تتوالى التسريبات حول ما يراد ومالا يراد بحثه في مؤتمر جنيف بشأن ملامح الحل السياسي في سورية ، وفيما يحاول الثنائي كيري / لافروف رسم خريطة نهائية لسقف هذا الحل الموعود (!) يجتهد أغبياء المعارضة السورية منذ عدة أيام في اسطنبول لإيجاد صيغة تناسب أمزجة كل المتسلقين ، وتفصيل توسعة جديدة للائتلاف المعارض لاتستفز تلك الأمزجة أو داعميها أو تحجب عن بعضهم سلطة الحل والربط (!) ولا يهم في هذا المقام مايحصل في القصير أو الغوطة أو أي مكان آخر على امتداد الجغرافيا السورية المنهكة بحروب الآخرين عليها ، والمثقلة بتفاهة تلك المعارضة ووضاعتها .
هل انتبه أولئك المتصارعون في اسطنبول إلى مارشح عن اجتماع كيري / لافروف الأخير من استثناء (الجيش والأمن والاستخبارات والبنك المركزي) من أي بحث في مفاوضات جنيف ؟! وهل وصل الخبر إلى مسامعهم أم أن علوَ الأصوات في قاعة اجتماعهم ، صراعا وتخوينا ، صمَ آذانهم عنه؟
إن صحَت تلك التسريبات ياسادة فماذا سيبحث المؤتمر ؟ وعلى ماذا سيتفاوض اولئك المعارضون المتعارضون مع سلطة العصابة ؟ …
إذا كان البحث لن يطال أهم عناصر قوة تلك العصابة ومؤسساتها ، فهل نصدق بعدها أنه يمكن أن يجري الحديث عن رحيل الأسد وعصابته ؟!!
ندرك جميعا – ولاحاجة لإعادة الإنشاء فيه – أن مايجري في سورية الآن لم يعد له أي صلة بما قامت الثورة من أجله وأنه ليس إلا محض صراعات قوى دولية واقليمية بأدوات محلية .. فهل يمكن أن يأتي الحل في جنيف إلا بما يحقق مصالح تلك القوى وبذات الأدوات المحلية ؟ … هل يمكن أن يتمخض جنيف إلا على خلاصات هذا الصراع ومآلاته الحالية على الأرض ؟ ..
هذا يعني أن ماسيكون في جنيف ليس إلا إعادة انتاج نظام جديد بذات القوى والأدوات القديمة – بذات الوجوه أو بغيرها لايهم – لكن الجوهر والمحتوى والوظيفة الاقليمية والدولية لن تتغير … سلطة وظيفية تلبي احتياجات الآخرين وتصون مصالحهم وبالطبع ليس من بينها مصالح السوريين وحاجاتهم .. ليس من بينها مئات آلاف الشهداء والمعتقلين والأرامل والمغتصبات والمشردين .. وليس من بينها بلد دمِر وعاد لبدائيته الأولى !!! .
لحظة صمت أيها المؤتمرون ( بكسر الميم ) المؤتمرون ( بفتح الميم ) في اسطنبول لكي تسمعوا رأينا .. صوتنا .. لكي تسمعوا نحيب الثكالى وألم الموجوعين والمهجَرين .. لكي تسمعوا نشيج مغتصبة تدفن رأسها بين ركبتيها المدمَتين في ركن معتم …
ليس في جنيف مايغري الذهاب إليها – رغم كل أناقتها وسحر طبيعتها – إن كان السفر إليها سيعيد رقاب السوريين لتكون مرة أخرى تحت حد السكين .
اتفقوا هذه المرة كيفما اتفق أو استقيلوا جميعا واحترموا تاريخكم وشخوصكم وأرواح الشهداء ، واتركوا لمن صنعوا الثورة فرصة انتاج بديل عنكم يعبر عنهم وعن أوجاعهم والمستقبل الذي يبغون … لكن لاتوقِعوا على صك جديد لعبودية السوريين … فالعودة إلى الوراء تعني موتا سريريا لسورية والسوريين لمئة عام أخرى .
محام وناشط حقوقي مستقل