الادارة الاميركية لا تريد تسليح المعارضة السورية ﻷن المسرح السوري لا يغري الاميركيين، على ما يبدو، لاحداث تعديل فيه. المشهد يبدو مثاليا. لا يحرك البنتاغون بوارجه باتجاه المتوسط، فقط البوارج الروسية وقطع بحرية ايرانية ترسو بين الحين والآخر على الشواطىء السورية. الغرب مهتم بعدد عناصر جبهة النصرة وتسجيل ارقام الضحايا من السوريين، والغرق في جدل حول أعداد النازحين السوريين داخل سورية وخارجها.
لا يعاني النظام السوري من نقص في صواريخ السكود، ولا يبدو ان طائرات الميغ على انواعها قاصرة عن استهداف اي مدينة او قرية او مبان على امتداد الاراضي السورية. لكنه عاجز عن انهاء كل هذا الحشد المتنامي ضده على امتداد الارض السورية. حشد يعكس مدى عجز القوة العسكرية وترسانة النظام عن اخماد الثورة التي يدرك، من خلال حساسيته الامنية، انها نار في هشيم السلطة التي يبست جذورها واصفرت غصونها، وما عادت تثمر، ولا تميل مع ريح الشعب، ولا شيء في النهاية الا الموت والاقتلاع. فالنظام السوري، رغم التفوق العسكري والدعم الهائل، لم يستطع ان يحسم الموقف. بدا اشبه بسلطة احتلال فاقدة للثقة بكل ما يحيط بها، يدرك ان تراجع الثقة لدى البعض بالمعارضة لا يعني انه هو من يستعيدها.
سيمضي وقت طويل وستقصف اعمار كثيرة وتدمر منشآت وبيوت وتتشرد عائلات قبل ان تنكسر شجرة النظام اليابسة او قبل ان يعلم الناس انها انكسرت، ورغم كل الامصال التي تتلقاها من الحلفاء: لا حياة ولا استجابة لكل المنشطات. ثمة نظام انتهى، وما بقي منه هو هيكل بلا روح ولا نبض. بلا مستقبل. فقط يستعيد ماضيه البائس على شكل مهزلة قاتلة. لا غد له غير النهايات الطبيعية للاشياء. انتهى النظام وما يجري اليوم محاولات حثيثة لتمثيل دوره من قبل الجهات التي تدعمه، من القتال باسمه، الى النطق باسمه، بعدما صار مجرد قناع يتخفى به آخرون. لكن يبدو ان وسيلة القناع لم تعد مفيدة وحدها، بات الامر يتطلب اساليب اخرى: استدراج الآخرين الى المعركة وادخال عناصر جديدة الى المواجهة. اذاً لا بأس بالعمل على تسعير المذهبيات، بابتداع شروخ جديدة قد تحوّل الانظار عن شرخ الاستبداد العميق الذي قامت الثورة ضده.
كمّ الساحر مليء بالارانب، وحرفة حرف الانظار عن جوهر المشكلة التي يمثلها النظام. والألاعيب لم تتوقف. ثمة ارانب ما زالت مخبأة في اكمام السحرة والمشعوذين وتتشوق لتطل برأسها. هي اذن استكمال لحرب تموز عام 2006 كما قال النائب نوار الساحلي امس في وصفه ما تقوم به المقاومة في سورية. قال هذه المرة “المقاومة” ولم يقل حزب الله ولا شي آخر، بل مقاومة. إذاً من يقاتل في سورية دفاعا عن النظام هو يقاوم العدوان الاسرائيلي، ومن يسقط هناك هو كشهداء الحرب ضد اسرائيل. لقد حسم الموقف وبدأت المقاومة الاسلامية، اخيرا وبعد تردد، بتذييل توقيعها على كل نعي لاولئك المحملين في نعوش آتية من الاراضي السورية الى لبنان. لكن كلمة “المقاومة” الاسلامية، وان هدّأت من روع بعض اهالي الضحايا، إلا أنها باتت تثير قلقا طبيعيا وعفويا لدى الكثيرين من الذين لا يريدون ان يقاتلوا في سورية، ولأهاليهم الذين لا يريدون لأبنائهم ان يكونوا في موقع ملتبس، في الحد الادنى، بعدما أُشبعوا بخطاب “العدو الواحد” و”البوصلة” التي لا تشير الا الى فلسطين.
في سورية ليس هناك افق لانتصار النظام او بقائه، يبرر التدخل. فالتورط اللبناني في المواجهات لا نتيجة له غير الكراهية والدم مع الشعب السوري، وتعميق الشروخ المذهبية. وتحمل وزر ما يرتكبه النظام من مجازر لا علاقة للبنانيين بها، وهو أيضاً تسعير للفتنة ومساهمة في تدمير سورية، وتدمير لجسور العلاقة بين شعبين. علاقة لم يرتق اليها نظاما لبنان وسورية طيلة العقود الماضية. واذ ذاك هل من يعتقد انه ستبقى حصة من العداء والكراهية لاسرائيل، او من التطلع الى الوئام والتعاون بين الشعبين؟ هذا اذا اتاح سلوك مماثل بقاء بقية اللبنانيين متفرجين على مثل هذا التورط المدمر لما تبقى من هيكل الدولة ووحدة الشعب، في لبنان وفي سورية.
لذا خسائر المقاومة في دعم النظام السوري المرفوض من اكثرية الشعب، لن يعوضه اي انتصارعسكري انتصار ان تحقق سيبقى موضعي وآني لأنه على ارض ليست ارضها وعلى شعب لن يرضى بأن يستهان به على ارضه.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد