخصيا، بإتهامات بـ”حماية الإرهاب”، فيما كان الحديث المتلفز للأمين العام، قبل يومين من خطاب عيتا الشعب، يمهد الدرب بـ”إخباريات” بلا سند، لم يسمعها الآخرون، تغذي العدائية في نفوس جمهوره، وتشكك بوطنية الخصوم.
من ذلك: “يقولون إن الإنفجار بالمجموعة الإسرائيلية المعتدية في اللبونة من مخلفات حرب 1948″؟! و”قد نسمع البعض يقول إن من حق اسرائيل أن تدخل الأراضي اللبنانية”؟! و”هناك بعض القوى في لبنان لا تعتبر اسرائيل عدوا”؟!
وفيما يوحي خطاب الأمين العام بالسعي إلى تجنب الفتنة، يقسم مريدوه الأجهزة الأمنية بين حليف وخصم، ويأتي توجيه أهالي مخطوفي اعزاز إلى حصار مقر شعبة المعلومات لتأكيد عداء الحزب الحاكم لها، لعدم تراصفها مع غيرها تحت هيمنته.
لكن فضيحة الوقائع في المفارقة الآتية: يصرخ الأمين العام في خطاب يوم القدس قائلا“نحن شيعة الإمام علي… الشيعة الإثني عشرية الجعفرية”. وهو أمر لا حق لأحد في أن يناقشه فيه. لكن نائبه يحذر اللبنانيين، في اليوم التالي، من “المذهبية” ثم يعود الأمين العام نفسه، وبعد أيام، ليحذر من التحريض المذهبي، وكذا يفعل حواريوه، الذين يركزون على اتهام عرسال بكل الموبقات والجرائم، دون غيرها، ولأبعاد مذهبية- جغرافية.
سئل كونفوشيوس مرة لو جئت حاكما للصين، ما أول عمل تقوم به؟ أجاب: أبدأ بتحديد معاني الكلمات.
بين أقوال الحزب وأعماله، صار ذلك هو المطلوب. وكلمة المقاومة في الطليعة.
rached.fayed@annahar.com.lb
بيروت في 20 آب 2013