كان مقدرا لانتخابات الكورة الفرعية ان تكون مختلفة شكلا ومضمونا عن سابقتها التي جرت عام 2009، إلا أن النتائج التي أسفرت عنها هذه الانتخابات جاءت في الكثير من جوانبها مخيبة لآمال الفريقين في قوى 14 و 8 آذار.
في الجانب المشترك، أثبتت قوى 8 و 14 آذار تماسكها في المواجهة. ففي حين أبكرت قوى 14 آذار في إعلانها عن تماسكها ووقوفها خلف مرشح القوات اللبنانية النائب فادي كرم، فور اعلان ترشيح ترشيح كرم، وتحركت الماكينات الانتخابية لكل من دولة الرئيس فريد مكاري وتيار المستقبل واليسار الديمقراطي، وسائر مكونات هذه القوى، كان واضحا الإرباك الذي عاشته قوى 8 آذار، بدءا من تأخرها في الإعلان عن تسمية مرشحها الدكتور وليد العازار، وصولا الى تأخر ماكينات الحلفاء من مرده، وتيار عوني وحتى بعض السوريين القوميين، عن الالتحاق بركب مرشحهم.
إلا أن نتائج الانتخابات الفرعية أثبتت قدرة الفريقين على حشد المحازبين والانصار في الدقائق الاخيرة. بدليل بلوغ نسبة المقترعين 47% من مجموع الناخبين المسجلين، بما يتطابق مع النسبة المسجلة في انتخابات العام 2009. وهذه سابقة تسجل في انتخابات فرعية، إذ غالبا ما لا تجذب الانتخابات الفرعية الناخبين، خصوصا ان الفترة المتبقية للانتخابات العامة لا تتجاوز بضعة أشهر.
في جانب قوى 8 آذار، حققت هذه القوى، وعلى الرغم من هزيمتها، بعض الايجابيات التي يمكنها ان تعول عليها للمواجهة الانتخابية المقبلة.
فقد أثبتت انها تحتفظ بقدرتها الانتخابية والتجييرية وتماسكها، كما انها حققت بعض التقدم، ولو الطفيف، في بعض القرى والاقلام، قياسا الى الانتخابات السابقة. فسجلت احتفاظها بشعبيتها في عاصمة القضاء، أميون، وفي صفوف ابناء طائفة الروم الارثوذكس، مقابل تراجع ملحوظ في صفوف الطائفة المارونية، وثبات في صفوف الطائفة السنية، مقابل تصويت شيعي علوي لم يختلف عن انتخابات العام 2009، فوصل الى 99% من مجموع المقترعين.
في جانب قوى 14 آذار، التي وعلى الرغم من انتصارها، وفوزها في المقعد النيابي الذي كان لها أصلا، يمكن تسجيل بعض الاخفاقات! في مقدمها التراجع الذي سجله الفارق بين النائب كرم والمرشح وليد العازار، قياسا الى انتخابات العام 2009، حيث بلغ الفارق في الفرعية، قرابة 1200 صوت، في حين انه في العام 2009، كان الفارق بين النائب الراحل فريد حبيب، ومنافسه المرشح عن الحزب السوري القومي، سليم سعاده قرابة 2000 صوت.
قوى 14 آذار، حققت تدقما في صفوف الطائفة المارونية قياسا الى الانتخابات السابقة، وهي استطاعت رفع نسبة المقترعين من الموارنة، كما انها حافظت نسبيا على نسبة المقترعين من ابناء الطائفة السنية، ولكن إذا ما تم الاعتماد على الفروقات في نسب المشاركة بين انتخابات فرعية وانتخابات عامة، يمكن القول إن نسبة المشاركة السنّية في الانتخابات الفرعية، جاءت منسجمة مع النسب المتعارف عليها.
وفي معزل عن تفاصيل اليوم الانتخابي الطويل، لا بد من التوقف عند الظروف السياسية التي حكمت الانتخابات الفرعية.
فقوى 8 آذار خاضت هذه الانتخابات مدعومة بـ”حكومة اللون الواحد”، وبوجود وزير الدفاع من القضاء، مع ما يعني ذلك من دعم معنوي لهذه القوى. إضافة الى التزام الكنائس المسيحية الثلاث، المارونية والأرثوذكسية، والكاثوليكية، من خلال البطاركة، الراعي وهزيم ولحام، موقف الحياد الايجابي لصالح هذه القوى، وهو موقف متأتي من مجريات الثورة السورية.
الى العوامل السابقة، لا بد ايضا من التوقف عند الجامع السوري المشترك، لقوى 8 آذار، وهو الجامع الذي ما زال قادرا الى اليوم على ضبط إيقاع هذه القوى والزامها بالتعاون في ما بينها، مهما كانت الاختلافات والتباينات في وجهات النظر.
اما قوى 14 آذار، فخاضت الانتخابات في ظروف بوليسية، تحكمها لائحة الاغتيالات التي اصبحت معروفة وأخفقت في إصابة هدفين الى الآن، هما الدكتور جعجع والنائب بطرس حرب، مع ما يعني ذلك من إعاقات لوجستية لتحرك قيادات هذه القوى.
لائحة الاغتيالات حالت وتحول الى الآن دون التقاء قيادات قى 14 آذار دوريا من اجل مقتضيات التنسيق في ما بينها، ليس لخوض انتخابات فرعية فقط، بل لدرس الموقف من مجمل الاوضاع العامة في البلاد، واتخاذ المواقف المناسبة بشأنها.
الى لائحة الاغتيالات، كشفت الانتخابات الفرعية إنكفاءً وإحجاماً عن الحماس للمشاركة السياسية في صفوف الطائفة السنية، مع تسجيل احتفاظ تيار المستقبل، بنسبة 65 % من اصوات الناخبين السنّة، ما يعني ان هذا الإنكفاء لم يترجم إنقلابا لصالح قوى 8 آذار، ولا إنشقاقا على تيار المستقبل، بل هو ما يشبه الاعتكاف، وهذا ليس خافيا على قوى 14 آذار ولا يرقى الى مرتبة الداء المستعصي، بل ان المعالجات بدأت قبل الاقتراع في الانتخابات الفرعية، وهي ستستمر حتى موعد الانتخابات المقبلة.
خلاصات أوّليّة لانتخابات الكورة، كما رآها الكاتب السياسي الياس الزغبي.
- تمدّد أرثوذكسي واسع لـ 1٤ آذار ، باستثناء أميون (لعقدة تاريخيّة) .
– إحتفاظ ” تيّار المستقبل ” بنسبة تفوق 65% لدى السنّة .
– تحقيق ” القوّات اللبنانيّة ” رقماً قياسيّاً لدى الموارنة (أكثر من 70% ).
- نيل مرشّح 14 آذار 0% من الشيعة و 3% من العلويّين (من أصل 1000 صوت)!
– نيل مرشّح 8 آذار 1300 صوت سنّي (بينهم 300 صوت من عرب سوريا).
- إرتكاب وزير الدفاع فايز غصن جرم “صرف النفوذ” علناً، كطرف سياسي.
- إرتكاب “حزب الله” خطأً جسيماً في تجييش الشيعة ضدّ أكثريّات الطوائف.
- الحضور الهزيل للتيّار العوني، وهبوطه إلى أسفل لائحة القوى السياسيّة .