أعادت مصادر سياسية في بيروت وضع الضجة التي أثارها طرح مشروع قانون الانتخابات في إطارها الفعلي، بوصف قانون الانتخابات، همـّا مسيحيا بامتياز، وذلك كون اتفاق الطائف، الذي تم تطبيقه بطبعته السورية، وليس اللبنانية، أقر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، على قاعدة رفع عدد النواب من 99 الى 108، وأقر إعادة إنتاج قانون للانتخابات يؤمن التمثيل الصحيح للمكونات اللبنانية، في مجلس نيابي محرر من القيد الطائفي، إضافة الى مجلس للشيوخ يكون تمثيليا للطوائف.
وأضافت المصادر ان ما حصل طوال فترة الوصاية السورية، كان ان رُفع عدد النواب الى 128 نائبا خلافا لاتفاق الطائف، وتم تقسيم الدوائر الانتخابية في كل دورة بما أسهم في تهميش المسيحيين، او في تعليب نتائج الانتخابات من خلال القوانين، فحصل في مرحلة ما النائب سليمان فرنجية على كتلة نيابية تضم نوابا من عكار والبترون والكورة وبشري والنائب الماروني عن مقعد طرابلس وفقا لمقتضيات الحاجة السورية للسيطرة على المجلس النيابي.
والى تعليب القوانين لم يتم التطرق الى تشكيل مجلس الشيوخ، وتاليا لا الى تحرير المجلس النيابي من القيد الطائفي، وصولا الى انتخابات العام 2005 في اعقاب ثورة الارز، والتي جاءت وفق قانون معلب سابقا، ونتيجة ضغوط دولية بضرورة اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، فكان القانون استمرارا لتعليبات فترة الهيمنة السورية، إلا أن ما أنجزته ثورة الارز، من خلال التلاقي المسيحي الاسلامي في ساحة الحرية سمح بالتجاوز المؤقت للتطاول على تعليبات القوانين الانتخابية من خلال التحالف السياسي في إطار ثورة الارز، في المجلس النيابي وفي الحكومات التي تلت، من دون ان تلغي الهاجس المسيحي بتحرير الصوت الانتخابي من هيمنة الصوت المسلم في الدوائر التي تم تركيبها لوضع غالبية النواب المسيحيين أسرى الصوت الانتخابي المسلم او الارمني، بمايخالف نص اتفاق الطائف وروحه.
وتشير الى انه في حين ينتخب المسلمون نوابهم، بجناحيهم السني والشيعي، لا يستطيع المسيحيون انتخاب اكثر من ثلث نوابهم باصوات المسيحيين، في حين تؤمن المحادل السنية والدرزية والشيعية إنتخاب ما تبقى من النواب المسيحيين، البالغ عددهم 64 نائبا.
انتخابات العام 2009 حصلت ايضا في ظل توازنات قوى مختلة على صعيدين اولهما القانون الذي جاء عقب اجتياح العاصمة من قبل حزب الله وتعطيل الحياة السياسية بكل وجوهها في لبنان، وثانيهما ما كان يعرف باتفاق “السين السين” الذي جاء كنتيجة سياسية لاجتياح العاصمة.
هنا لا بد من تسجيل مفارقة مسيحية نتجت عن لافتات رفعها التيار العوني عقب العودة من الدوحة، وتشير الى إعادة الحق الى اصحابه انتخابيا من خلال اعتماد قانون “الستين”، للانتخابات التي جرت في العام 2009.
اما ابرز مفاعيل “السين السين”، فكانت استبعاد عدد من نواب قوى 14 آذار ترشيحا، وفي مقدمهم النواب مصطفى علوش ومصباح الاحدب وسمير فرنجية والياس عطالله، والضغط على منسق الامانةا لعامة لقوى 14 آذار لثنيه عن الترشح.
وأضافت انه حتى العام 2009، كانت مشاريع قوانين الانتخابات تعطي نتائج معروفة سلفا في معظم الدوائر الانتخابية وتبقى المعارك الانتخابية مسيحية بامتياز في حين نعمت الطوائف الاخرى بنعمة تسجيل عدد نوابها بالنقاط، بقي المسيحيون يتناطحون على مقاعدهم في دوائر ذات اغلبيات مسيحية، ومع ذلك فإن الصوت المسلم يمثل فيها ارجحية على غرار دائرة جبيل التي يستطيع فيها المسلمون الشيعة بالتكليف الشرعي حسم نتيجة الانتخابات سلفا.
وتقول المصادر انه مع بداية انحسار النفوذ السوري في لبنان، وتوقف مفاعيل “السين سين”، عاد موضوع قانون الانتخابات ليطفو الى السطح من جديد، وسط سيل من المزايدات التي رفع شعارها “التيار العوني” في استعادة لمشهدية “تسونامي” الانتخابي التي خاض فيها عون انتخابات العام 2005، رافعا شعار “مظلومية” المسيحيين، وهيمنة الطوائف الاخرى على اصوات مقترعيهم، وكان خير دليل على شعبوية الحملة العونية، ما قال عون في مؤتمر صحفي مؤخرا، “بدي 64 نائبا”.
وتشير المصادر الى ان عون استدرج معه سائر القوى المسيحية الى منازلة شعبوية وضعت قانون الانتخابات في سوق المزايدات الطائفية المذهبية، فانزلق حزب “القوات الى المنازلة”، مدفوعا ايضا، بمواقف حزب الكتائب، التي يدغدغ مشروع “الفرزلي” طموحات نائبها سامي الجميل، في تفعيل اللامركزية الادارية الموسعة الي تحاكي اللامركزية السياسية، والفيدرالية، فيعتبر ان قانون “الفرزلي”، يمثل بداية الطريق الى هذا المشروع.
الاسبوع الحالي سيشهد دفن مشروع “الفرزلي”، من دون ان تتضح الوجهة التي سيسلكها قانون الانتخابات المقبل، بعد ان أمن القانون المذكور إنقساما حادا في قوى 14 آذار، دفع بعدد من مسيحييها الى الخروج على لقاء بكركي ورفض قانون “الفرزلي”، فضلا عن وقوف رئيس الجمهورية في مواجهة القانون المذكور، واعتراض تيار المستقبل، وهذا ما انعكس في بيان لقاء بكركي الاخير، حيث اغفل المجتمعون ذكر قانون “الفرزلي” وطالبوا بقانون يحوز على رضى جميع اللبنانيين.
المصادر اعتبرت ان انقشاع غيمة قانون “الفرزلي” سوف تدفع الى بحث جدي في صيغة بديلة، غير متوفرة في اللحظة الراهنة، خصوصا ان كل من 14 و 8 آذار يسعيان الى تفصيلا قوانين انتخابية كل على قياسه.
المصادر رجحت ان يعود البحث في قانون الانتخابات الى القانون الاكثري، المعمول به حاليا، مع إجراء تعديلات عليه لجهة تقسيم بعض الدوائر الانتخابية، ونقل عدد من المقاعد النيابية، مثل مقعد طرابلس الماروني الى دائرة البترون كما تطالب قوى 14 آذار، او جبيل كما تطالب قوى 14 آذار.
وتضيف المصادر ان العملية السياسية في لبنان ما زالت نتنظر نتائج الصراع السوري وكل ما يتم بحثه في هذه المرحلة قابل لاعادة النظر فيه وفقا لمقتضيات الواقع الذي سيفرضه تطور مسار الازمة السورية.