هل دخل حزب الله مرحلة صوغ علاقاته الداخلية بما يتلاءم مع التحولات الجارية على مستوى المنطقة؟
يتشبث الخطاب الرسمي الايراني بمقولة ان العالم العربي يشهد صحوة اسلامية. لم يستخدم المسؤولون الايرانيون مصطلح “الربيع العربي” ولا “الثورات العربية”. كانت الصحوة الاسلامية العنوان الذي جرى ولا يزال بتفاوت كمي على السنتهم في توصيف الثورات العربية ، باستثناء سورية التي لم تلامس ثورتها او الحراك فيها شبهة “الصحوة الاسلامية” في توصيف الموقف منها لدى المسؤولين وعلى رأسهم المرشد السيد علي الخامنئي، بخلاف الموقف من ثورات مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن.
ويمكن القول من حيث المبدأ ان نظام الحكم في ايران، الذي يقدم نفسه كنموذج للحكم الاسلامي، تزداد مبررات بقائه ويقوى داخليا كلما تقدم نموذج الحكم الديني في العالم العربي والاسلامي. وهذا ما بشرت به القيادة الايرانية منذ انتصار الثورة في العام 1979 وسعت الى تحقيقه فكان عنوان الثورة الاسلامية مصدر نفوذها وتمددها في العديد من الدول ذات الغالبية السنية.
ورغم التباين السياسي وحتى المذهبي والديني بين جماعة الاخوان المسلمين والقيادة الايرانية، فان الاخيرة تدرك ان نجاح “الجماعة” في الامساك بزمام السلطة في اكثر من دولة يبقى مؤاتيا للنموذج الايراني ما دام المشروعان يتقاطعان عند هدف قيام حكومة اسلامية، وما دامت الجماعة تبتعد عن محاكاة النموذج التركي، او مشروع الدولة المدنية التي تشكل تحديًا جدياً لنموذج السلطة الدينية في ايران اليوم.
التقاطع عند هدف الحكومة الاسلامية، لا يقلل من شأنه التباين او التضاد في النظرة الى الشأن السوري، وان كان يسبب ارباكا ولا يزال يكبد المشروع الاسلامي الايراني خسائر معنوية وسياسية، وهو يكشف الى حدٍّ كبير ان المصالح القومية تتقدم على ما عداها من المعايير الايديولوجية لدى الانظمة الاسلامية وغيرها.
ارباك يمكن تلمسه لدى حزب الله باعتباره الابن الشرعي للنموذج والمشروع الايرانيين في لبنان والمنطقة،. اذ طالما شكل الامتداد الخارجي عبر النموذج الاسلامي وسيلة من وسائل التفاعل مع محيطه العربي، فيما وفرت تجربة المقاومة وسيلة دعم لهذا النموذج بهويته الايرانية وليس العكس، باعتبار ان شرعية اي مقاومة لاسرائيل في المشروع الايراني عمليا، لا تتأتى الا من خلال الالتزام لا بل الارتباط بادوات عمل هذاالمشروع ومقتضياته. واي مقاومة هي محل تشكيك اذا كانت خارج التحكم والنفوذ الايرانيين. هذا ما يفسر الموقف من حركة حماس اليوم ومن حركة فتح منذ عقود، موقف يمكن تلمسه بوضوح عبر المناخ التشكيكي والتخويني الذي يطال “حماس” وزعيمها خالد مشعل لدى مناصري حزب الله اليوم تحاكي ما ناله الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سابقاً.
إرباك يتمثل ايضًا في اضطرار حزب الله الى الالتفات نحو الداخل اللبناني، تكتيكيًا لجهة اظهار مسؤوليه الاهتمام اللفظي بالازمة الاقتصادية والاجتماعية والازمة المالية الى قانون الانتخاب والازمة السياسية، واستراتيجيًا لجهة سعيه عمليًا الى تثبيت حلف الاقليات في المعادلة السياسية والاجتماعية، كقوة وازنة ومقررة في لبنان. وهو سعي يوفر فرص نجاحه النظام السياسي من جهة، وتذكّيه التطورات في سورية في ظل التركيز الاممي وحزب الله اخيراعلى ان ما يجري هي حرب طائفية من جهة ثانية.
وبين الجهتيْن، يسعى حزب الله الى حماية مكتسباته الامنية والعسكرية والسياسية، من خلال ايجاد وظيفة موقتة له، جوهرها حماية الاقليات من نظرائه في المقلب الآخر اي الاسلاميين السنّة. هذا السلوك الجاري اعتماده، بعدما فقد حزب الله في المدى المنظور ان يكون محور مواجهة مع اسرائيل يحرك الشارع العربي او يغير في المعادلة الفلسطينية او اللبنانية، وبعدما ايقن ان هويته الاسلامية ليست الملاذ الآمن ولا المشروع الذي يوفر لايران او له القيادة والتحكم. تبقى وظيفة حماية الاقليات، القاعدة التي قد توفر له اقل الخسائر في مرحلة انتقالية، تعفيه من الخوض في ازمات الحكم والحكومة والدولة والمجتمع.
فالحزب الذي يعلم ان الاحتقان السياسي والاجتماعي في بيئته الشيعية هو الذي يقلقه اكثر من اي احتقان آخر، وان الفساد الذي يخترق البنية السياسية والادارية على مستوى الدولة، تحولا الى بنية سياسية واجتماعية في بيئة الحزب وداخله، اصلاحها بات اصعب من بقائها في نظر البعض من داخل حزب الله. بنية قادرة على اطاحة من يتجرأ عليها او يسعى الى محاصرتها. بنية فرضت مطالبة بعض الحزبيين من قيادة حزب الله (على سبيل المثال لا الحصر) عدم تولي اي من عناصر حزب الله موقعًا نيابيًا او وزاريًا او اداريًا. وهو مطلب ينطوي على سؤال حول المعايير التي تجعل فلانا في هذا الموقع او ذاك. فضلاً عن ان محاكمة او محاسبة أو سجن بعض الحزبيين تخضع لموازين قوى ليس العدل الا هامشًا فيها.
من تعظيم الخطر الاسرائيلي الى حد تقبل تفسخ المجتمع والدولة، والسير في ركب الشروخ السورية اللبنانية وتعميقها، الى تعميق الشروخ اللبنانية كل واحد منها كفيل باثارة المخاوف لدى الناس وتطويعها، فكيف إذا اجتمعت تلك المخاطر وتكالبت؟ حينها لن يكفيها اجتماع هذه المخاطر وتكالبها ولن يحلها افتعال وظيفة امنية وعسكرية على حساب الدولة والمجتمع مجددًا.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد