أخيراً، أضحت المبارزة في ملعبها الحقيقي حيث انتقلت من “زكزكة” مسيحية- مسيحية على “نتشِة” هنا ومنافسة هناك، إلى معركة جيو- سياسية حقيقية بكل ما للكلمة من معنى، بين من سلّم سلاحه بالأمس ومن يرفض تسليم سلاحه اليوم، أي بين القائد الميليشيوي الأبرز سابقاً والقائد “المقاوماتي” الأبرز حالياً. باختصار، هي معركة جعجع ـ نصرالله.
الهدف الأول حققه “القبضاي” سمير جعجع بعد مؤتمره الصحافي الذي فنّد فيه، لا بلّ فضح فيه تقيّة الحزب الذي بات يتصرف بأغلب الأحيان عكس ما يدعي سواء بموضوع تمويل المحكمة الدولية التي يعتبرها إسرائيلية او بالفصل الإلهي بين ثورات السمن وثورات الزيت وصولاً إلى اعتراف أمين عامه بعد أن نكر مرّات، أن لديه عناصر في سوريا يقومون بـ”واجبهم الجهادي”، أي يقاتلون إلى جانب النظام ويشاركون في قتل الشعب السوري.
هدف التعادل سجله نصرالله بعد أن تسلل إلى الفاتيكان عبر ممثليّن حضرا حفل تنصيب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كاردينالاً برتبة أسقف، يلتزم مبدأ “عدم تسليم المتهم حتى تثبت إدانته”، حتى لو كان هذا المتهم “قديساً” متواريا عن الأنظار يرفض نصرالله تسليمه ولو بعد 300 سنة.
بسرعة فائقة تسجّل الهدف الثالث لصالح جعجع، عبر إرساله أنطوان زهرا من معبر المدفون (الشائعة اللصيقة بالرجل) إلى معبر رفح… هنا، تحلو اللعبة، نزع سمير جعجع آخر غطاء عربيّ- سنيّ عن كتفيّ الأمين العام لـ”حزب الله”. “حماس” التي رفضت ما قبِل به نصرالله، “ذبح الشعب السوري وإبادته بطائرات الميغ على الطريقة الإسرائيلية”. “حماس” هذه، فتحت ذراعيها لمن سبق له كما لغيره أن حمل السلاح مقاتلاً الإتجاه الفلسطيني الخاطئ، مانعاً إياه إمرار طريق القدس من جونيه.
بعد خروج حركة “حماس” العلني من العباءة الإيرانية- السورية وانضمامها إلى المحور المؤيد للربيع العربي من جهة ومقاومتها الشرسة لإسرائيل من جهة أخرى، بات من الضروري والطبيعي في آن، الحديث عن حوار جدي للخروج بموقف موّحد مع حركة “فتح” بشأن الموضوع اللبناني المتعلق بالمخيّمات من جهة، وحق العودة من جهة أخرى لإعلان دولة فلسطين بوحدة فلسطينية- فلسطينية غير مسبوقة ورأي عام عربي ضاغط يُعطي للفلسطينيين عموماً ولـ”حماس” خصوصاً في السلم والحوار ما عجزت عن انتزاعه في سلوكها “الممانعاتي” إلى جانب النظام السوري والحلف الإيراني غير المُرحب بهما في أيّ حلّ من الحلول المطروحة على الصعيد الفلسطيني الداخلي.
أما من ناحية “القوات اللبنانية” التي قطعت أشواطاً كبيرة على طريق الأوتوستراد العربي وكان آخرها زيارة خصوم الأمس الفلسطينيين، والترحيب غير العادي الذي حظيت به، والذي من شأنه أن يُلزمها العمل إعلامياً بأسلوب إحترافي- تفصيلي وبالتنسيق مع الإعلام الفضائي العربي على بلورة صورة حقيقية، تدقيقية ومفصلة تؤرخ كلّ ما يتعلق بالمرحلة السابقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إعداد وثائقي يُبرز دور النظام السوري إلى جانب الإسرائيلي في مجزرة صبرا وشاتيلا ومن كانت أدوات التنفيذ ومن أين تمّ الإختراق… وقد تكون إنطلاقة البحث الجدي من كتاب روبير حاتم (كوبرا) الذي يُشير إلى تورط النظام الأسدي في المجزرة.
“القوات اللبنانية” في غزّة، هذا يعني بكلّ بساطة أن صفحة مؤلمة قد طويت، وأن لا شيء بعد اليوم سيحول دون بناء علاقة لبنانية فلسطينية (سواء مع “فتح” أو “حماس”) قائمة على معادلة أن اللبنانيين، والمسيحيين تحديداً، سيقفون بجانب الفلسطينيين لتحقيق حلم إنشاء دولتهم التي تمر طريقها من القدس والضفة وغزّة لا من جونيه… عندها فقط يتحقق حلمٌ لبنانيّ_فلسطينيّ مشترك، يتمثل بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم.
حينها، نعلن جميعاً وبفرحٍ عظيم، أننا دفنّا التوطين إلى غير عودة… وهنا، قد تكون بدأت رحلة الألف ميل بزيارة… فعشيّة سقوط “آخِر القَتَلة” في عاصمة الأمويين التي كان لربيعها الدور الأساس في تصحيح مسار “حماس” وعودتها إلى الحضن العربي ومقاومتها بالقول والفعل عدواً مُعلناً يقتل الشعب الفلسطيني في غزة، وآخر غيرَ مُعلن يقتل بوحشية قلّ نظيرها، الشعب السوري على كامل الجغرافيا السورية، في مفارقة غريبة تُظهر مبدئية “حماس” في التزام دعم الثورات مقابل تلوّن إيران ومن يأتمر ويلتزم أجندتها بالإدعاء والمفاخرة بدعم “حماس” لمواجهة الإسرائيلي ودعم النظام الأسدي ومساعدته على إبادة شعبه.
() كاتب وناشط سياسي عضو لجنة الإعلام السابق في التيار الوطني الحر
المستقبل