مع استمرار رحى الحرب الدائرة في سوريا تستطيع الجهات الفاعلة الخارجية أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في تغيير ميزان القوى من خلال الدعم المادي ورعاية الوحدات المسلحة الفردية. ومن بين الألوية الدولية الأكثر أهمية التي تقاتل حالياً إلى جانب نظام الأسد هي “لواء أبو فضل العباس”، وهو عبارة عن مجموعة من المقاتلين الشيعة العراقيين في الغالب الذين يخضعون لتنظيم ودعم “قوة القدس”، فرع نخبوي تابع لـ”الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني. ورغم صغر حجم ذلك اللواء، إلا أنه يستطيع إحداث تأثير استراتيجي على مسار الحرب. وبشكل أوسع نطاقاً، فإن توسيع حجمه ربما يمثل تحولاً خطيراً للمنطقة، مما يمنح طهران فيلقاً عسكرياً شيعياً عبر الحدود تستطيع استخدامه لدعم حلفائها خارج سوريا.
مدرَّبون من قبل إيران ويحاربون إلى جانب الأسد
وفقاً للخبير المستقل المعني بعمليات “لواء أبو فضل العباس” فيليب سميث، يتراوح عدد المقاتلين الشيعة العراقيين في سوريا بين 800 و2000 مقاتل.
وينتمي هؤلاء المقاتلون بشكل يكاد يكون حصرياً إلى ثلاث مجموعات عراقية. والمساهم الرئيسي في اللواء هي مجموعة “عصائب أهل الحق” التي يتراوح قوامها بين 2000 و3000 مقاتل كانت قد انشقت عن حركة مقتدى الصدر في عام 2006 بدعم من “قوة القدس” التابعة لـ “الحرس الثوري الإيراني” و «حزب الله» اللبناني. والمساهم الثاني هو “كتائب «حزب الله»”، وهم نخبة قوامها 400 رجل من المقاتلين الشيعة العراقيين المتمرسين يقدمون تقاريرهم مباشرة إلى قيادة “قوة القدس” التابعة لـ “الحرس الثوري”. أما المساهم الثالث فهو “كتائب سيد الشهداء”، وهي قوة قوامها 200 رجل يقودها أبو مصطفى الشيباني (المعروف أيضاً باسم حميد شيباني)، وهو شيعي عراقي عمل تحت قيادة “قوة القدس” منذ أواخر الثمانينيات.
وتشير التقارير أيضاً إلى وجود شيعة عراقيين من “منظمة بدر” و”لواء اليوم الموعود” التابع لمقتدى الصدر. وبغض النظر عن تكوينه الدقيق، يبدو أن “لواء أبو فضل العباس” قد استوعب نسبة كبيرة من الكوادر القتالية المتشددة المدعومة من إيران والتي ضايقت الجيش الأمريكي في العراق.
وفي الواقع، لعبت إيران لعبت دوراً رئيسياً في تشكيل ودعم الجماعات التطوعية العراقية العاملة في سوريا. فمنذ خريف 2011 — وهو الوقت الذي بدأ فيه المتمردون الشيعة في العراق يقللون هجماتهم على الأعداد المتضائلة للقوات الأمريكية في تلك البلاد — يبدو أن “عصائب أهل الحق” و”كتائب «حزب الله»” يرسلون مقاتلين إلى إيران ولبنان من أجل إعادة تدريبهم للتدخل في سوريا. وعلى وجه التحديد، جرى تعليم هؤلاء المقاتلين كيفية الانتقال من تكتيكات المتمردين المستخدمة في العراق (على سبيل المثال، زرع قنابل على جوانب الطرق، والقيام بهجمات الصاروخية باستعمال استراتيجية الكر الفر، وعمليات الاغتيال) إلى قتال الشوارع في المدن، والتدريب على المهارات العسكرية التقليدية المطلوبة لعمليات الأمن التي يقوم بها النظام في سوريا — وهي مهارات يمكن استخدامها أيضاً في لبنان أو حتى إيران إذا لزم الأمر.
ووفقاً لفيليب سميث، بدأ المتطوعون الشيعة العراقيون الوصول إلى سوريا بدءً من ربيع 2012 فصاعداً، وأصبح وجودهم أكثر وضوحاً بشكل تدريجي. وقد دخل بعضهم البلاد عن طريق مطار دمشق الدولي على متن طائرات الرحلات الجوية الإيرانية. ودخل آخرون براً من العراق، أو استقلوا حافلات الحجاج أو الشاحنات التجارية؛ وقد تعرضت بعض تلك القوافل للهجوم من قبل العناصر الجهادية السورية والعراقية داخل العراق قبل أن تتمكن من عبور الحدود. ويتناوب الآن معظم هؤلاء المتطوعين داخل سوريا وخارجها، ويقال أن بعضهم يقوم بتأدية عدة مهمات. وبالنسبة لمن يلقون حتفهم أثناء القتال، تعمل إيران بسرعة على نقل جثثهم إلى العراق لدفنها على الفور– ولعل ذلك هو المؤشر الأكثر وضوحاً عن مسؤولية طهران عن المتطوعين العراقيين الشيعة.
وتميل إعلانات الشهادة لهؤلاء المقاتلين إلى ترسيخ الادعاء الاسطوري بأن الدور الوحيد لـ “لواء أبو فضل العباس” في سوريا هو الدفاع عن مزار السيدة زينب الشيعي في جنوب دمشق. وفي الواقع، ينشط المتطوعون العراقيون عبر قطاع دمشق الجنوبي ذو الأهمية الاستراتيجية، حيث يعملون كلواء نيران موثوق به ويمكن نشره لإخماد الاضطرابات في ضواحي المدن بدون شفقة أو رحمة، والدفاع عن المطار، وحماية الأحياء السكنية المستخدمة من قبل نخب النظام. وقد تم تجهيز قوات “لواء أبو فضل العباس” تجهيزاً جيداً وهي متماسكة أيضاً، ويبدو أنها تستفيد من التدريب الذي وفره «حزب الله» في لبنان. وتشير إعلانات الشهادة أيضاً أن معظم هؤلاء المقاتلين هم في أواخر العشرينات من عمرهم أو أكبر سناً — وبعبارة أخرى، مقاتلون ذوي خبرة، وكثيراً ما افتخروا عما قاموا به عبر سنوات من القتال ضد القوات الأمريكية في العراق. وعلاوة على ذلك، تشير برقيات الوفاة والجنازات إلى أن ما بين 12 إلى 24 شخصاً من الشيعة العراقيين يلقون حتفهم الآن في سوريا شهرياً، مما يوضح التدخل المتقطع لـ “لواء أبو فضل العباس” في أعمال قتال طاحنة.
تأثير المتطوعين العراقيين
يمكن أن يكون للقوات صغيرة الحجم والتي تمتلك حوافز قوية، تأثير لا يتناسب مع حجمها في الحروب الأهلية، حيث غالباً ما يتركز القتال على مناطق محددة، وحيث يمكن أن تؤثر المعارك الصغيرة والرمزية على المعنويات بشكل كبير. ويعتبر التدخل المباشر لـ «حزب الله» اللبناني في “القصير” مثال واحد لهذه الظاهرة، كما أن الدور الذي تلعبه قوات “لواء أبو فضل العباس” المكونة من العراقيين في الغالب في عملياتها حول دمشق يمكن أن يصبح مثالاً آخر — لا سيما إذا قامت “قوة القدس” التابعة لـ “فيلق الحرس الثوري الإيراني” بتوسيع كوادر اللواء في سوريا بصورة أكثر من خلال مجموعة “عصائب أهل الحق”، التي تشهد بعض التطورات وفي طريقها لكي تصبح حركة سياسية جماهيرية. وسواء في سوريا أو في غيرها من البلدان، قد يصبح المتطوعون العراقيون سمة شائعة في الحروب بالوكالة المدعومة من إيران إذا لم يتم كبح جماحهم.
كما أن زيادة التدريب وتعزيز الخبرة القتالية لهذه القوات، إلى جانب استمرار المشاركة الإيرانية، قد يكون له تداعيات خطيرة على استقرار العراق في المستقبل. وليس هناك شك بأن إيران ستواصل في السنوات المقبلة الضغط على بغداد من أجل الحد من آثار العقوبات الدولية (على سبيل المثال، من خلال المطالبة بالوصول إلى القطاع المصرفي في العراق، وإلى احتياطيات العملات الأجنبية، والأسواق)، وتقييد القدرات العسكرية العراقية، والحد من نفوذ الولايات المتحدة. وسوف يكون لإيران حاجة مستمرة لتجنيد وكلاء عراقيين مسلحين. ويعمل نشر الشيعة العراقيين إلى سوريا على دمج هؤلاء المقاتلين بشكل أكثر قوة في “محور المقاومة” إلى جانب «حزب الله»، فضلاً عن تعليمهم مهارات قتالية تقليدية في وقت أصاب فيه الضعف والضمور الجيش العراقي في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية. ولهذا قد تواجه بغداد تهديداً أمنياً على مستوى أكبر بعد عودة هؤلاء المقاتلون الشيعة من سوريا بصورة دائمية، وأيديهم ملطخة بالدماء لكنهم أكثر ثقة بالنفس.
التداعيات على السياسة الأمريكية
في 25 حزيران/يونيو، أعلنت الحكومة العراقية أنها سوف تزيد من إجراءات المراقبة الحدودية وتوقف جميع الرحلات بين بغداد ودمشق لمنع المقاتلين العراقيين من دخول سوريا. لكن مع الأسف، فقد ثبت أن جميع العروض العراقية السابقة لوقف الدعم الإيراني لنظام الأسد كانت مجرد تصريحات جوفاء، وأن أحدث التقييدات المفروضة لن تمنع قيام رحلات مباشرة من إيران إلى دمشق. ورغم أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على السلطات العراقية لكي تقوم بعمليات تفتيش دورية على متن الطائرات الإيرانية المتجهة إلى سوريا، إلا أن السبيل الوحيد الفعال لاعتراض طريق تلك الرحلات هو من خلال جعل مطار دمشق — أو الأفضل من ذلك، المجال الجوي السوري — غير صالح لاستخدام النظام. كما تستطيع واشنطن أن تربط مساعداتها للعراق في مجال مكافحة الإرهاب (والتي تحتاج إليها بغداد بشدة) بالإغلاق المؤكد للمجال الجوي للبلاد وحدودها البرية — بصورة يمكن التحقق منها — أمام الرحلات والقوافل الداعمة للأسد.
وكثيراً ما يقال أن ضوء الشمس هو أفضل مطهر، لذا ينبغي على واشنطن أيضاً أن تبذل المزيد من الجهود لفضح دور الشيعة العراقيين في سوريا. على سبيل المثال، يمكنها استخدام أدوات العمليات المعلوماتية — مثل اجتماعات إحاطة من قبل كبار المسؤولين في واشنطن أو السفارة في بغداد — للتأكيد على أن الولايات المتحدة سوف تزيد باستمرار من إمدادات الأسلحة إلى المعارضة وذلك يرجع تحديداً إلى أن إيران و «حزب الله»، بتحريض من العراق، توفر الدعم المباشر لنظام الأسد. وإذا كانت الأسلحة تنتقل من ثوار سوريا إلى المتمردين في العراق، بحسب ما تزعمه بغداد، فإن هذا يرجع في جزء منه إلى دعم حكومة المالكي المتعنت لدمشق.
ينبغي على واشنطن كذلك أن تنتهز أية فرصة للحصول على أدلة ونشرها، والتي تثبت وقوع مجازر على يد عناصر شيعة عراقيين في سوريا، وهو أسلوب يقال أنه أصبح شائعاً في ضواحي دمشق. ومن شأن هذه الأدلة أن تدفع المؤسسة الدينية العراقية في النجف إلى ثني الشباب الشيعة عن التطوع للقتال في سوريا. إن تأمين هذا النوع من المساعدة غير المباشرة من النجف ورجل الدين البارز فيها، آية الله علي السيستاني، هو صعب للغاية نظراً لأن “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” يسعيان بقوة إلى تبني نظام ولاية الفقيه الإيراني في العراق، مع الإطاحة بالمؤسسة الدينية القديمة لصالح هيكل ترتكز قيادته في مدينة قم الإيرانية. ومن أجل تسهيل مشاركة [رجال الدين] في النجف، ينبغي على واشنطن أن تعلن باستمرار أنها تسلح المعارضة السورية ليس من أجل التحيز ضد الشيعة في حرب أهلية طائفية، وإنما للإطاحة بنظام إجرامي — أو على أقل تقدير، لفرض حالة من الجمود وحل وسط يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض من أجل حماية جميع الأطراف، بما في ذلك العلويين الشيعة في سوريا.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن مقره في بوسطن. وهو يود أن يشكر بامتنان المساعدة التي قدمها الباحث في المعهد أحمد البريج والخبير المستقل فيليب سميث، الذي يمكن الاطلاع على بحوثه عن المقاتلين الشيعة العراقيين في سوريا من على موقع http://jihadology.net/hizballah-cavalcade