خاص
الأخبار المتداولة عن انفجارات مخازن ومستودعات الأسلحة في المعسكرات بصنعاء وغيرها، وعن وصول شحنات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة إلى السواحل اليمنية على سفن من هويات وجنسيات مختلفة، وعن تكديس أسلحة وتحركات الجماعات المسلحة وتفشي نزعات وممارسات العنف وظهور تشكيلات مسلحة تحمل مسميات “البلوك بلاك” و”الجيش الجنوبي الحر” علاوة على مليشيات “أنصار الشريعة” و”جند الله” و……الخ.
هذه الأخبار وما يدور حولها من سجالات حادة، صارت تتصدر المشهد رغم أن اليمن تتهيأ لعقد مؤتمر الحوار الوطني المسنود بغطاء دولي سميك ودعم غير مسبوق من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي عقد أكثر من اجتماع خلال الأيام القليلة الماضية حول اليمن بعد أن كان عقد اجتماعا خاصا باليمن أواخر الشهر الماضي في العاصمة صنعاء لدعم العملية السياسية وتدارك انهيار الأوضاع (الهشة) حسب جمال بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة الملف اليمني، وهو كان قد زار اليمن أكثر من 18 مرة خلال الأشهر القليلة الماضية.
الواضح أن إعلان السلطة الرسمية عن ضبط سفن تحمل شحنات كبيرة من الأسلحة وآخرها سفينة تقول السلطات بأنها قادمة من إيران، والإعلان عن ضبط سفن و”قوارب مسلحة” في المنافذ والموانئ ونقاط التفتيش العسكرية، والإعلان بأن تلك السفن قادمة من أوكرانيا ومالديفيا والصومال وإيران وتركيا وغيرها؛ يؤشر إلى أن التجاذبات والاستقطابات تتجه نحو إغراق اليمن –وهي غرقانة من القاع حتى النخاع- بالأسلحة وتكريسها كساحة لاستعراض عضلات القوة وممارسة اختباراتها وتصفية الحسابات على نحو لا يمكن قياسه بحالة لبنان إلا في مستوى هندسة وتقوية جماعة مرتبطة بولاء طائفي لطهران، وهي جماعة الحوثيين الزيدية “الشيعية” التي تبلورت كدولة داخل الدولة وإمارة شبه مستقلة في محافظة صعدة بعد ست جولات من الحرب مع سلطة صنعاء المدعومة من السعودية، وتشكلت كميليشيات على غرار ميليشيات حزب الله، وغدت ترفع شعاراته وتستلهم خبرته ومعرفته وطقوسه حتى في مستوى محاكاة النمط الزعامي المجسم بشخص قائد الجماعة عبدالملك الحوثي الذي يحرص على الاقتداء الحرفي بصيغة “سيد المقاومة” في لبنان؛ فهو يتوارى عن الأنظار في سراديب وكهوف غير مرئية ويستعير حركات وسكنات وتلويحات وسبابته “السيد حسن” مع حجابه الحاجز عند اعتلائه منبر الخطابة.
التجاذبات الإقليمية تحول اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات
تبدو الحالة اليمنية أكثر تعقيدا وجهامة وانفجارية من الحالة اللبنانية؛ فالبلاد كلها تقف على برميل بارود وهي عبارة عن مستودع للسلاح وحظيرة للمسلحين، وتذهب الإحصائيات القديمة إلى أن عدد قطع السلاح في السوق اليمنية يزيد عن عدد السكان بثلاثة أضعاف، وتلك إحصائية لم تأخذ في الحسبان ما تدفق من أسلحة في السنوات الأخيرة بأعداد وإحجام هائلة تفيض عن حاجة وقدرات اليمن إلى الدرجة التي أنفسح معها المجال لتأهيل البلاد كمحطة لإعادة تصريف وتصدير الأسلحة والمسلحين إلى الصومال والعراق والسعودية والشيشان ولبنان سوريا، والى فرقاء النزاع والتقاتل في كل مكان ودونما استثناء؛ فهناك من يدعم نظام بشار الأسد –مثلا- وفي المقابل، هناك من يدعم جبهة نصرة الإسلام بالعتاد والمدد “الجهادي” البشري.
وتتجلى خطورة اليمن، أكثر ما تتجلى، في موقعها الجيو-استراتيجي في الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية، وفي ترامي سواحلها على أكثر من 2200 كيلومتر، وتتشاطأ مع سلطنة عمان والسعودية ومع كافة دول القرن الافريقي: الصومال، ارتيريا، جيبوتي.
والحاصل أن معظم الحدود البرية والبحرية تقع خارج السيطرة والسيادة اليمنية بما في ذلك الجزر اليمنية التي يصل عددها إلى 360 جزيرة ومعظمها غير مأهولة وقد كانت ولازالت خارجة عن نطاق السيطرة وملاذا مثاليا لسفن تهريب الأسلحة وللضالين من المهربين والهاربين و(المجاهدين).
من هنا كانت معظم الأخبار والتقارير عن تجارة الأسلحة، التي ارتفع منسوبها مؤخرا على نحو غير مسبوق، تتطرق إلى أسماء جزر تقع على شواطئ البحر الأحمر شمالا أو على شواطئ البحر العربي جنوبا، وعبر تلك الجزر والمرافئ وصلت معظم سفن الأسلحة أو “القوارب المسلحة” التي تحمل على السطح أسماكا وتختزن في القاع شحنات الأسلحة.
ويقول المراقبون والعليمون بخفايا ما يدور في الجزر والمنافذ التي تقع تحت قبضة كبار النافذين العسكريين والقبليين، أن ما ظهر حتى الآن لا يساوي أكثر من رأس جبل الثلج، مشيرين إلى أن ما جرى ضبطه من شحنات الأسلحة كان محكوما بالصدفة، غالبا، أو جاء بناء على معلومات استخباراتية إقليمية ودولية، خاصة بعد أن صارت عملية تجارة وتهريب الأسلحة تثير مخاوف الدوائر الخارجية، ما دفع بقوات البحرية الأمريكية إلى تكثيف حضورها وتحركاتها ليس فقط في المياه الدولية وحول الممرات الدولية المتصلة باليمن وإنما في عمق المياه الإقليمية، وفي الأيام القليلة الماضية كان قائد الأسطول الفرنسي في جيبوتي ومعه وفد عسكري رفيع من فرنسا وصلوا إلى صنعاء يحملون مقترحاً من فرنسا بحماية الممرات الملاحية الدولية التي تعبر منها إمدادات الاقتصاد العالمي بالنفط.
وقد شكلت عملية ضبط السفينة التي وصلت إلى شواطئ بحر العرب في محافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عمان علامة فارقة في دور قوات البحرية الأمريكية التي قامت بضبط السفينة في 23 يناير الماضي وسلمتها للقوات اليمنية وفيها حمولة ضخمة من الصواريخ المضادة للطيران والأسلحة والمتفجرات والأحزمة الناسفة وقواذف الـ(ار. بي. جي) وصواريخ كاتيوشا وكواتم الأسلحة الآلية ومواد متفجرة ذات قوة انفجارية تعادل ثلاثين مرة قوة مادة NTN وتستخدم لصناعة القنابل المتفجرة البالغ كميتها 2660 كيلوجرام، صناعة غير معروفة، وقد تم تعبئتها في 133 عبوة بلاستيكية تحتوي كل علبة على 20 كم، ومادة السيفور 4، شديدة الانفجار وغير ذلك من الذخائر والمتفجرات التي تكفي لنسف بلد بكامله، وقد قامت وزارة الدفاع بنشر قائمة مفصلة بها مطلع هذا الأسبوع ونسبتها إلى إيران.
على صعيد متصل كانت السلطات اليمنية أعلنت عن ضبط وتفكيك ست خلايا تجسس إيرانية إلا أنها لم تقم بإحالة أي منها للمحاكمة. وقد نفت السلطات الإيرانية أن تكون قد تورطت بالتجسس على اليمن، وقال سفير طهران بصنعاء باستخفاف واستعلاء مستفز: “ماذا تريد إيران من التجسس على اليمن؟ هل على المفاعل النووي أو على الاقتصاد اليمني أم على معسكراته. وردا على ذلك علق مراقبون بأن تحركات إيران في اليمن ونزوعها إلى تطويق الجزيرة العربية من جنوبه وشيجة الصلة بعملية تطويقها للجزيرة العربية من الشرق العراق، ومن الشمال سوريا ولبنان.
قبل أيام كانت النيابة بمدينة المكلا عاصمة حضرموت قد أحالت ملف سفينة تحمل شحنة أخرى إلى المحاكمة لمقاضاة طاقم السفينة المالديفية (يوس) المحتجزة من 18 ديسمبر العام الماضي.
وقد أفادت التقارير الأمنية بأن إجمالي الذخيرة التي وجدت في مخازن السفينة هي 7097 صندوق ذخيرة متنوعة و460 شريط تعبئة للذخيرة.
وكانت السلطات اليمنية قد أعلنت عن تمكنها من احتجاز شحنات كبيرة من الأسلحة والقذائف ومعدات عسكرية مجهولة الهوية في عدة موانئ يمنية في عدن والحديدة والمكلا وفي شقرة بمحافظة أبين وغيرها.
وفيما يتواصل تدفق الأسلحة إلى البلاد تتصاعد حالة الفوضى والاضطراب والعنف والمواجهات بين جماعة الحوثيين وحزب الإصلاح بجناحيه القبلي الإخواني “الوهابي”، وبين الحوثيين والسلفيين في محافظة صعدة، التي تمكنت الجماعة الحوثية من تنصيب تاجر سلاح شهير كمحافظ لها.
المعلوم أن السوق الأكبر للسلاح في اليمن (سوق الطلح) يوجد في هذه المحافظة التي تتصدر غيرها من المحافظات الحدودية في احتضان الكبار من تجار السلاح بما في ذلك بعض المدرجين في قوائم المطلوبين دوليا.
في الأثناء ترتفع الدعوات لعسكرة الساحات وحركات الاحتجاج السلمي ولعسكرة الحراك الجنوبي السلمي. ويرى مراقبون بأن التفشي الانفجاري لظاهرة السلاح وازدهار تجارته علاوة على انتشار الجماعات المسلحة واستعار المواجهات في أكثر من جهة وجبهة؛ يشكل خطرا على العملية السياسية ويهدد بنسفها.
كبار النافذين من العسكريين والمشائخ متورطون في لعبة الموت
اللافت أن مصادر الشحنات التي تصل إلى اليمن متعددة وقد دخلت تركيا على خط تهريب الأسلحة إلى اليمن بوضوح، وكانت وزارة الدفاع أعلنت في مطلع نوفمبر من العام الماضي أنها أحبطت محاولة إدخال شحنة من الأسلحة عبر ميناء عدن قادمة من تركيا، وحينها قالت المصادر الأمنية إن العاملين في الميناء اشتبهوا بوزن الحاوية التي كانت تحمل الأسلحة فهو كان أعلى بكثير من وزن حاوية يفترض أنها محملة بكراتين البسكويت، الأمر الذي دفعهم إلى تفتيشها ليعثروا بداخلها على كمية كبيرة من المسدسات الخاصة بأعمال الاغتيالات وبنادق القنص. ويومها تردد أن الشحنة تابعة لتاجر يحتل موقعا قياديا بحزب الإصلاح. وحول هذه الشحنة وأكثر من شحنة أخرى مرتبطة بتركيا تحدث مراقبون عن عمليات لتهريب أسلحة إلى دول مجاورة، منوهين إلى تنسيق جدي بين جماعات إسلامية (إخوانية) وتركيا وهو تنسيق اشتمل على ترحيل مقاتلين (مجاهدين) من مطار عدن إلى اسطنبول لإلحاقهم بالمقاتلين الإسلاميين ضد نظام بشار الأسد، وقد زاد عدد رحلات الطيران بين عدن واسطنبول إلى أكثر من ثلاث رحلات في الأسبوع اعتبارا من 12 يونيو 2012 عشية الإعلان عن توقف العمليات العسكرية ضد جماعة أنصار الشريعة والقاعدة في محافظة أبين جنوبي البلاد.
وفيما خص شحنات المسدسات كان أفراد النقطة العسكرية بمدينة “حيس” محافظة الحديدة ضبطوا شحنة من المسدسات (7 آلاف مسدس) على متن شاحنة نقل كبيرة وقد اعتقل أفراد النقطة الأمنية بصورة مريبة بعد أن كان رئيس الجمهورية قام بتكريمهم ما أثار حيرة المتابعين وهي حيرة تضاعفت على إثر وفاة قائد النقطة الملازم غالب الحسني في ظروف غامضة بعد انقضاء أيام قليلة على ضبط شحنة المسدسات التي لوحت بعض المصادر إلى أنها تركية أيضا.
إزاء دخول تركيا على الخط ثارت تساؤلات مهمة حول مشروع تركي جديد على خطى المشاريع الإيرانية في ممارسة لعبة النفوذ على الأراضي اليمنية عبر استغلال العلاقة مع الإخوان المسلمين ورجال الأعمال منهم.
وفي كل الأحوال فإن ازدهار تجارة السلاح وانفلات زمام السيطرة على منافذ تهريبه وتفاقم حالة الانفلات الأمني وغير ذلك من مظاهر العسكرة والعنف؛ صارت تشكل خطرا كبيرا على العملية السياسية وتنذر بتعطيل وتفجير مؤتمر الحوار الوطني قبل انعقاده في موعده المقرر بـ18 مارس القادم إذا لم يتدخل المجتمع الدولي بصورة استثنائية وعاجلة تقطع دابر تهريب السلاح من اليمن واليها، خاصة وان التهريب والإرهاب في اليمن وجهان لعملة واحدة، علاوة على أن كبار الضالعين في تجارة السلاح يحتلون مرتبة الصدارة في صناعة الإرهاب وتهريب المسلحين الجهاديين وجلهم من النافذين العسكريين والوجهاء القبليين الذين يتكفلون بإمداد الأطراف المتقاتلة في القرن الافريقي، وفي الشام وغير ذلك من الأقطار والأمصار، بالسلاح أو بالمدد البشري (الجهادي) بحسب الطلب واحتياجات السوق.
اليمن على برميل بارود: ازدهار تجارة السلاح وتفشي مظاهر العسكرة والعنف يهدد بنسف الحوار
المقصود في هذا كله السعودية ودول الخليج حيث ايران ومن وراءها سوريا والعراق وحزب الله والاخوان من تركيا الى دول الخريف العربي على تناغم كامل لزرع القلاقل وعدم الاستقرار تمهيدا لتغيير الانظمة هناك. الفوضى قادمة ايها الخليج ان لم تصحوا من الغفلة.