“بورقيبة لم يقتل ابني، بن علي لم يقتل ابني، وراشد الغنوشي قتله”
والد الشهيد شكري بلعيد
(جون أفريك 10/02/2013)
*
السيد رئيس الحكومة
اغتيال ممثل حزب “نداء تونس” في مدينة “تطاوين”، الذي طالب مجلس شورى النهضة مؤخراً بتحرير قتلته، كما لو كان القتل قد نفُذ بفتوى شرعية منه؛ واغتيال “شكري بالعيد”، الذي اتهمت اسرته وهو نفسه اتهم، عشية اغتياله، راشد الغنوشي بالجريمة… زيادة على عشرات الأحداث والوقائع الأخرى التي تعرفها جيداً، تمهد جميعا يوماً بعد يوم الطريق للحرب الأهلية التي قد تجعل تونس لسنوات عدة بلا مستقبل.
مبادرتك بالسعي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط،رغم معارضة أقصى يمين النهضة لها، ربما سيكون المحاولة الأخيرة لإنقاذ البلاد قبل طوفان الفوضى الدامية، الخلاقة للفوضى، والتي ما زال يغذيها أقصى يمين النهضة بجميع توابل الفتنة التي يعرف تاريخ الإسلام أهوالها جيداً.
مبادرتك ضرورية ولكنها غير كافية. جعلها كافية يتطلب توفير شروط عدة منها:
1 ـ التخلص من سيطرة أقصى يمين النهضة، بقيادة راشد الغنوشي، الذي تعرف ويعرف الإعلام والعالم كله أنه الرئيس الفعلي للحكومة والجمهورية والمجلس التأسيسي؛ وانك، والمرزوقي، وبن جعفر، لستم حتى الآن إلا مجرد طرطور!.
كيف يمكن أن تتخلص منه؟
عودته ـ إعاته ـ إلى لندن، هو المصاب ببارانويا هاذية، جعلته لا يبالي بآلام الآخرين، وبهذيان ديني مزمن، يلخصه شعاره المجنون عن”التصحر الديني في تونس”، الذي هو اعادة صياغة لـ”جاهلية القرن العشرين” القطبية، في بلد تغص جوامعه ومساجده بالمصلين!.
قالت مبعوثة اليومية لوموند منذ يومين ان “شائعة” تنتشر أكثر فأكثر عن عودة الغنوشي إلى لندن”. هذه العودة “الإعادة” ستشكل إزاحة عائق سياسي هائل أمام تشغيل خشبة أنقاذ تونس من الحرب الأهلية ومن اللامستقبل الذي سيعقبها والتي يعمل الغنوشي على توفير شروط اندلاعها، هو “الذي اختار دائماً العنف على الحوار” (عبد الفتاح مورو).
2 ـ الحكومة الوحيدة الرشيدة، في العالم الذي نعيش فيه، هي حكومة وسط اليمين ووسط اليسار.أما حكومة اقصى اليمين، كما في إيران والسودان وكوريا الشمالية أو في تونس، التي يصنع قرارها بالهذيان الديني راشد الغنوشي، فلم يعد لها في عالم اليوم مكان.
3 ـ ما هو بديلها؟ هو الحكم الرشيد:حكم أهل الكفاءة العلمية وأهل التجربة العملية معا.أهل المعرفة والخبرة 80 % على الأقل منهم هم اليوم سجناء بأمر الغنوشي في ظروف لا إنسانية. لا شك انك قرأت المقال الذي نشرته اليومية الفرنسية “لوفيغارو” مؤخرا لمحاميين فرنسيين منعتهم حكومة “المرشد” [وهي ترجمة للكلمة الألمانية الفوهرر] حتى من لقاء موكليهم. ومما كتباه أن تونس، لأول مرة في تاريخها، “تُصدر فيها السلطة التنفيذية أحكاماً نافذة بالسجن”، محولة هكذا السلطة القضائية إلى طرطور آخر.
المطلوب الملحّ والمهم، لإنقاذ تونس اليوم من الخراب الداهم،ليس تحرير الكفاءات والخبرات التونسية السجينة وحسب، بل وأيضاً وخصوصاً إشراكهم في الحكم. لماذا؟ عكساً لهذيان الغنوشي القائل “الثورة أزالت طبقة وأتت بطبقة جديدة لتحكم مكانها”. في عالم اليوم، الحقيقة السياسية، التي يعاقب نفسه كل سياسي يتجاهالها:أنه في عالم العولمة وثورة الاتصالات وضرورة احترام حقوق الإنسان، لم يعد جائزاً ولا ممكنا شطب طبقة لطبقة أو نخبة لنخبة أو طائفة لطائفة أو أكثرية لأقليية. الحكم الرشيد هو الذي يُشرك جميع النخب والطبقات في السلطة والثروة حسب وزن كل واحدة منها كترياق ناجع للعنف ووصفة مجربة للإستقرار والإزدهار والسلام الإجتماعي.
تصور ما ينظر تونس من استقرار لو أن كل وزير تكنوقراط يحيط نفسه بمجلس مستشارين من الوزراء السابقين القابعين اليوم في السجن،ولو أن كل وال ومعتمد يحيط نفسه بأسلافه السابقين كمستشاربين عندئذ ستتبدل حال بلادنا من النقيض إلى النقيض:من الوقوف على شفير الحرب الأهلية إلى الدخول بقدم راسخة للتنمية.
السيد رئيس الحكومة
لا شك أنك تعي اليوم ان “الأمن السياسي” الذي تم حله ارتجالياً من وزير داخلية أحمق قد فتح “صندوق باندوره”، أي فوضى حمل السلاح. فأصبحت تونس مذ ذاك مرتعاً للقتلة والإرهابيين وساحة لتدريبهم ومصدراً لتصدير الجهاديين إلى سوريا ومالي لنصرة جبهة النصرة.وهكذا تحولت تونس إلى قاعدة للـ”القاعدة”…
السيد رئيس الحكومة
أعد الأمن السياسي وحدد له مهامه،التي لن يكون منها مضايقة المجتمعين المدني والسياسي ولا المواطن وحصره فقط في ملاحقة الفاعلين للفوضى وللفوضى الدامية، وسترى كيف سيعود الأمن المفقود في وقت قياسي.
السيد رئيس الحكومة
تعرف بلا شك أن”البوليس السياسي الديني” الذي نصّبه أقصى يمين النهضة في وزارة الداخلية متواطئ مع الجهاديين، الذين يتدربون في جبال وسهول تونس: بدلاً من اعتقالهم، ينصحهم بتغيير حقل الرماية كلما كشفت الشرطة أمرهم… ثم يرسل الشرطة فلا تجد في الحقل إلا الخراطيش الفارغة.
السيد رئيس الحكومة
تعلم أنه في الاستطلاع اليتيم الذي اجراه معهد الاستطلاعات منذ حوالي الشهرين 42 % من التونسيين عبروا عن رغبتهم في العودة إلى نظام بن علي؛ وأخبرك بدوري بأن صحفياً أوربياً موثوقاً قال لي أن سفيراً أوربياً في تونس اخبره، خلال انتخابات اكتوبر 2011، بأنه “لو شارك فيها بن علي لفاز بـ 70 % من الأصوات”
السيد رئيس الحكومة
تعرف أن المقاهي والحانات هي اليوم المجلس التأسيسي الحقيقي، بعد تحويل المجلس التأسيسي الصوري إلى طرطور، تتحدث بصراحة، رغم عصا “السلفيين”، أي ميليشيا أقصى يمين “النهضة” المسلطة على رؤوسهم، عن ضرورة عودة الرئيس زين العابدين بن علي لحكم تونس التي طالت فوضاها الأمنية تحت حكم الهاذي الديني راشد الغنوشي، الأمي سياسياً والعاجز حتى عن إدارة سليمة لبلدية صغيرة!.
السيد رئيس الحكومة
ما معنى هذا؟
معانيه كثيرة، أهمها ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة والفورية، كمؤشر قوي على أن انعطافة تاريخية توشك أن تتحقق.
السيد رئيس الحكومة
إصنع منذ الآن قرارك وجدول أعمالك اليومي بالكمبيوتر، بدلاً من صنعه بصلاة الاستخارة إياها وسيقول لك:اما المصالحة الوطنية الشاملة والفورية وإما طوفان الفوضى الخلاقة للفوضى التي زرع بذورها وصانها ورعاها أقصى يمين النهضة العدمي الهدام.
توكل على الكمبيوتر المحايد في صنع القرار ودع الإخصائيين يقدمون له المعطيات الصحيحة والأسئلة الوجيهة وسيعطيك الجواب الصحيح عن حل مشكلات تونس المتفجرة.
أتمنى لك النجاح.
lafif.lakhdar@yahoo.fr
كاتب تونسي