ذهب البوطي ومعه العشرات ضحية تفجير نفذه انتحاري في مسجد الإيمان، حسب الرواية الرسمية للنظام، واختلفت الآراء حول طريقة مقتله، كما اختلفت في طريقة تناول شخصيته . لكن المتفق عليه أن البوطي، بلا شك كان يمثل أعتى رمز ديني في إكليروس النظام الأسدي، ومن أشدهم صلابة في الدفاع عن السفاح، ومن أكثر فقهاء السلطان تغطية لجرائمه. حتى أنه شكل العمود الأساس في كهنوت العائلة الأسدية، وملقن أمواتها، والممسك بأيديها إلى الجنة، كما كان يعتبر من أعتى فقهاء السلطان عداء للثورة، عندما اعتبر أن المتظاهرين لا تعرف جباههم السجود، أي أنه نزع صفة الإيمان عنهم، وأضاف للمؤمن شرطا جديدا حتى يصح إيمانه، وهو أن لا يتظاهر، وأن لا يخرج عن طاعة سلطان جائر!
ولعله سقط من حساب الشيخ البوطي أن النظام الذي خدمه لعقود، يمكن أن يضحي به لأجل تحقيق مصلحة خطرت ببال العقل الشيطاني المخابراتي لدى النظام، وهي في أن يدخل في خلد المواطنين أن هؤلاء المتطرفين لا يستهدفون النظام وحده، إنما يستهدفون المساجد ورجال الدين والعلماء والمصلين وطالبي العلم أيضا!
وقد تبدت هذه الحقيقة في التغطية الإعلامية الرسمية لعملية التفجير وفي التركيز على الطبيعة الإجرامية لمرتكبيها سعيا لاستثمار العملية وتوظيفها سياسيا، ولتوجيه رسالة للفئة المؤيدة للنظام من الإسلام المديني المعتدل والصامت تحذرها من خطر هؤلاء المتطرفين! بعدما تبين أن كفة الإسلام المديني المعتدل أخذت تميل إلى جانب الثورة، وبعدما أخذ مريدو وأتباع البوطي ومفتي دمشق عبد الباري ومفتي الجمهورية حسون بالانفضاض عنهم وعن النظام.
وكمثال آخر على الاستثمار الإعلامي، والتوظيف السياسي، التفجير الهائل المزدوج الذي وقع في القزاز في 10 / 5 / 2012 والذي تصادف مع وصول المراقبين الدوليين. فقد رأينا كيف أنه حظي بتغطية إعلامية لافتة من وسائل إعلام النظام، هدف النظام من ورائها الإيحاء للمراقبين الدوليين وللمجتمع الدولي أن ما يجري في سورية ليس ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة، إنما هي مجرد أعمال إرهابية تنفذها عصابات مسلحة متطرفة، ترمي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. والأمر اللافت في سلوك النظام أيضا هو سرعة توجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم “فتح الإسلام” المرتبط بتنظيم “القاعدة” حسب زعمه، وهو ما حدث أيضا بعيد تفجير البرامكة مع قدوم لجنة المراقبين العرب برئاسة الدابي.
والجدير بالملاحظة ، أن تفجيرات أخرى كثيرة وقعت في أنحاء مختلفة من سورية لم يعرها الإعلام السوري أي اهتمام، خلفت آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين، بل ولم يأت على ذكرها، لأن النظام أراد من خلالها توجيه رسائل عملية مباشرة للسوريين بأن يعودوا عن الثورة، ويكفوا عن التظاهر، وإلا فإنهم سيواجهون القتل والتفجير في كل حدب وصوب .
ومن اللافت أيضا، تعامل النظام بخفة مع جميع التفجيرات، كونه لا يعنيه منها سوى ما يحصده من نتائج يستطيع توظيفها في خدمة سياساته في الإجهاز على الثورة. فلم نر لجان تحقيق تشكل عند كل تفجير تعمل على كشف ملابساته، أسوة بما يحدث في دول أخرى، ولم نر أية إحاطة بموقع التفجير لمنع العبث بالأدلة المادية والجرمية، ولم نر محققين يقومون بجمع الأدلة وأخذ العينات والتحفظ عليها، ولا عمليات تحليل الحمض النووي للضحايا أو الانتحاريين بحسب زعمه. بل ولم يطلع علينا أي مسؤول لتوضيح حقيقة ما حدث وإظهار الأدلة الجرمية التي بحوزته ولا أسماء المشتبه بهم من خلال معرفة رقم السيارة المفخخة التي يمكن التوصل إليها عادة من خلال رقم محرك السيارة، أو هيكلها. ومعروف أن هذه الامور هي من أولى البديهيات في عالم التحقيق الجنائي. على العكس من ذلك، فإن كل ما رأيناه هو مقاطع مصورة لموقع التفجير وقد عمته الفوضى وهتافات الشبيحة والنبيحة، وطواقم الإسعاف تنقل جثث الضحايا والجرحى، والدفاع المدني وهي تقوم بتنظيف المكان وشطفه مباشرة وكأن شيئا لم يكن. إلى ماذا يشير كل ذلك؟
الأمر الآخر اللافت، هو السرعة في توجيه أصابع الاتهام. إذ تعودنا بعيد كل تفجير بنصف ساعة قيام النظام بتوجيه الاتهام إلى تنظيم إسلامي متطرف، كفتح الإسلام أو جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة. والجميع يعلم، أن مسألة تحديد هوية المتهم أو المشتبه به في جريمة كبيرة، كجريمة التفجير، تحتاج إلى أشهر، أو سنوات، حتى يتم الانتهاء من التحقيق بشأنها، ومن ثم توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجهة أو تلك. فعلى سبيل المثال، استغرق التحقيق في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري حوالي ست سنوات حتى تمكنت لجنة التحقيق الدولية من وضع ملف القضية أمام المحكمة! عدا عن أن العديد من حوادث التفجير والاغتيال التي حدثت في لبنان، والتي كان آخرها اغتيال اللواء وسام الحسن، لم يتوصل التحقيق فيها إلى فكفكة ألغاز تلك الاغتيالات حتى بعد مرور أشهر وسنوات على وقوعها! مع معرفتنا بظروف التحقيق في بلد كلبنان.
وبالعودة إلى تفجير جامع الإيمان الذي ذهب ضحيته الشيخ البوطي، وكيفما كانت طريقة التفجير أو التصفية، فإن النظام السوري بتوجيهه الاتهام للمتطرفين الإسلاميين، بعد دقائق من حدوث التفجير، يؤكد صحة ما ذهبنا إليه، بوصفها عملية جاءت بتأليف وإخراج أجهزة أمن النظام. وما يزيدنا قناعة إزاء هذا الاستنتاج هو أننا لن نشهد تحقيقا في التفجير، ولا لجنة تحقيق نزيهة، ولا قضاة نزيهين، ولن نرى محاكمة لمتهمين، ولا عدالة تنصف الضحايا، وستذهب القضية أدراج الرياح كما ذهب غيرها، لأن الفاعل واحد، وهو من وقف وراء معظم الاغتيالات والتفجيرات التي وقعت في سورية ولبنان. وهو من ينطبق عليه القول: اسأل من كان بها خبيرا؟
عمان 23 / 3 / 2013
* كاتب سوري ــ لاجئ في الأردن
تفجير جامع الإيمان: اسألوا من كان بها خبيراً!كان جاك فيرجييه معجبا بالثوريين مثل (ماجدلينا كوب) الألمانية التي كانت صحفية فقررت بعد رؤية معاناة الفلسطينيين المستضعفين أن تذهب للشرق الأوسط وتودع الصحافة وتنضم للمقاومة. ويبرر دفاعه عن الضابط النازي باربي أن الرجل حف به 38 محامي وقاض كلهم يطلب رأسه فرأى أن من واجبه أن يقف في الطرف المقابل، مما تتطلب الأمر حماية من البوليس ولكنه صرخ في القاعة، لم يكن باربي الوحيد بل هناك من الفرنسيين من تعاون مع النازيين فهل ستطالهم يد العدالة أيضاً؟ كما يظهر إعجابه بشخصية تشي غيفارا القيادية.. ترك أفريقيا وعمره 17 سنة لينضم للمقاومة الفرنسية… قراءة المزيد ..
تفجير جامع الإيمان: اسألوا من كان بها خبيراً!مصرع البوطي في بعدها الإنساني بقلم د. خالص جلبي تاريخ النشر : 2013-03-24 مصرع البوطي في بعدها الإنساني بقلم د. خالص جلبي يوم الخميس 21 مارس 2013 ختمت حياة البوطي (اللغز!). انتهت بئيسة مدمرة مأساوية عنيفة مغموسة بالدم. مع ذلك مات سيده الأسد الأب على عربة حربية والناس تلطم! … أما الأسد الابن فلا أحد يرجم بالغيب. ولكن ستكون دموية بوطوية غالبا. وكلا أخذنا بذنبه. كان التفجير في دار عبادة وبين صلاتي المغرب والعشاء. كنت أكرر كثيرا في نفسي أي لغز خلف هذا الرجل ليقف بصلابة في تأييد نظام شرس دموي؟ أعترف أن… قراءة المزيد ..