هل هي مديرية للتوجيه في الجيش اللبناني أم مديرية للنفي؟
في الواقع هذا هو حال المؤسسة العسكرية منذ إنتهاء المعركة التي حسمتها في صيدا. أما أسوأ ما في الأمر أن كل ما تنفيه قيادة الجيش، ثوابت. وكأنما تسعى المؤسسة إلى الإختباء وراء اصبعها.
تبث التليفزيونات وتنشر الصحف مواداً تظهر مسلحين ملتحين، بلباس مدني أحياناً أو ببذات عسكرية, تلفها شارات صفراء أحياناً أخرى. فتنفي مديرية التوجيه في الجيش اللبناني أي مشاركة لأي طرف في القتال إلى جانب جنودها وتعتبره إفتراءً وتلفيقاً وتركيباً للصور.
جيد!!
قناة الـ MTV اللبنانية بثت بالأمس تقريراً خاصاً، تكلمت فيه إحدى الشهود من آل الصلح عن اقتحام مسلحين بلباس عسكري وشارات صفراء للمبنى السكني الذي تسكنه العائلة وعائلات أخرى وقد اتخذ المسلحون من المبنى مركزاً ومنطلقاً لبعض العمليات العسكرية بعدما طردوا السكان المدنيين بقوة السلاح, ولم يغادروه إلا بعد انتهاء العملية العسكرية على مسجد بلال بين رباح. عاد الأهالي إلى منازلهم في المبنى ليجدوا أبواباً مخلعة، ممتلكات مبعثرة، فوضى عارمة في الغرف وأغراضا شخصية مسروقة.
أمام هذا الواقع وإن صح بيان النفي فإن مديرية التوجيه تتهم عناصر الجيش اللبناني بالاقتحام والتخريب والسرقة. وطبعاً هذا ليس من شيم الجيش اللبناني ولا اعتدنا على سلوكيات مماثلة منه. إما الإتهام إذاً وإما مراجعة الحسابات واحترام عقول المواطنين.
نحن في لبنان في ظل دولة برلمانية ديمقراطية ذات دستور مدني وقوانين مرعية الإجراء، الجيش مؤسسة من مؤسساتها ويخضع لسلطتها السياسية وليكن ذلك واضحاً. ومن هذا المنطلق إن أي إعتداء على الجيش هو إعتداء على مؤسسات الدولة، وللدولة حصرية الرد عبر قواتها المسلحة والشرعية وإن أي إشراك لأطراف وفصائل وأحزاب من خارج هذه الشرعية هو بمثابة دعوة لجميع الأطراف للتسلح ونشر الفوضى.
إن المؤسسة العسكرية التي تكتسب شرعيتها من الشعب والتي حظيت بتأييد سياسي وشعبي واسع جداً مع بداية العملية العسكرية قررت على اثره الذهاب بالمعركة إلى الآخر والحسمم, مطالبة اليوم بمراجعة دقيقة وشفافة لحساباتها بداية بالإعتراف بأنها فشلت بالحفاظ على ثقة كل ابناء شعبها وبدا ذلك جلياً من خلال ردات الفعل الغاضبة والإنفعالية جراء الملابسات والثغرات التي تكشفت اثر سقوط عبرا.
ولأن الفارق بين الرقي والحقد، والأمن والإنتقام، مؤسسة. لا نقبل من جيشنا إذلال وضرب المعتقلين ولا نقبل تعذيبهم حتى الموت ومن ثم الهروب إلى الأمام والنفي من خلال بيانات تفتقر للدقة والموضوعية. ولا نقبل من جيشنا التشبه بالظالمين وأجهزة مخابرات الأنظمة البائدة التي لفظها اللبنانيون في ال2005. ولا نقبل من جيشنا الإعتداء على صلاحيات السلطة القضائية التي تملك حق التحقيق والمحاسبة والإقتصاص.
جمهور القوى السيادية في لبنان يعيش غضباً وانفعلاً بسبب إدراكه لحجم الإختراق داخل مؤسسة يجد فيها وحدها ضمانة لأمنه واستقراره واستمرار وجوده. من واجب المؤسسة ومن حقها عليه أن تعيد ترميم علاقتها به، فهو على الأقل لا يقتل “بعفوية”. هذا الجمهور الذي طالما آمن بالدولة وبقرارها المركزي وحصرية سلاحها رغم كل الثغرات والتقصير بحقه, يريد اليوم ضمانات كي لا يلجأ إلى ظواهر غريبة عن بيئته وطبيعته.
لقد ضاق الجمهور السيادي ذرعاً من مقولة ان الجيش البناني هو ثاني أقوى جيش.. في لبنان.
m.chreyteh@gmail.com