في اليومين الماضيين سلسلة من عمليات الخطف والقتل والتفجير من البقاع الى الجنوب. رسائل امنية ودموية في اكثر من اتجاه. والفتنة هي العنوان الذي يفرض نفسه عقب كل عملية خطف او جريمة قتل او تفجير. بعدما هدأت الجبهة نسبيا على محور بعل محسن وباب التبانة في طرابلس، وخفتت اصوات المواجهات في صيدا، فُجعت حاصبيا بمقتل احد مشايخها سلمان توفيق الحرفاني، ما استدعى توجه النائب وليد جنبلاط والنائب طلال ارسلان الى حاصبيا اثر هذه الجريمة الغامضة.
ابناء حاصبيا استشعروا خطرالفتنة: لا اتهام لأي طرف، لكنّ دائرة الاحتمالات واسعة وخطرة، تصوب نحو خارج حاصبيا. الكل يجمع في البلدة على ان لا خصومات للشيخ الشهيد. ربما هذا ما استدعى ان يبقى النائب جنبلاط بين اهل الضحية ليل الاربعاء رافضا اي تورط في ردود فعل غير محسوبة، والرسالة الواضحة التي وجهها الى ابناء البلدة: لا تُستَدرجوا الى الفتنة، ولتضطلع الاجهزة الامنية بدورها لكشف الجناة.
اللافت في مسلسل الرسائل الامنية هو الغياب السياسي الرسمي. إذ لم تظهر اي مواقف او ردود فعل. الخطف يتم بشكل علني، والمرتكبون لا يجدون اي مانع في الاعلان عن مسؤوليتهم. الجهات الرسمية تبدو متفرجة بقرار سياسي، وكأنها تتابع كيف يتهاوى الامن، من دون ان تظهر اي ردة فعل جدية تحد من تسيب الامن بهذا الشكل المريب: فهل الامن متروك ام ان ثمة من يهندس هذا التخلي او البرودة في التعامل مع الاحداث الامنية المتنقلة من منطقة الى اخرى؟ في كل هذا المسلسل من الجرائم خلال اليومين الماضيين لم يخرج وزير الداخلية على اللبنانيين بأي موقف او تعبير يظهر انهماك الحكومة في لجم هذا الفلتان. هو تنصل عملي يوفر لمن يريد العبث بالامن مناخا ملائما لتحقيق مآربه، من دون ان تكون المآرب سياسية بالضروررة، بل قد تكون جرمية ومالية ولاهداف لا علاقة لها بالسياسة.
كل ذلك يجري على ايقاع الغموض الذي يحيط بمواقف اقطاب المعارضة والموالاة، من شكل ومضمون الحكومة العتيدة وهوية رئيسها، وصولا الى مصير الانتخابات النيابية التي بات الحديث عن مواعيدها يتجاوز مبدأ التأجيل الى تحديد مدته بالسنوات لا الشهور. لكنّ العنوان الاهم يبقى مستقبل المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، التي بات رأسها اللواء اشرف ريفي بحكم المتقاعد. ولان ثمة اجماعاً لدى قوى 8 آذار على منع عودته بالوسائل كافّة، فكيف اذا كان النص القانوني يلبي هذا الهدف، لا بل يوفر فرصة لبدء خطوات الانتقال الى مرحلة التحكم بالمديرية وتشكيلاتها او المشاركة بتوجيهها وادارتها في الحد الادنى.
ولان الاولوية الامنية لا يعلو عليها شيء، في حسابات قوى 8 آذار وحزب الله على وجه التحديد، تصبح فرصة التمدد الى مديرية قوى الامن الداخلي، وبالتالي “شعبة المعلومات”، اولوية الاولويات. لذا يمكن ادراج استقالة الرئيس نجيب ميقاتي في اطار تمرير عملية التمدد هذه بمعزل عن اي مسؤولية لرئيس الحكومة عن المشاركة فيها. لا بل هو اعترض واستقال واعلن تمسكه باللواء ريفي. لكنّ ذلك لن يغير في مسار الامور شيئا. الا ان يقول الرئيس ميقاتي لمن يعنيه الامر: “لا يكلف الله نفسا الا وسعها”.
تنتهي ولاية اللواء ريفي بشكل قانوني، ولا بأس ان يرافق خروجه المزيد من عمليات الخطف والتدهور الامني وعمليات القتل، ولا بأس بمزيد من الفوضى واظهار العجز. فإذا هدأت في طرابلس يمكن ان تنفجر في البقاع، واذا صمت الشيخ احمد الاسير في صيدا فيمكن ان يغتال شيخ في حاصبيا، او ترمى قنبلة على مسجد في مخيم القاسمية. ويمكن ان تتكرر حوادث من قبيل العثور على جثة لشيعي في منطقة سنية او العكس. لكن فوق ذلك كله يبقى ان التضييق على النظام السوري، عربيا، سيزيد من ردود فعل لبنانية تفرض في المرحلة المقبلة المزيد من اعلاء شأن التحكم والسيطرة على الاجهزة الامنية. فالهوامش الامنية على المستوى الرسمي لم تعد محل قبول، لذا كانت استقالة الحكومة اقل كلفة لدى حزب الله من بقاء اللواء اشرف ريفي في موقعه الامني.
كاتب لبناني
alyalamine@gmail.com
البلد