في مطار القاهرة او في الشارع وفي الاماكن المغلقة العامة والخاصة، يعبر المصريون عن انحيازهم الكامل إلى ثورة الشعب السوري. ولئن كان لوجود تيار الاخوان المسلمين في سلطة الدولة تأثير في التسهيلات التي منحت لمئات الاف النازحين السوريين بسبب الازمة السورية، فان ذلك لا يقلل من صورة الاجماع الشعبي والسياسي، سواء كان المواطن من معارضي “الاخوان” او من مؤيديهم، على اعتبار أن الثورة السورية امتدادٌ لثورتهم وللربيع العربي المستمر. وهو اجماع يتخذ بعدا خاصاً من منطلق سعي القوى المصرية على اختلافها الى أن يشكل ميدان التحرير، بكل ما يحمله من ابعاد، مرجعية الربيع العربي ومصدر الهامه وحمايته ونقده وتصويبه.
التعاطف مع الشعب السوري يمكن تلمسه في حديث الشارع ولدى المسؤولين في السلطة على السواء، واكثر في نشاط المعارضة السورية التي وجدت في هذا المناخ السياسي والوجداني حاضنا لشجونها وموفرا لها حيّزاً واسعا للنشاط السياسي والاعلامي والاغاثي. وهو ما يؤكده ناشطون سوريون يعتبرون القاهرة ومصر عموماً اكثر الامكنة أمانا لمثل هذا الحراك الجاذب للعديد من المراكز السورية الناشئة في اجواء الثورة. مراكز جعلت من القاهرة مركزا اساسيا لنشاطها الاعلامي والسياسي والفكري والتنظيمي. هذا في ظل تنامي الخيبة من حكومات دول الجوار السوري التي لم تتفاعل كما يرغبون حيال قضيتهم، خصوصا لجهة احتضان اللاجئين وحمايتهم من “النظام” ومن مخاطر الاستغلال.
لكن الحاضنة المصرية هذه ليست على ما يرام، فأسئلة “ثورة 25 يناير” لم تصل بعد الى اجوبة شافية، وهي ليست قادرة على التأثير في مسار الأزمة السورية بما يتلاءم مع طموحها. لم تزل غارقة في أزماتها التي ورثت جلها من نظام العزلة والانكفاء عن مصالحها الوطنية والاقليمية منذ نحو اربعة عقود. وتعاني من ارث الغياب عن دوائر ثلاث شكلت مدى حيويا لدورها الاستراتيجي وركائز سياستها الخارجية. اي الدوائر العربية والافريقية والاسلامية كما نظر اليها الرئيس جمال عبد الناصر.
ما رسخته ثورة 25 يناير في وعي الشعب المصري وقواه السياسية ان ازمات مصر الداخلية ليست منفصلة عن ازمة سياستها الخارجية، وان احداث الصدمة الايجابية في هذا الواقع المأزوم لم يتحقق بعد. فرغم الانجازات التي وفرتها الثورة لجهة انهاء فكرة الاستيلاء على الدولة والسلطة، وترسيخ مبدأ تداول السلطة واطلاق الحياة الحزبية من سجنها المديد، لم يكن ذلك كافيا لتحقيق المبتغى والطموح، لكنه فتح آفاقا بدت مغلقة لعقود مضت، وجعل الجميع امام تحدي وضع مصر فوق سكة النهوض.
يقول الباحث المصري الدكتور مصطفى اللباد في هذا السياق، ومن موقع انخراطه في الثورة، ان الدولة المصرية لم تتخلص بعد من النظام السابق وفلوله، وتحديدا من ثقافة احتكار السلطة والاستئثار الحزبي والفئوي. ويعتقد ان ازمة تيار الاخوان المسلمين اليوم الى عقلية الاستئثار، تكمن في انه يفتقد إلى رؤية استراتيجية محددة الاهداف، والوسائل لتحقيق النهوض بالمجتع والدولة والدور. ويضيف ان ما تبقى من النظام السابق في عقل الدولة واجهزتها لا يزال قويا وفاعلا، ولم يتوقف عن الذود عن مصالحه والقتال من اجل الدفاع عنها وحمايتها. وهو يقوى ويستمر من خلال سلوك استئثاري ونزعة سلطوية حادة اظهرها سلوك “الاخوان” في مسار الثورة وفي عملية الانتقال الى السلطة. ربما هذا ما يدفع المجتمع السياسي في مصر اليوم الى الانقسام بين مؤيد او معارض لتيار الاخوان المسلمين، وليس الانقسام بين الثورة وفلول النظام السابق.
يبقى ان مصر اليوم تستقبل كل قادم اليها كما لم يسبق من قبل. فالربيع العربي اطلق في مصر اسئلة المنطقة العربية برمتها وفتح باب الحوار بحرية لم تعرفها من قبل، واعادها كمركز بحث ونشاط يستقطب مختلف الاتجاهات السياسية في العالم العربي اليوم. قبل الثورة كان شعار “مصر اولا” هو الطاغي. بعد الثورة انفتحت شرايين مصر على العرب وبالعكس، ويمكن لمن زار مصر قبل ثورتها وبعدها ان يكتشف اليوم كيف تنمو فيها مجددا اسئلة الأمة والحضور في هذا العالم والتحديات التي تتجاوز حدود الدول الى الاقليم.
مصر اليوم، وان كانت تعاني اليوم من تراجع في القطاع السياحي ومن ازمة اقتصادية، إلا أنها بالتأكيد تتحول الى مركز استقطاب لمؤتمرات وورش عمل ومركز مطل على المنطقة (بعدما نأى لبنان بنفسه على هذا الصعيد) لا يمكن لأي طامح باحداث التحول الايجابي في المنطقة ان يغيّبه عن مشروعه.
من هنا يؤكد العديد من المعارضين السوريين، ان مصر ما بعد الثورة هي الحاضنة الفعلية للثورة السورية. حاضنة لا تستند الى دعم مالي او عسكري ولا تكتيكي سياسي، بل لأن السياسة المصرية وتنامي حضورها في مسار التغيير في سورية مطلبان شعبيان تتلمس مصر مسار نهضتها من خلالهما.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد