لا يحتاج الله إلى الأمم المتحدة لتدافع عن جلاله، ولا تحتاج الأديان إلى قرار من مجلس الأمن لمنع المهرطقين ولجم العابثين، جماعات ودولاً. فحماية الديانات وعبادة الله، تتأتى من الحذق في توضيح ماهية الإيمان، وتبسيطه من سلطة قمع، أخلاقي وإجتماعي، إلى رحابة التسامح الإنساني المؤمن، وذلك لا يكون بالحديث عن الدين نفسه بل في إبرازه في السلوك والأخلاق والتعاملات، على مستوى الأفراد والدول.
فالطلب إلى الأمم المتحدة أن تعمل على حماية الأديان السماوية، لا يخرج في مغزاه عما عنته التظاهرات الغاضبة ضد الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية، ثم ضد الفيلم التافه والسخيف المسمى “براءة المسلمين”، من دون أن نقفز عن كتاب “آيات شيطانية”، الذي حلل المرشد الإيراني سفك دماء كاتبه سلمان رشدي. في كل هذه الحالات كان الرد عملاً سلبياً: يريد المعترضون تكبيل حرية التعبير، ردّاً على التجديف والتهجم، وينكفئون عن الاستفادة منها، لإقناع الرأي العام العالمي برقي دينهم ورسالته وبعديه الإنساني والأخلاقي.
عانت الديانة المسيحية، باستمرار، من النقد والتحامل والتشويه، في أعمال ثقافية تنوعت بين الكتابة والسينما والرسم، لكن لم يصل بها الأمر، تحديداً منذ القرن الماضي، إلى السعي للحد من الحرية، لا على مستوى العالم، ولا على مستوى أي بلد، لمعرفتها أن الحرية مذهب طبيعي سابق على الأديان، يحميها، وعليها أن تحميه.
كذلك عانت الديانة الإسلامية، وتعاني، من تحامل متمادٍ وظالم أحيانا، لكن ردود المؤمنين بها لم تكن، في المطلق، إلا مسيئة لها أكثر مما هي مدافعة عنها. وما طلب حماية الأمم المتحدة إلا تعبير عن عجز أهلها عن توفير هذه الحماية، التي لا تكون إلا بتقريبها من فهم العالم، إلى حد يجعل التهجم عليها ممجوجاً ومرفوضاً في تقييم البشر، فانتشار التحامل على الدين الإسلامي في العالم “يحمل نصف أوزاره متدينون بغّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم”، على قول الشيخ محمد الغزالي.
أليس مستغربا أن يكون العمل الثقافي الوحيد الذي قرّب صورة الإسلام إلى الغرب هو فيلم “الرسالة”، بالانكليزية، الذي موّله الديكتاتور القذافي، بينما لم تنتج دول النفط الأخرى سوى ترجمات للقرآن بكل اللغات، وصدّرت الدعاة الذين تظل مهمتهم هزيلة، لانحصارها في إدخال مؤمنين جدد إلى الدين الحنيف، بينما الأجدر تقريبه إلى العامة في كل مكان، بأعمال ثقافية وفكرية، تبسّط مفاهيمه بطريقة أذكى، خارج الكليشيهات اللغوية الممجوجة، فترفعه في نظرة غير المؤمنين به، أيا تكن كثرتهم.
ما يحمي الدين هو أعمال المؤمنين به، من علماء ومثقفين وكتّاب وفنانين وموسيقيين وسياسيين وقادة عسكريين، وليس تحويل الأمم المتحدة جمعية مهمتها المحافظة على الأخلاق والدين.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار