خاص/ شفاف الشرق الأوسط من صنعاء
قالت وزارة الدفاع اليمنية إن العملية العسكرية لقواتها في مدينتي (شقرة وأحور) بمحافظة أبين التابعة للمنطقة العسكرية الجنوبية، تمكنت من استعادة السيطرة وطرد عناصر تنظيم القاعدة من المناطق والمواقع الاستراتيجية في جبال (المراقشة) 80 كم إلى الشرق من عاصمة المحافظة زنجبار، مطلع هذا الأسبوع.
وقالت مصادر عسكرية إن أكثر من 15 قتيلا من القاعدة سقطوا خلال العملية العسكرية على إثر الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي اليمني بإسناد من قذائف المدفعية وصواريخ الكاتيوشا.
وقد اندلعت تلك المواجهات في جبال المراقشة قبل أن تهدأ معارك المسانح في مديرية رداع بمحافظة البيضاء التي تتوسط اليمن.
ويرى مراقبون أن فتح أكثر من جبهة عسكرية أكان لمواجهة القاعدة أو غيرها يصب في خدمة القوى المحسوبة على جناحي النظام السابق (علي صالح) واللواء المنشق عنه علي محسن، وكلاهما ما زالا يمسكان بمفاصل القوة العسكرية ويحتفظان بعلاقات مع تنظيم “القاعدة” بشقيه: “أنصار الشريعة”، و”تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، ويلعبان بورقة “القاعدة” لخدمة أهدافهما وفي المقدمة منها العمل على إضعاف، بل وإفشال جهود الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الرامية إلى هيكلة الجيش والتسوية السياسية على قاعدة المبادرة الخليجية وإنجاح الحوار الوطني.
ولاحظ المراقبون أن اندلاع المواجهات بشكل مفاجئ في جبال المراقشة قد كشف بأن مراكز القوى المتصارعة لا تمسك بزمام القوة فحسب، بل وتمارس استعراضها بتفجير الأوضاع على هذا النحو الذي تجد فيه خير وسيلة للتعبير عن مناوأتها لعملية هيكلة الجيش التي تطاولها، علاوة على عملية انتقال السلطة. ويقول المراقبون إن هذه القوى تريد تذكير الداخل والخارج، وخاصة الإدارة الأمريكية، بما كان عليه حالها مع جبال المراقشة التي كانت في مطلع التسعينيات من أهم معسكرات تدريب الجهاديين اليمنيين والعرب والأجانب العائدين من أفغانستان.
حينها كان معسكر المراقشة يضم مئات المجاهدين من شتى الجنسيات؛ ومنه انطلق أول هجوم إرهابي استهدف الجنود الأمريكيين بمدينة عدن قبل نقلهم إلى الصومال.
في المراقشة جرى التخطيط وتدريب الخلية الأولى التي استهدفت الجنود الأمريكيين. والمعلوم أن إيواء المجاهدين هناك كان برعاية ودعم الرئيس المخلوع علي صالح وحليفه القوي يومذاك اللواء علي محسن الذي ارتبط بعلاقة مصاهرة مع الزعيم الجهادي الشيخ طارق الفضلي الذي تزعم الجهاديين العرب ووفر لهم الحماية والملاذ الآمن في منطقة المراقشة التي كانت تابعة للسلطنة الفضلية قبل استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967م وكان والده آخر سلاطينها. وقد عاد عقب وحدة 22 مايو 1990، لتصفية الحساب مع الحزب الاشتراكي الذي كان حاكما في الجنوب.
على المستوى الداخلي أرادت مراكز القوى توصيل رسالتين في مسارين:
المسار الأول باتجاه الرئيس هادي، ومفادها أن طرفي الصراع والنفوذ (صالح ومحسن) هما أصحاب اليد الطولى حتى في المراقشة التي تنتمي إلى قبائل آل فضل الذي ينتمي إليها الرئيس هادي.
المسار الثاني باتجاه الحزب الاشتراكي، ومفادها أن المراقشة وأبين بعيدة المنال عنه وعن تحالفه ودعمه للرئيس هادي وتوهمه بالعودة إلى محافظة أبين والجنوب عموماً.
بالمناسبة كان الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني علي صالح مقبل قد تعرض لمحاولة اغتيال في 1993 من قبل عناصر الجهاد التي انطلقت من معسكر جبال المراقشة أيضا.
وفي السياق يتوقع المراقبون المزيد من الأحداث والمواجهات المشابهة خلال الفترة القادمة لأن ورقة “القاعدة” والجماعات المتفرعة عنها تشكل أهم وآخر الأوراق التي تراهن عليها القوى المتصارعة على النفوذ والسلطة، بزعامة الرجلين المذكورين.
“رداع” ومعركة كسر العظم
تحتل منطقة رداع بمحافظة البيضاء موقعاً هاماً في وسط البلاد، وقد توفر فيها الملاذ الآمن للقاعدة لتوفرها على حاضن قبلي وتضاريس (أفغنة).
فبالنسبة للموقع تتاخم البيضاء ثماني محافظات منها: مأرب وذمار وأبين وشبوة وتعز وصنعاء.
وقد جاء لجوء عناصر “القاعدة” إلى رداع وتحصنها في منطقة “المناسح” حيث يقطن آل الذهب الذي ينتمي قسم منهم للقاعدة؛ في أكثر الأوقات حرجاً بالنسبة للتنظيم، لا سيما بعد أن تلقى ضربات موجعة في أبين وشبوة ومأرب، وعلى خلفية تمكن بعض الفرق الأمنية من تفكيك الخلايا النائمة التابعة للتنظيم في صنعاء وعدن وحضرموت والقضاء على أهم عناصره. وهي أحداث وعمليات لم يعهدها “القاعدة”، ما أكد على جدية الرئيس في المواجهة، وذلك أمر غير معهود من النظام السابق الذي كان يستخدم (“القاعدة”) كفزاعة للمجتمع الدولي وللإدارة الأمريكية بالدرجة الأولى؛ وبذلك كان يحتلب المساعدات وكافة أشكال الدعم تحت يافطة المشاركة في (الحرب على الإرهاب) والبقاء في نقطة المراوحة والافتقاد إلى الجدية في مقاربة ملف (القاعدة) وغيره من الجماعات المماثلة.
الجديد، أيضا، هو أن العمل الاستخباراتي السعودي والأمريكي الجاري على الأراضي اليمنية حقق نجاحاً اختراقيا لافتاً لجيوب “القاعدة” والوصول إلى أكثر من 58 عنصرا مهما من عناصره المطلوبين على القوائم الأمنية الخارجية؛ أكان عبر اقتناصهم وقتلهم بطائرات من دون طيار الأمريكية، أو من خلال ملاحقتهم، وقد نجحت المخابرات الأجنبية وخاصة السعودية في اختراق التنظيم والوصول إلى أضيق حلقاته.
على ذلك يندرج ما يجري في رداع أو المراقشة اليوم في إطار استحقاق دولي قبل أن يكون استحقاقا محليا.. الإحصائيات الأولية تتحدث عن 67 قتيلا في “رداع”، وأن عدد الضحايا من الجنود في المواجهات 20 جنديا، وقد يرتفع العدد إلى أكثر من الضعف.
ويرى مراقبون ودبلوماسيون في صنعاء أن معركة “رداع”، في حال فوز قوات الجيش فيها، ستكون أكبر عملية كسر عظم لتنظيم “القاعدة” والأطراف الداعمة له واللاعبة على ورقته.
ومن هنا، أيضا، مبعث توجس مراكز القوى المتصارعة من نجاح الرئيس هادي في مواجهة (القاعدة)، بما يعنيه من تحرره وإفلاته من دائرة ابتزاز وضغوط الجناحين المتنازعين، وتمكنه من الإمساك بناصية الأمور على طريق تطبيع الأوضاع وإخراج اليمن من أزماته الخانقة.